ينطلق في العاصمة الفرنسية باريس، اليوم، مؤتمر تقاسم الأدوار بين أطراف التحالف الدولي الذي تجهد الإدارة الأميركية لتشكيله بهدف تنظيم المواجهة المزعومة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، في ظل انقسام إقليمي واضح بين أنقرة والرياض لم تكتمل صورة عناصره بعد، وفي ظل غياب لافت لطهران، وقرار مصري بعدم المشاركة ما لم يكن «التحالف شاملاً» في إشارة إلى ضرورة أن تضم أهدافه ضرب تنظيم «الإخوان المسلمين»، وإعلان إسرائيلي واضح عن استعداد تل أبيب للتدخل فوراً في حال تهديد «داعش» للأردن.
وعشية المؤتمر، الذي يتزامن مع زيارة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان لقطر اليوم لبحث التحالف وملف طرد مجموعة من قادة «الإخوان» من الإمارة الخليجية، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إنه «متشجع للغاية» من تعهدات دول من داخل الشرق الأوسط وخارجه بإرسال معونات عسكرية في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، مشيراً إلى أن بعض الدول عرضت تقديم قوات برية.
وأعلن كيري، في برنامج لشبكة «سي.بي.إس»، «لدينا دول في المنطقة ودول خارجها، إضافة إلى الولايات المتحدة، جميعها مستعدة للمشاركة في تقديم معونة عسكرية وفي توجيه ضربات فعلية إذا ما كان ذلك ضرورياً. ولدينا ايضا عدد متزايد من الأشخاص المستعدين للقيام بكل الأشياء الأخرى». وأشار، في المقابلة التي سجلت في مصر مساء أول من أمس، إلى أن «هذه استراتيجية ما زالت تتشكل، بينما يتشكل التحالف والدول تعلن عما هي مستعدة لفعله». وأضاف «تشجعت للغاية بعدما سمعت من جميع الأشخاص الذين قابلتهم عن استعدادهم ورغبتهم في المشاركة».
وأعاد وزير الخارجية الأميركي مجدداً الحديث عن أنه لن يكون هناك تنسيق مع دمشق حول ضربات جوية أميركية محتملة ضد تنظيم «داعش» في سوريا. وقال كيري «لن ننسق (الحملة الجوية) مع سوريا. سنعمل بالتأكيد على تفادي التداخلات، والتأكد من أنهم (السوريون) لن يقوموا بأي عمل سيندمون عليه أكثر». وأضاف أيضاً «لا نتطلع إلى نشر قوات على الأرض ... هناك بعض (الدول) عرضت القيام بذلك، لكننا لا نفكر في ذلك في الوقت الراهن بأي حال». إلا أنه لم يسم تلك الدول.
في غضون ذلك، وفي برنامج «حالة الاتحاد» الذي تذيعه قناة تلفزيون «سي.إن.إن.»، سُئل كبير موظفي البيت الأبيض دينيس ماكدونو عما إذا كان هذا التحالف يحتاج إلى قوات برية، إضافة إلى قوات المعارضة في سوريا والقوات الكردية والقوات الحكومية في العراق، رد قائلاً «في نهاية المطاف .. من أجل تدمير الدولة الاسلامية في العراق والشام نحتاج إلى قوة لمواجهتها ويفضل أن تكون من القوى السنية».
وأشار ماكدونو إلى أن الرئيس باراك أوباما سيلتقي يوم غد الثلاثاء مع الجنرال جون آلن، الذي عين أخيرا مبعوثا رئاسيا خاصا لتشكيل «التحالف». وأضاف آلن أن كيري سيدلي بشهادته امام الكونغرس بهذا الشأن خلال الأسبوع الحالي.
وينطلق الاجتماع اليوم بعد أسبوع حافل أمضاه وزير الخارجية الأميركي بين عواصم دول الشرق الأوسط، خرج منه بتصوّر أولي للتحالف الدولي، أساسه بيان «مؤتمر جدة» الذي وقعت عليه عشر دول إقليمية، من دون توقيع تركي برغم حضور وزير خارجيتها مولود جاووش أوغلو. ونتج من هذا الاجتماع الاعتراف بالقيادة السعودية الإقليمية لأي تحالف مقبل، وسط «حرد» تركي ظهر جلياً خلال زيارة كيري إلى أنقرة أخيراً، وفي ظل مباركة هي الأولى من نوعها من قبل واشنطن بالدور الإقليمي لحكّام القاهرة الجدد. ويشارك في أعمال المؤتمر ممثلو 20 دولة، بينهم وزراء خارجية الدول الخمس الدائمة العضوية وجامعة الدول العربية، إضافة إلى ممثلين عن دول الجوار العراقي. وسيتم في هذا المؤتمر تحديد دور كل دولة في إطار التحالف العسكري والسياسي الذي تقوده واشنطن ضد التنظيم، برغم أن المؤتمر يأتي تحت عنوان «السلام والأمن في العراق».
وشكل حضور إيران المؤتمر نقطة إشكالية، إلا أن مساعد وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان حسم الأمر، يوم أمس، حين قال إن بلاده «ما زالت داعمة للعراق وسوريا في مكافحة الإرهاب»، مضيفاً «إننا لسنا بصدد المشاركة في مؤتمر استعراضي لمحاربة الارهاب». وأكد، في حديث إلى وكالة الأنباء الإيرانية «ارنا» أمس، أن «من المهم لإيران هو المكافحة الحقيقية وغير الانتقائية للإرهاب في المنطقة والعالم». من جهته، اتهم أمين المجلس الاعلى للامن القومي الإيراني، علي شمخاني، واشنطن بالسعي الى «انتهاك سيادة الدول بذريعة مكافحة الارهاب».
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدر دبلوماسي قوله إن «مؤتمر باريس»، «سيتيح لكل دولة ان تكون أكثر وضوحا حول ما تريد او ما بوسعها القيام به»، مشيراً الى ان القرارات التي ستصدر عنه لن يتم اعلانها بالضرورة. واضاف المصدر «لن نقول من سيضرب أو أين أو في أي وقت».
وعشية انعقاد المؤتمر، كان من المفترض أن يلتقي الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند نظيره العراقي فؤاد معصوم في باريس، إلا أن اللافت عراقياً ظهر من بغداد أمس، حيث أكد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن العراق يرغب بإقامة علاقات جيدة مع الدول العربية والخليجية، مشيرا إلى أن دولة قطر غيرت موقفها تجاه العراق، في موقف يعكس تبدلاً في الخريطة الجديدة للعلاقات بين الدول الإقليمية في ظل التحضيرات لـ»الحرب الأميركية» الجديدة.
ونقلت «قناة العراقية» عن العبادي قوله، إن «دول العالم وبينها تركيا ترغب بالتعاون مع العراق للمشاركة في الحرب ضد الإرهاب»، مشددا في الوقت نفسه على أن «البلاد ليست بحاجة لمقاتلين أجانب في هذه الحرب». وأضاف أن بعض الأطراف التي وصفها بـ«قوى الشر» أنفقت 3 مليارات دولار على «الجماعات الإرهابية».
وبمناسبة الحديث عن قطر، كان لافتاً تأكيد مصادر مطلعة أن خطوة الدوحة بطرد قادة من «الإخوان» جاء بضغط أميركي سعودي في محاولة لاسترضاء القاهرة وتشجيعها على المشاركة في التحالف. كما كان لافتاً، من الدوحة نفسها، حديث الشيخ يوسف القرضاوي، الداعية الإسلامي الذي يعتبر الأب الروحي لجماعة الإخوان المسلمين، الذي قال «أنا أختلف مع داعش تماماً في الفكر والوسيلة، لكني لا أقبل أبداً أن تكون من تحاربهم أميركا التي لا تحركها قيم الإسلام بل مصالحها وإن سفكت الدماء».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، الأناضول)