هل يكون شاطئ الرملة البيضاء «الشرارة» التي تشعل غضب أهل المدينة؟ هل ستوقظهم محاولة السطو الجديدة من سباتهم الذي أغفل السطو على الأملاك العامة والمساحات العامة وغض النظر عن سلبهم ذاكرتهم الجماعية؟ بعد الدالية – الروشة وحرج بيروت، حان دور شاطئ الرملة البيضاء، إذ يجري الحديث عن إنشاء «تصوينة خاصة» تمنع دخول «العموم» الى مسبحهم الشعبي، فيصبح المتنفس البحري الأخير للمدينة مغلقا في وجه أبنائه.
لا يقتصر خطر انشاء السور على «مسبح الفقراء» فحسب. ذلك أن الموافقة على ترخيص السور (إذا ما جرت) تضعنا أمام سياسة تمعن في تهميش المصلحة العامة، وتستكمل مسار السطو على الأملاك العامة المرسوم منذ عقود. سياسة تؤدي حتما الى تهميش الكثير من الفئات الاجتماعية لمصلحة «الوحوش العقارية»، وستفضح الممارسات الريعية للمعنيين الذين «يلهثون» وراء المستثمرين ويتعاملون مع العقارات الخاصة كـ«حقوق مقدّسة». من هنا، يأتي اللقاء الذي ستعقده الهيئات والتجمعات المدنية لـ«مناقشة كيفية التحرّك لاسترداد المساحات والأملاك العامة»، الذي دعت اليه جمعية «نحن» الإثنين المقبل. الدعوة الى اللقاء تأتي على خلفيات عدة مرتبطة بعضها ببعض، يشرح المدير التنفيذي لجمعية «نحن» محمد أيوب أن «القضية التي تجمع الرملة البيضاء ودالية الروشة وحرج بيروت هي واحدة، وبالتالي سنناقش كيفية التحرّك على هذه المستويات الثلاثة».

يترتب على اصحاب العقارات حماية الحق الاجتماعي العام


«لا يمكننا الفصل بين الرملة البيضاء ودالية الروشة»، يقول الناشط البيئي رجا نجيم، في رأيه «أن المخطط واحد، وهو القضاء على المساحات المشتركة بين أهل المدينة، واستكمال أعمال وضع اليد على الأملاك العامة». وتؤكد الناشطة في «الحملة الأهلية للدفاع عن دالية – الروشة» عبير سقسوق أن «الحملة» ستشارك في اللقاء وستجهد لتأمين الدعم اللازم، فيما يأمل أيوب تضافر الجهود بين المنظمات المدنية لأن «القضية العامة لا يمكن أن تكون منوطة بجمعية دون أخرى»، يؤكد أن «التحرّك سيكون للضغط على بلدية بيروت لتتحمّل مسؤولياتها، بدءًا من فتح حرج بيروت مرورًا بإزالة السياج على الكورنيش البحري المطل على الدالية وصخرة الروشة وصولا الى عدم إعطاء ترخيص لإقامة السور حول المسبح الشعبي في الرملة البيضاء، وبالتالي إبقاء كل هذه المساحات مفتوحة للعموم مجانا وعلى نحو حر».
«الشعارات التي سنحملها واضحة منذ اللحظة»، يقول نجيم، وفي مقدمها مطالبة البلدية بالتراجع عن ممارساتها الأخيرة (وضع السياج والاسلاك الشائكة وإغلاق الحرج وغيرها)، ولا سيما ان التراجع عن هذه الممارسات يقع في صلب مهمات البلدية ولا يرتبط باي وزارة او جهة اخرى.
الجدير ذكره أن القانون يمنع استثمار الأملاك البحرية في المنطقة التي تضم الدالية والرملة البيضاء، وبالتالي من عمد الى شراء العقارات هناك «آملًا» تعديل القوانين والتحايل عليها (كما حصل في نماذج مماثلة) هو من عليه أن يدفع الثمن. من هنا، لا تغدو دعوة البلدية الى استملاك هذه العقارات الحلّ الوحيد، طالما أن هناك قوانين تمنع المالكين من الاستثمار هناك. تلفت الأستاذة المشاركة في الجامعة الأميركية منى فوّاز الى المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه التنظيم المدني: «استغلال العقارات الخاصة يجب أن يخضع للقوانين ذات الصلة، وهي قوانين تحدّد طريقة استثمار الأراضي على نحو يراعي المصلحة العامة»، إذًا فإن أصحاب العقارات الخاصة، وفق فوّاز، يترتب عليهم حماية الحق الاجتماعي العام، فيما يقول المحامي نزار صاغية إن «الملكية الخاصة يجب ألا تؤذي الحق العام، بل وُجدت من أجل زيادة موارد الدولة وتفعيلها ضمن منظومة فكرية معينة»، مضيفًا أن المادة 15 من الدستور اللبناني تؤكد أنه يمكن نزع الملكية الخاصة لتحقيق المنفعة العامة. ويجد المحامي إيلي خطار أن وضع السور على الشاطئ يخالف مبادئ عامة مهمة، متمثلة في منع حجب النظر الى الشاطئ والحرص على تواصله (منع اجتزائه) اضافة الى مبدأ الولوج الحرّ الى البحر. ويضيف خطّار أن تملّك العقارات الخاصة لا يشرعن التعدي على الأملاك العامة، فلكلّ منها قوانينها التي ترعاها.
يُذكر أن رئيس بلدية بيروت بلال حمد أشار الى «إمكانية استملاك هذه العقارات» ضمن الاقتراحات المطروحة، و«تنظيم المسبح الشعبي القائم عليه على نحو يليق ببيروت وأهلها». علما أن حمد كان قد وعد بتنظيم الحرش على نحو يليق ببيروت وبأهلها، قبل أن يُحكم إغلاقه في وجههم، وهو الذي سمح باقامة السياج حول الدالية، وابقى الحرس البلدية في نقطة دائمة لحراسة السياج، وهو ما يرتب كلفة يسددها المقيمون في بيروت، الرافضون لهذه الممارسة المتعارضة مع المصلحة العامة!