مع نهاية شهر آذار، يكون قد مرّ حوالي 50 يوماً على صدور القرار الأميركي المتضمّن تعليقاً جزئياً ومؤقّتاً للعقوبات المفروضة على دمشق، وذلك على خلفية الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا في شباط الماضي. وتالياً، فإن الفترة المتبقّية من مدّة سريان ذلك التعليق تبلغ حوالي 130 يوماً. وهذا يطرح جملة تساؤلات في اتّجاهين: الأوّل يتمحور حول الفائدة المتحقّقة فعلاً للسوريين من القرار المذكور، ولا سيما في ملفّ مساعدات الإغاثة والاستجابة الدائمة لِمَا خلّفه الزلزال من أضرار مباشرة وغير مباشرة، والثاني يرتبط بالإجراءات الحكومية السورية للاستفادة من الخطوة الأميركية، والتي هي في نهاية المطاف، بحسب رأي دمشق، لا تلبّي مطلبها الأساسي المتمثّل في رفع العقوبات كاملة، ومن دون قيد أو شرط.
لا أثر فعلياً
منذ اللحظات الأولى لصدور القرار الأميركي، اتّفقت غالبية الآراء ووجهات النظر، الرسمية وغير الرسمية، على أن الغاية من إصداره إعلامية لا أكثر، ولا سيما أن تصريحات المسؤولين الأميركيين خلال الأيام الأولى التي أعقبت وقوع الزلزال، كانت تنفي أصلاً أن يكون للعقوبات المفروضة على سوريا أيّ أثر على الجوانب الإنسانية ومجالات الإغاثة. كما أن مرور كلّ تلك الفترة من دون أن يلمس السوريون أيّ أثر حقيقي على حياتهم، يثبت نظرية الأبعاد الإعلامية الصرفة للخطوة الأميركية، التي هي إلى الآن بحسب الباحث الاقتصادي، فادي عياش، «بلا تأثير واقعي». ويرى عياش، في حديثه إلى «الأخبار»، أن الإدارة الأميركية «وجدت نفسها محرَجة أمام كسر العقوبات من قِبَل عدّة دول كالجزائر، العراق، الأردن والإمارات، ثمّ بعض الدول الأوروبية. ولذا، كان عليها إمّا أن تعاقب جميع الدول التي كسرت عقوباتها، أو غضّ الطرف عمّا حدث والإعلان أن المساعدات الإنسانية ليست ضمن مجالات إجراءاتها القسرية، وذلك بغية الحفاظ على صورتها أمام الرأي العام العالمي».
وإذا كان يمكن اعتبار هبوط بعض الطائرات الأوروبية - المحمّلة بمساعدات إغاثية - في المطارات السورية، جزءاً من مفاعيل القرار الأميركي، فإن المفاعيل الأخرى المرتبطة بحياة السوريين، وهي الأهمّ في ضوء ثقل احتياجات مرحلة ما بعد الزلزال، بقيت رهينة سلسلة إجراءات عميقة ومتشابكة لا يمكن معالجتها إلّا برفع كامل للعقوبات وتغيير السياسة الأميركية في هذا الملف. ومثال على ذلك التحويلات المالية الخارجية المرتبطة بأغراض التعافي من الكارثة، والتي تواجه اليوم صعوبات عدّة من قَبيل منع السوريين من فتح حسابات في العديد من المصارف الخارجية، والحيلولة دون إعادة ربط المصارف السورية بشبكة «سويفت» العالمية. وهي صعوبات كانت السبب في فشل العديد من مبادرات المغتربين السوريين خلال الفترة الماضية لجمع تبرّعات لصالح متضرّري الزلزال من جهة، واستمرار ارتفاع كلف التحويل عبر القنوات غير الشرعية من جهة ثانية.
لم تتلقّ المؤسّسات الحكومية السورية، حتى اليوم، أيّ ردود إيجابية أو سلبية على كتبها


ولعلّ هذا هو ما كان أشار إليه بوضوح دريد درغام، الحاكم الأسبق لمصرف سوريا المركزي، في تحليل نشره على صفحته في اليوم نفسه لصدور القرار، حيث خلص إلى أن «خطوة الإدارة الأميركية غرضها إعلامي بالدرجة الأولى. وإنْ تمّ تنفيذ جزء من القرار فسيكون لغايات في نفس الأميركي، وخير دليل على ذلك هو مأساة المناطق المنكوبة الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، وقلّة المساعدات التي وردت إلى باقي المناطق السورية مقارنة مع المعونات التي وردت إلى تركيا». ويؤمن الرجل الذي خاض مفاوضات مع الأميركيين، أواخر العقد الأول من القرن الحالي، على خلفية فرض عقوبات على المصرف التجاري السوري، أن كلّ التجارب السابقة تؤكد أن واشنطن لم ترفع، لا جزئياً ولا كلّياً، أيّ عقوبات فرضتها على عواصم أخرى؛ وعليه، فما الذي سيدفعها إلى تغيير سياستها تلك تجاه دمشق، فيما هي كانت مع ليبيا والعراق والسودان وغيرها، متشدّدة إلى حد تطبيق حصار كامل تسبّب بقتل مئات آلاف الأطفال والنساء، كما في حالة العراق الذي لا يزال شاهداً على ما تَقدّم.

اختبار نوايا
على رغم الموقف المليء بالشكوك حيال الغاية الأساسية من إصدار القرار، والقناعة بحتمية الردّ السلبي على أيّ جهود سوف تُبذل للاستفادة منه، إلّا أنه برزت دعوات للحكومة، من قِبَل بعض المتخصّصين، إلى تشكيل فريق قانوني واقتصادي خبير يتولّى مهمّة دراسة «الاستثناءات» الأميركية، ووضع الاقتراحات التي يتوجّب على الحكومة العمل عليها خلال الفترة المحدّدة فيها، وذلك بغية الانتفاع ما أمكن منها، أو في أسوأ الأحوال تفنيد المزاعم الأميركية. لكن يبدو أن مضمون القرار نفسه، وآلية تنفيذه، وضعف الأداء الحكومي حياله، جميعها عوامل تسبّبت بخلق حالة من الجمود الحكومي في التعاطي معه. وفي هذا المجال، يشير عياش إلى أن القرار لا يتضمّن ما هو جديد، «فهو لا ينصّ على أيّ إعفاء فعلي، وحتى صيغته تستثني النفط ومشتقّاته، وكذلك في ما يتعلّق بالتحويلات المالية. ولذا، فإنه لا يشكّل فرصة حقيقية من جهة؛ ومن جهة أخرى، نحن غير مؤهَّلين لاستثمار أيّ ثغرات تعتريه، ولا سيما أن الأطراف الأخرى المعنيّة ليست جدّية في تجاوز الإجراءات الأميركية».
وسُجّلت، في خلال الفترة الماضية، خطوات حكومية محدودة، أبرزها ما أُعلن عنه من اجتماعات خاصة أجراها المصرف المركزي مع ممثّلي المصارف المحلّية، لبحث الإجراءات المتوجَّب إنجازها لإعادة تفعيل نظام «سويفت» العالمي للحوالات المالية، إلّا أنه، إلى الآن، لم يتمّ الإعلان عن نجاح تلك الجهود. كذلك، علمت «الأخبار» أن بعض الوزارات عملت على توجيه كتب ومخاطبات رسمية إلى جهات إقليمية ودولية بغية الاستفادة من بعض المستحقّات المالية المجمّدة منذ عام 2011 لشراء مواد غذائية وطبّية، أو الحصول على قروض من بعض المؤسّسات الدولية مقابل المساهمة السورية السنوية، بحيث تخصَّص هذه القروض لمواجهة الأعباء الجديدة التي فرضتها كارثة الزلزال. غير أنه، بحسب المعلومات، لم تتلقّ المؤسّسات الحكومية السورية، حتى اليوم، أيّ ردود إيجابية أو سلبية على كتبها، علماً أن بعضاً من هذه الأخيرة وُجّهت إلى مؤسّسات عربية، ولذا فإن مضمون الردّ عليها سيكون إشارة كاشفةً ليس فقط عن طبيعة الهدف من القرار الأميركي، وإنّما أيضاً مدى جدّية الانفتاح العربي على دمشق، والتأثير الأميركي عليه.