أنهى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أزمة التوقيت الصيفي بقرار اتخذه مجلس الوزراء نقَضَ الموافقة الاستثنائية التي كان وقعها في صدده في 23 آذار. رمى هذا المخرج - دونما أن يكون بعيداً مما لمح إليه اجتماع ميقاتي بالرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام - إلى تجنّب تحمّل مسؤولية إفرادية ودفع بالحل إلى مجلس الوزراء. عُدّ اجتماع الرؤساء السنّة الثلاثة مساء الأحد أكثر من مؤشر أولي إلى التراجع عن القرار، واحتاج كذلك إلى غطاء سنّي بعدما بلغ التسعير الطائفي ذروة في الاشتباك منذ أعلن عن القرار وأفصح عن انقسام عمودي خطير في البلاد. لأشهر طويلة لم يجتمع نادي رؤساء الحكومات السابقين ولم يعز ميقاتي مرة الحاجة إليه إلى أن تطلّب الأحد أن يمدّه بالسلم الذي ينزله عن مشكلة التوقيت.انتهى حل المشكلة بصدور قرار عن مجلس الوزراء يؤكد قراراً سبق أن اتخذه المجلس برقم 5 مؤرخ 20 آب 1998 كان أكد التزام روزنامة التوقيتين الشتوي والصيفي العالميين المحدِّدين لموعد بدء سريان كل منهما ونهايته.
في ما رواه ميقاتي للوزراء أنه أبدى أمام رئيس مجلس النواب نبيه برّي ملاحظة مستقاة من المديرية العامة للطيران المدني تخطره أن من المتعذر الخروج من الروزنامة الدولية. للتو خابر برّي رئيس مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت فلم يمانع في تأجيل تأخير الساعة. من ثم توافق الرئيسان على هذا الإجراء.
مهد لقرار 1998 قرار سابق رقمه 5 مؤرخ 23 أيلول 1992 يتيح اعتماد توقيتين شتوي وصيفي قبل أن يُلحق به قرار 1998 الذي يلزم لبنان الانتظام في روزنامة التوقيت الدولية. منذ عام 1998 إلى البارحة، كلما دنا موعد أي من التوقيتين الشتوي والصيفي، تصدر مذكرة عن رئاسة مجلس الوزراء تذكر بقرار 1998 على أنه نافذ ومعوَّل عليه، فلم يُخرج عليه مذذاك أو يُغامر بالتلاعب به.
في نهاية المطاف انتهت المشكلة في خمسة أيام أوشكت أن تدخل البلاد في نزاع أهلي طائفي مستعاد من الماضي. كأن كل ما هو قائم بالكاد على عكاز. بالتأكيد لم تكن ثمة خلفية متعمدة للقرار أو استفزاز موصوف لفريق من دون آخر، بل توخى تأجيل تأخير الساعة بوضوح تسهيل إمرار الصيام، بيد أنها قادت إلى تبعات غير محسوبة:
أولها، دخول المرجعيات الدينية على خط الخلاف واصطفافها واحدة تلو أخرى في مواجهة بعضها بعضاً، كما لو أن البلاد على أبواب «حرب دينية».
ثانيها، إشارات سلبية أرسلتها أوساط ميقاتي إلى احتمال اعتكافه عن ممارسته صلاحياته هو الذي يترأس حكومة حلت في اختصاصات رئيس الجمهورية الشاغر منصبه. عنى ذلك التوقف عن أي جلسة لمجلس الوزراء والتوقف أيضاً عن إصدار موافقات استثنائية. مع أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نفى عزمه على الاعتكاف، إلا أن رسائل ذات مغزى حضّته على عدم المجازفة هذه في الوقت الحاضر التي لا تُفسَّر سوى تقويض المؤسسة الدستورية الوحيد العاملة - وإن كبطة عرجاء - بينما لا تزال الرئاسة بلا رئيس للجمهورية والتئام مجلس النواب دونه عقبات جدية. مع أنه انتهى إلى إلغاء قرار 23 آذار، إلا أن ميقاتي لم يكتم غضبه من الحملة الإعلامية التي طاولته. عوض إلغاء القرار للتو، ذهب إلى إلغاء جلسة مجلس الوزراء المحددة أمس لجدول أعمال مختلف تماماً عما نوقش، وهو تحسين تعويضات العسكريين لا سيما منهم المتقاعدين وموظفي القطاع العام ومنح تقديمات جديدة لهم.
السنيورة وسلام أعطيا ميقاتي سلماً أنزله عن مشكلة التوقيت الصيفي


ثالثها، مع أن قرار 23 آذار صدر بموافقة استثنائية وقعها ميقاتي على أن تعرض على مجلس الوزراء لاحقاً لتأكيدها، بيد أن ما حصل أن المجلس نقض القرار كي يحل آخر محله بعدما كان سرى تنفيذه خمسة أيام ووضع البلاد على فوهة بركان. يطرح هذا المخرج مشكلة مزمنة منذ بدء الشغور الرئاسي يشكو منها معارضو رئيس حكومة تصريف الأعمال، هي استنسابه إصدار موافقات استثنائية كما استنسابه الدعوة إلى جلسات مجلس الوزراء. عندما دعا إلى أولى جلسات المجلس في 5 كانون الأول الماضي وتفتق عنها خلاف حاد بينه وبين رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل تمددت عدواه على نحو أسوأ إلى باسيل وحزب الله، تمسك ميقاتي بانعقاد الجلسة أياً تكن وطأة معارضتها، دونما احتكامه إلى الموافقات الاستثنائية المتيحة له إصدار قراراته كأن مجلس الوزراء صادق عليها. في مرات تالية صار يربط اتخاذ أي إجراء بانعقاد مجلس الوزراء لا بالموافقة الاستثنائية، ما وضع بين يديه في مواجهة خصومه سلاحين يشهر كل منهما في الوقت الذي يختاره.
رابعها، كان مقرراً في فحوى مناقشات جلسة مجلس الوزراء أمس أن يقترن القرار المعاكس باعتماد التوقيت الصيفي بمباشرة تطبيقه، بيد أن رئيس حكومة تصريف الأعمال استمهل 48 ساعة تنتهي ليل الأربعاء - الخميس. كانت المديرية العامة للطيران المدني أخطرته أنها تحتاج إلى 72 ساعة لإعادة برمجة أنظمتها السارية. في الحصيلة لم تكن الجلسة سوى شكلية لتسهيل إخراج قانوني للتراجع عن قرار لم يكن سياسياً في أي لحظة، مقدار ما بَانَ في حجم «غلطة الشاطر». لم تكن ثمة نقاشات وآراء متعارضة. أما تعليقات الوزراء فلم تخرج عن سياق تأييد الإجماع الوطني والاستقرار الأهلي.