قبل الغوص في فحوى قوانين الأحوال الشخصية، يكرّس استمرار وجود 15 قانوناً، التمييز بين اللبنانيين، ولا سيما بين النساء، باعتبار أن كلّ قانون يحدّد سقفاً لحضانة الأم لطفلها بعد الطلاق، ولكلّ طائفة الحرية، بموجب المادة التاسعة من الدستور، بوضع نظام الأحوال الشخصية الذي تراه مناسباً. وقوانين الأحوال الشخصية كما تراها الناشطة النسوية علياء عواضة «معروفة بالتمييز ضدّ المرأة في مختلف مناحي الحياة، فتصدر عن المحاكم الدينية قرارات مجحفة بحق المرأة وخاصة على صعيد الحضانة، ويكون الضحية، إلى جانب الأم، الطفل أيضاً، لأنه لا تؤخذ مصلحته الفضلى في الاعتبار».لا تنتهي القصص المأساوية التي تعيشها الأمهات في لبنان بعد الطلاق، والتي لا يظهر منها إلى العلن غير القليل، حتى شكّلت حضانة الأم لأطفالها قضية محورية في نضالات الحركات النسائية، وإن عجزت عن إقرار قانون مدني يترتب عليه الحدّ من التمييز والظلم في قضايا الحضانة.

«أحوال شخصية موحّدة»
المحاولات مستمرة وآخرها مشروع اقتراح «قانون الأحوال الشخصية الموحّدة» الذي تقدمت به جمعية «كفى عنف واستغلال» إلى المجلس النيابي أواخر العام الماضي، وينصّ على «الحضانة المشتركة بعد الطلاق، على أن يسكن الطفل مع والدته في منزل الأسرة، إلا في الحالات الاستثنائية إذا كانت مصلحة الطفل أو رأيه يستدعي التصرف خلافاً لذلك».
تفسّر مسؤولة وحدة العنف الأسري في منظمة «كفى» المحامية ليلى عواضة معنى الحضانة المشتركة بـ«بقاء الولد كأولوية مع الأم، من دون أن يكون هناك وقت محدّد لرؤية الأب له أو محادثته، فيفعل ذلك وقتما يريد، إلا في الحالات الاستثنائية، كأن ترى المحكمة أن بقاء الطفل مع أمه يشكّل ضرراً على الولد، أو إذا كان الأب يعرّض الأم للعنف عند التواصل مع ابنه». مصلحة الطفل هي الأساس برأي عواضة التي تشدّد على «ضرورة أن يلتقي والديه حتى بلوغ سن الـ18 أو على الأقل سن الـ15، فيقرّر مع من يريد أن يعيش، من دون أن يميّز القانون بين الجنسين، فما ينطبق على الذّكر ينطبق على الأنثى».

تعديل كلّ طائفة على حدة
عندما فقدت الجمعيات النسوية والناشطات المهتمات في قضايا المرأة والحضانة الأمل من تمرير قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية، توجّه بعضها إلى تعديل قوانين الأحوال الشخصية لدى كل طائفة على حدة، إذ عدّلت طائفة الروم الأرثوذكس المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية عام 2003، ورفعت سن الحضانة من 7 سنوات إلى 14 سنة للذكر ومن 9 سنوات إلى 15 سنة للأنثى. كذلك عدّلت الطائفة الإنجيلية قانون الأحوال الشخصية لديها عام 2006، ورفعت، بموجب المادة 74، سنّ الحضانة من 7 سنوات حتى 12 سنة للذكر و13 سنة للأنثى. وبعدما كانت السن المحدّدة لحضانة الأم لدى طائفة الموحدين الدروز 7 سنوات للذكر و9 سنوات للأنثى، أصبحت الحضانة حتى 12 عاماً للذكر، و14 عاماً للأنثى. وعُدّلت سن الحضانة لدى الطائفة السنية عام 2011 من بلوغ الصبي سن السابعة وبلوغ الفتاة سن التاسعة وفق الرواية الراجحة في المذهب الحنفي، إلى سن 12 عاماً للذكر والأنثى، وذلك بموجب قرار صادر عن المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الذي يتمتع بصلاحية التشريع في هذا المجال تبعاً للقانون الرقم 177 الرامي إلى تعديل المادة 242 من قانون تنظيم القضاء الشرعي السني والجعفري. لكنّ الطائفة الشيعية لم تلتزم بالتعديل ولا تزال تتمسك بسقف السنتين لحضانة الأم للذكر و7 سنوات للأنثى. وتبقي الطوائف الكاثوليكيّة على عمر السنتين لحضانة الأم لأولادها، ذكراً وأنثى.
عملت بعض الجمعيات على تعديل قوانين الأحوال الشخصية لدى كل طائفة على حدة


لا تعديلات لدى الطائفة الشيعية
تنال المحاكم الدينية لدى الطائفة الشيعية في لبنان حصة الأسد من الانتقادات لاستمرارها في رفض إعادة النظر في مسألة الحضانة، في إطار النصوص الشرعية والفسحة الاجتهادية التي يدعو إليها مراجع كبار لرفع سن حضانة الذكر إلى 7 سنوات بالحد الأدنى. وتستفزّ الأمهات الاستنسابية في القرارات القضائية، فـ«رئيس محكمة صور القاضي حسن عبدالله، ورئيس محكمة الشياح القاضي موسى السّموري، منحا الأم 4 أيام حضانة في بعض الحالات، لماذا لا يكون ذلك عرفاً ويُطبق على الجميع لتعميم الحضانة المشتركة؟»، يسألن.
لا تغوص الناشطة علياء عواضة في مسألة تمييز أيّ القوانين الطائفية أسوأ من غيرها، فـ«كلّها تظلم النساء وتعرّضهن للتمييز الجندري من دون الأخذ بمصلحة الطفل». لكنها تعلّق على عدم تطوّر قوانين الطائفة الشيعية في ما يخصّ قضية الحضانة، كما حاولت غيرها من الطوائف على الرغم من الحملات «التي قادتها سيدات لرفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية، والتي أخرجت التعسّف الممارس ضدهنّ إلى الضوء».
لكنّ صوت الأمهات لم يعد يصدح بالظلم والحرمان، ولم يعد الرأي العام ينشغل بقضية الحضانة بالزخم الذي شهدناه لسنوات، كما لم تعد قصص الأمهات المحرومات من أطفالهن تتصدّر مواقع التواصل الاجتماعي. فهل تراجع الظلم؟ «كلا، صوت الأزمات التي يمرّ بها لبنان يُسكِت صوت الأمهات»، تجيب عواضة.



زينة إبراهيم: الأمهات استسلمن
لماذا هدأت «الحملة الوطنية لرفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية» التي قادتها زينة إبراهيم والراحلة نادين جوني منذ عام 2013؟
بكثير من الإحباط والاستياء تقرّ إبراهيم «لن أعيد تجربة السنة الماضية، عندما دفعت على الصوتيات، فلم أجد من تصرخ على باب المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وجهّزت اللافتات فلم ألقَ أيدياً تحملها». ليست إبراهيم من دفنت قضية الحضانة، وهي من نالت حضانة ابنها كاملة، لكنها تعرّفت أثناء تجربة طلاقها إلى «القوانين المجحفة» في المحكمة الجعفرية، ودخلت المجلس فـ«شهدت على ظلمه» وقرّرت أن تقود الحملة. «الأمهات هن من استسلمن، وكان 21 آذار في العام الماضي تاريخاً أسودَ». ماذا تغير؟ لا تملك إبراهيم جواباً، كمن يتحزّر، «هل هي التحديات الاقتصادية والأمنية؟ هل فقدت الأمهات الأمل من الحملة؟ هل قصّرْنا نحن في المتابعة والضغط؟»…
وعن عدم نجاح الحملة في رفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية، أسوة بما حقّقته نضالات أخرى مثل جمعية «شبكة حقوق الأسرة» التي تمكنت من الضغط لتعديل سن الحضانة لدى الطائفة السنية بعد تبنيها طرح سن 13 للصبي و15 للبنت، تلفت إبراهيم إلى أنه «إضافة إلى نضالات النساء وجهود الشبكة، كانت هناك إرادة سياسية وتجاوب من دار الفتوى لتعديل سن الحضانة لدى الطائفة السنية، لكنّ السنوات التسع التي قضيناها على الطريق لم تهزّ أحداً، مقابل النضال هناك جماد. وعندما استمعت المرجعيات الدينية إلينا وضعت العصي في الدواليب واقترحت أن نشكل لجنة ونتقدم بها إلى المجلس النيابي، لكن أنا كفرد كيف أفعل ذلك من دون إمكانات مادية على الأقل؟».


«هيومن رايتس ووتش»: تمييز المحاكم
كشفت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في مراجعتها لقضايا الحضانة في لبنان عام 2015 عن منح المحاكم الطائفية الحضانة للأب في بعض الحالات لأسباب بطبيعتها تمييزية، لا علاقة لها بقدرتها على رعاية الطفل. وتشمل الأسباب «انتماء الأمهات الديني المختلف عن دين الطليق، طول ساعات العمل، الزواج مرة أخرى، أو سلوكيات اجتماعية «مشبوهة». فيما حقّ الأب في حضانة أولاده لا يسقط في حال تزوّج مجدداً، واحتمالات الحكم عليه بعدم الأهلية أقلّ، ويعود ذلك إلى حالات قصوى يعجز فيها عن الرعاية بسبب إدمان الكحول أو المخدّرات...».