على رغم إدخال الائتلاف الإسرائيلي الحاكم تعديلات على مقترحه لتعديل آلية تعيين القضاة، لا تزال هذه الخطة تثير موجة اعتراضات واسعة في الكيان، وسط بوادر انقسام حتى داخل حزب «الليكود» نفسه حيالها. ولعلّ «أخطر» ما في تلك البوادر وتأثيراتها هو تلويح وزير الأمني، يوآف غالانت، بالاستقالة، في حال عدم التوصّل إلى تسوية مع المعارضة، وتحذيره من أن المضيّ في هذا الطريق من دون توافق، سيؤدّي إلى «تفكّك الجيش». وممّا يزيد الصورة «قتامة» في إسرائيل، أيضاً، تواتُر تحذيرات مؤسّسات التدريج الائتماني من انعكاسات سلبية لخطّة «الإصلاح الاقتصادي» على موقع إسرائيل على سلّم الائتمان، الأمر الذي نبّهت شعبة الميزانيات في وزارة المالية إلى أنه كفيل بذاته بتخويف المستثمرين وتنفيرهم من الكيان

غداة إعلان وزير العدل وعرّاب «الانقلاب القضائي»، ياريف ليفين، أن «الليكود» «لن يتقبّل رفْض المحكمة العليا مخطّط الإصلاحات القضائية»، في حال توجّهت المعارضة إلى الاستئناف ضدّه، طفت الخلافات داخل الحزب الحاكم على السطح، إذ احتجّ وزير الاقتصاد وعضو «الليكود»، نير بركات، على موقف زميله في الحزب، قائلاً إنه «في حال رفْض العليا الخطّة، سأحترم القرار». وفي «مؤتمر الخليج» الذي عُقد أمس في مدينة حيفا، اعتبر بركات أن «الإصلاحات في النظام القضائي، وعلى رأسها تنويع القضاة والذي يعبّر عن الفسيفساء الإنسانية التي يتألّف منها المجتمع الإسرائيلي، هي ضرورة واقعية ملحّة»، مؤكّداً أنه يساند «بشكل كامل الإصلاحات المطلوبة، من دون أن تتدخّل المحكمة العليا في ذلك، أو تلغي التشريعات التي يسنّها الكنيست». ولكنّه أوضح، في الوقت نفسه الذي تظاهَر فيه المحتجّون على «الانقلاب القضائي» خارج قاعة المؤتمر، أنه لا يؤيّد «إطلاقاً السير بشكل أعمى في أزمة دستورية في إسرائيل. مصلحة (الأخيرة) هي الأهمّ بالنسبة إلي. هكذا نشأت، كجندي وكضابط وكمواطن... وفي حال قرّرت العليا - للأسف - رفْض الإصلاحات، لن أقدّم صوتي ويدي في سبيل الفوضى، حيث يفقد مواطنو إسرائيل ثقتهم بالحكومة وأنظمة العدالة». وعلى وقْع هتافات المحتجّين داخل القاعة بـ«استقيلوا ولا تدعوه يستمرّ. هذا عار. أوقفوا الانقلاب»، أعرب وزير الاقتصاد عن أمله أن «نجد الطريق بإجماع واسع لتنويع تركيبة القضاة لصالح مواطني إسرائيل. كشخص حارب من أجل دولة إسرائيل وخسر قادة وجنوداً في المعارك، أعدكم: سأوقف بجسدي حرب الأشقاء وتفكّك مؤسسات الدولة».
وردّاً على بركات، رأى «الليكود» أن «النقاش العبثي حول أزمة دستورية، يوضح فقط مدى ضرورة الإصلاح القانوني لإعادة التوازن الصحيح بين السلطات»، معتبراً أن «المحكمة العليا ليس لها سلطة أو سبب للتدخّل في تعديل القانون الأساسي الذي يحدّد كيفية تعيين القضاة، بالضبط لأنها لم تتدخّل في الماضي عندما تمّ تعديل القانون منذ أكثر من عقد»، مضيفاً أن «المبدأ القائل بأن المحكمة العليا ليست لها سلطة إبطال قوانين أساسية يَظهر في جميع الخطوط العريضة، بما في ذلك مخطّط الرئيس، وسيكون هذا راسخاً في الإصلاح القانوني، وبالتالي لا مجال لأزمة دستورية». وأتى هذا الجدل بعدما أعلن وزير العدل أن «الائتلاف لن يَقبل رفْض المحكمة العليا المخطّط الجديد لتغيير تشكيلة لجنة اختيار القضاة»، متوقّعاً أنه «إذا رفضت "العليا" القانون، فستكون هناك خطط لإفشال التشريع، بجميع أنواع الوسائل غير القانونيّة»، معتبراً أن ذلك «خطّ أحمر ولن نرضى بتجاوزه». وزعم ليفين، في حديث إلى «القناة الـ14»، أن التغيير الذي أُدخل على القانون، والذي بموجبه سيتمكّن الائتلاف من تعيين قاضيَين، والثالث بموافقة أحد أعضاء المعارضة، «يَمنع أيّ ادّعاء بأن ذلك قد يؤدّي إلى أزمة دستورية»، على رغم أن المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف- ميارا، أكدت أن النصّ الجديد، والذي «يُعتبر مخفّفاً»، سيؤدي «إلى تسييس النظام القضائي».
صوّتت لجنة القانون والدستور والقضاء في «الكنيست» على مقترح الائتلاف المحدّث لتعيين القضاة، بالقراءة الأولى


وفي خضمّ هذا «التدافع»، ناقشت لجنة القانون والدستور والقضاء في «الكنيست»، المقترح المحدَّث، تمهيداً للتصويت عليه بالقراءات المختلفة. وأتى ذلك بعدما أعلن حزبا «الليكود» و«الصهيونية الدينية» موافقتهما على المقترح، معتبرَين أنه «يعيد التوازن إلى لجنة اختيار القضاة، ويقضي على الوضع غير الديموقراطي الذي يعيّن القضاة فيه أنفسهم». وبينما أعلنت المعارضة رفْضها النصّ الجديد، برز انقسام حوله داخل «الليكود» نفسه؛ إذ تساءل عضو الحزب ورئيس «الشاباك» سابقاً، آفي ديختر: «لماذا علينا السيطرة على السلطات الثلاث (التشريعية، التنفيذية والقضائية)؟». أمّا زميله في الحزب، دافيد بيتان، فقال: «سأُصوّت للقانون الجديد لتعيين القضاة، لكن ستكون هذه هي المرّة الأخيرة التي لا تتمّ فيها استشارتنا». وكان رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أبلغ أعضاء حزبه أن «ثمّة احتمالاً عالياً لاستقالة وزير الأمن، يوآف غالانت، من منصبه، في حال عدم التوصّل إلى تسوية توافقية مع معسكر المعارضة». وتقاطع ما تَقدّم مع حديث «القناة الـ12» الإسرائيلية عن «محادثات صعبة» بين نتنياهو وغالانت دارت في الأسبوعَين الماضيَين، بشأن «الوضع الإشكالي للغاية داخل مؤسّسة الجيش وأجهزة الأمن بسبب عدم الاستعداد الذي تُبديه الحكومة للتحاور». وطبقاً للقناة، فإن «غالانت أبلغ نتنياهو، بأنه في حال عدم التوصّل إلى تسوية، فإن ذلك سيؤدي إلى تفكّك الجيش»؛ إذ إنه بحسبها «في حال الموافقة على القانون الذي يغيّر لجنة اختيار القضاة، فإن قوات الاحتياط في الجيش ستكون أصغر وأضعف بكثير»، فضلاً عن أن «مجموعة كبيرة (إضافية) من طيّاري الاحتياط ستعلن عدم امتثالها للخدمة العسكرية».
في سياق متّصل، قدّرت شعبة الميزانيات في وزارة المالية الإسرائيلية بأنه في حال تراجُع التدريج الائتماني لإسرائيل بسبب «الإصلاحات القضائية»، ستفقد إسرائيل 100 مليار شيكل في نموّ الناتج في العقد القريب، كما ستخسر خزينة الدولة «30 مليار شيكل من الدخل الوارد من الضرائب، مقابل ارتفاع تكلفة الدين العام والخاص، والذي سيقابله انكماش الإنفاق المدني». وأتت هذه التقديرات بموازاة تحذيرات أطلقتْها شركتا «فيتش» و«موديز» للتدريج الائتماني من تأثير الخطّة المطروحة على تدريج إسرائيل سلباً، وهو ما اعتبرتْه صحيفة «ذي ماركير» الاقتصادية الإسرائيلية «تحذيراً مهمّاً للغاية، لأنه صادر عن شركات تُزوّد المستثمرين بمعلومات بشأن المخاطر والاحتمالات للاستثمارات في دولة معيّنة». وطبقاً لشعبة الميزانيات، فإنه «حتى من دون خفض تدريج الائتمان، فإن انتظار خفْضه كافٍ للتسبّب بتبعات سلبية على مستوى الاستثمار في الدولة في المدى الزمني الحالي»؛ إذ إن «نشْر تقارير استثنائية، مثلما فعلت موديز، يعطي للمستثمرين إشارة مفادها أن الوضع الاقتصادي يستوجب الالتفات ويؤديّ إلى توقّعات سلبية حول جدوى الاستثمار في إسرائيل». وذهبت الشعبة، في تقرير نُشر أمس، أبعد من ذلك، مشيرة إلى أنه «بات بالإمكان رصْد مؤشّرات أوّلية، في الفترة الأخيرة، إلى تطوّر مشاعر سلبية من جانب المستثمرين تجاه السوق الإسرائيلية»، وهو ما يُعبَّر عنه بحسبها «بتراجع قوّة الشيكل والأسواق المالية المحلّية مقابل العالم». وأوضحت أن خفْض التدريج الائتماني «سيؤدّي إلى ارتفاع إنفاق الفائدة الحكومية وتكاليف تمويل القطاع التجاري، وأيضاً إلى تباطؤ النمو»، متوقّعة «ارتفاع تمويل الدين العام إلى ما بين 2.3 – 6.8 مليارات شيكل سنوياً، ومثله ارتفاع تمويل دين القطاع التجاري إلى ما بين 2.6 – 7.8 مليارات شيكل سنوياً».
وبحسب التقديرات، فإن خفْض التدريج الائتماني قد يؤدي إلى «فقدان ما بين 2.8% و5.6% من النمو في الناتج قياساً بالنمو المتوقّع، أي فقدان 50 إلى 100 مليار شيكل كلّ عشر سنوات»، وهو ما سيقود «بطبيعة الحال إلى فقدان مداخيل بعد عشر سنوات تُراوح قيمتها ما بين 15 و20 مليار شيكل سنوياً، بناءً على أعباء الضريبة الحالية». أمّا بالنسبة إلى قطاع التكنولوجيا الفائقة (الهاي تك)، فقد قدّر التقرير أن ارتفاع المخاطر في إسرائيل سيقود إلى فقدان الناتج فيه بنسبة تُراوح بين 1.6% و4.6%، وتراجُع بنسبة 8% إلى 25% في عدد العاملين في القطاع. كذلك، نبّه التقرير إلى أن «تزايد تأثيرات المشاعر السلبية في الأسواق، قد يتحقّق حتى في حال دفْع الخطوات التشريعية (على دورتَين) تدريجياً»، في إشارة إلى إعلان الائتلاف الحاكم عزمه تشريع بنود الخطّة المتّصلة بإضعاف المحكمة العليا قبل نهاية الدورة الشتوية الحالية لـ«الكنيست»، وإرجاء بقيّة البنود إلى الدورة الصيفية المقبلة.