طهران | في خضمّ تصعيد الغرب المواجهة مع كلٍّ من روسيا والصين وإيران، أجرت الدول الثلاث، بين 15 و18 آذار الجاري، مناورات «الحزام الأمني البحري 2023» في بحر عُمان، شمال المحيط الهندي، على مساحة تبلغ 17 ألف كيلومتر مربّع. وتُسهم هذه المناورات، وفق البُلدان المشاركة فيها والتي ضمّت أيضاً كلّاً من كازاخستان وباكستان كمراقبَين، في تطوير التعاون بين قوّاتها البحرية، وفي رفْع الجهوزية المشتركة لتوفير الأمن البحري. وشاركت في التمرين مجموعة القِطع البحرية الصينية والتي تشمل مدمّرة «نانينغ»، ومجموعة القِطع البحرية الروسية بما فيها «أدميرال غورشكوف» وسفينة الإسناد «كاما»، ومن الجانب الإيراني الوحدات البحرية وطيران القوّات البحرية التابع لـ«الحرس الثوري» والجيش بما يضمّ مدمّرة «سَهند». واشتملت المناورات على تنفيذ «التمارين التكتيكية المتنوّعة، بما في ذلك إنقاذ القِطع البحرية التي نشبت فيها حرائق، والإفراج عن القِطع البحرية المختطفة، والرماية في اتّجاه أهداف محدّدة، والرمي الليلي في اتّجاه أهداف جويّة». وقال العميد بحري، مصطفى تاج الديني، مساعد القوّات البحرية للجيش الإيراني لشؤون العمليات والناطق باسم التدريبات، إنه في ضوء «الاتّفاق بين البُلدان الثلاثة، تمّ إدراج هذه المناورة في التقويم البحري للدول المشاركة، ومن أهدافها الرئيسة: إرساء أمن خطوط الملاحة البحرية في منطقة شمال المحيط الهندي، ولا سيما ضمن حدود المثلّث الذهبي الواقع بين مضائق هرمز ومالاكا وباب المندب». وتُجرى المناورات البحرية المشتركة، والتي تُعدّ النسخة الأخيرة منها الرابعة بعد الأولى التي أقيمت في عام 2019، في بحر عمان، وعلى امتداد الخليج ومضيق هرمز - الممرّ المائي الاستراتيجي والذي يمرّ فيه نحو خُمس نفط العالم -، علماً أن كلّاً من إيران وباكستان وسلطنة عُمان والإمارات تمتلك خطوطاً ساحلية على حدود منطقة التدريبات. ودأبت إيران، على مدى السنوات الماضية، ولا سيما بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإعادة فرْض العقوبات عليها، على توسيع علاقاتها مع روسيا والصين، في إطار سياستها الخارجية المتمثّلة في «التحوّل شرقاً». وفي سياق تعزيز تلك السياسة أيضاً، وافق أعضاء «منظّمة شنغهاي للتعاون»، بمَن فيهم عضواها الرئيسان، بكين وموسكو، في أيلول 2021، على عضويّة طهران الكاملة في المنظّمة، وذلك بعد سنوات من الشدّ والجذب. والجدير ذكره، هنا، أن «شنغهاي للتعاون» تأسّست في عام 2001، لمكافحة التوجّهات الإسلامية المتطرّفة، والهواجس الأمنية الأخرى للصين وروسيا، وأربعة بلدان أخرى كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي السابق، فيما عملت إيران، على مدى هذه السنوات، على الانضمام إلى المنظّمة.
أُجريت المناورات في وقت تشتدّ فيه التوتّرات بين الدول الثلاث المشاركة من جهة، وبين الغرب من جهة ثانية


وبالعودة إلى المناورات، فهي جاءت في وقت تشتدّ فيه التوتّرات بين الدول الثلاث المشاركة من جهة، وبين الغرب من جهة ثانية، بصورة غير مسبوقة، إذ تخوض روسيا، منذ أكثر من عام، مواجهة مع الغرب على الجبهة الأوكرانية، فيما تتعرّض طهران وبكين لضغوط متزايدة على خلفيّة تعاونهما العسكري المزعوم مع موسكو. وعليه، فإن إجراء التدريبات في خضمّ الحرب الأوكرانية، يُعدّ مؤشّراً إلى تمتين العلاقات بين تلك الدول الثلاث في مواجهة الغرب. وحاولت الصين وروسيا، بوصفهما الحليفَين الرئيسَين للجمهورية الإسلامية، خلال السنة الأخيرة، توسيع علاقاتهما السياسية والتجارية والعسكرية مع إيران، في مسعًى إلى تقليص النفوذ الأميركي في المنطقة. ويذهب الكثير من المراقبين إلى الاعتقاد بأن مناورات «الحزام الأمني البحري 2023» هي أبعد من كوْنها تمريناً عسكريّاً، ويعتبرونها بمثابة رسالة إلى الأميركيين وحلفائهم في هذه المنطقة. وفي هذا الجانب، رأت صحيفة «وول ستريت جورنال»، في تقرير نشرته حديثاً، أن تطوير التعاون بين طهران وبكين وموسكو يشكّل «تحدّياً» للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
من جهتها، اعتبرت الأوساط السياسية والإعلامية القريبة من الحكومة الإيرانية، أن المناورات الأخيرة، إلى جانب تنامي التعاون بين طهران وموسكو وبكين، كل ذلك ينطوي على رسالة إلى الولايات المتحدة، ويُعدّ مؤشّراً إلى انحسار القوّة الأميركية. وكتبت صحيفة «خراسان»، في هذا الخصوص، أن «المناورات البحرية هي قبْل كلّ شيء بمنزلة رسالة موجّهة إلى أميركا»، مضيفةً أن واشنطن التي «شكّلت على خلفية الأحداث الأخيرة في الخليج الفارسي، تحالفاً بحريّاً، خلصت إلى استنتاج مفاده أنه لا يمكنها عزل إيران في الخليج». وتابعت أن «الخليج الفارسي وبحر عُمان، لم يشهدا تشكيلاً أمنيّاً وسياسيّاً كما كانت تريد أميركا. إن الوجود الروسي والصيني في هذه المنطقة، إلى جانب إيران، أمر غير قابل للهضم بالنسبة إلى أميركا».
وبينما خطت الولايات المتحدة خطوات كبيرة في اتّجاه تطبيع العلاقات بين الكيان الإسرائيلي والدول العربية، بما فيها السعودية، عزّزت الصين، بالتوازي، من جهودها لترسيخ موقعها في الشرق الأوسط. وقد كثّفت بكين، من خلال التوسّط بين طهران والرياض، دورها في المعادلات السياسية في الشرق الأوسط. وبفعل استضافتها للمحادثات بين إيران والسعودية، والتي أفضت إلى استعادة علاقاتهما، باتت الصين تضطلع بدور نشط مقارنةً بالسابق، عنوانه «التوسّط» في الصراعات الإقليمية، والتي يبدو أنها تميل إلى الاستثمار فيها تحت عنوان «مبادرة الأمن العالمي» التي طرحها رئيسها، شي جين بينغ. في المقابل، وفي ما يجلّي قلق واشنطن وحلفائها من الهيمنة العسكرية الصينية في آسيا والمحيط الهادئ، أجرت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، حديثاً، أكبر مناورة عسكرية مشتركة لهما، في السنوات الخمس الأخيرة. كما قيّمت بريطانيا أخيراً، تعاون الصين مع روسيا، والتعاون المتنامي لهذه الأخيرة مع طهران عقب الهجوم على أوكرانيا، بأنهما تطوّران مثيران للقلق. لكن بكين انتقدت بشدّة «سياسات الاحتواء» التي تتّبعها واشنطن في مواجهتها، فيما عدّت اتّفاق «أوكوس» الثلاثي بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا، للإنتاج المشترك للجيل الجديد من الغواصات النووية، إذكاءً لسباق تسلُّح جديد.