غزة | هل ألقى المقاومون الفلسطينيون سلاحهم وخلدوا إلى الراحة، أو إلى تفقد عائلاتهم مع دخول وقف إطلاق النار المؤقت حيز التنفيذ؟ يبدو أن الإجابة هي النفي، وخاصة أن هؤلاء لم يعودوا إلى بيوتهم منذ نحو شهر، فضلا على أن مصير عدد منهم لا يزال مجهولا حتى تستكمل عمليات إزالة الأنقاض. إذا أردت أن تقف على حال أولئك المقاتلين، فعليك أن تنزل إلى شوارع قطاع غزة في اليوم الأول للتهدئة (أمس)، إذ بدت حركة العامة فيها فاترة باستثناء الأسواق. الناس هنا يحملون أكياس المعونة وبضعة أرغفة، أما عن السلاح، فلا أثر له في الشارع، برغم أن ميدان المواجهة، وفق مصادر أمنية، لا يزال مفتوحا، وأن الملتحين مفقودون.

هذا الوضع يشير إلى الحس الأمني العالي الذي اعتمدته فصائل المقاومة حفاظا على أرواح عناصرها، فضلا على أن الأذرع العسكرية على ما يبدو لا تأمن مكر الاحتلال، لأنه تراجع في مرتين سابقتين عن التهدئة المعلنة، وفجر هدوءها باستهداف مواطنين آمنين.
هناك على تخوم القطاع الشمالية التقت «الأخبار» أبو مؤمن، وهو قائد في وحدة القنص داخل كتائب القسام (حركة «حماس»). يمكن القول إن اللقاء كان مصادفة، حينما وقف الرجل وهو يرمق شاطئ البحر بعدما خرج من مخبأ قريب كان يرقب فيه كما يقول تسلل وحدات الضفادع البشرية في سلاح البحرية الإسرائيلي، فهذا الأمر سبق أن حدث قبل أسبوعين، وواجهتهم وحدات القنص والدروع بوابل من النار ولم يتمكنوا من الدخول.

تعليمات صارمة
لعناصر المقاومة تتعلق بضرورة البقاء على أهبة الاستعداد

أبو المؤمن الذي سمح لنا بلقائه لدقائق معدودة، قال ويده على زناد سلاحه، إنه لم يبرح مكانه منذ وقت طويل، وإنه لا مجال لديه للعودة والاطمئنان إلى ذويه مع رفقائه، لأن لديهم تعليمات خاصة بالبقاء على أهبة الاستعداد، وبألا يبروحوا مواقعهم إلا بتعليمات جديدة من القيادة الميدانية التي يشرف عليها قادة الألوية.
وعلمت «الأخبار» من مصادر ميدانية موثوق بها عن استهداف أحد الضباط في وحدة النخبة التابعة للقسام ويكنى بـ«صامد»، بعدما خرج من مخبئه وأجرى اتصالا لاسلكيا، وتحديدا في منطقة الخزندار شمال غرب قطاع غزة.
وقالت المصادر إن هناك تعليمات صارمة توجب على العناصر التزامها وتتعلق بضرورة البقاء على أهبة الاستعداد، وألا يبرح المقاتلون، وخاصة في الخطوط الأمامية، أماكنهم، إضافة إلى إبقاء وحدات الرصد على عملها على مدار الساعة.
وكشفت التحقيقات التي أجرتها القيادة الميدانية أن قصفا طاول المنطقة المذكورة استدعى من المقاومين في تلك المنطقة ضرورة الخروج حفاظا على أرواحهم، لكن تحركهم فجأة وضعهم في مرمى طائرة استطلاع استهدفتهم من الفور فاستشهد الصامد ومقاوم آخر.
تأتي هذه التكتيكات والأوامر بالتزامن مع المباحثات التي تجريها الفصائل الفلسطينية في القاهرة مع الاستخبارات المصرية، بغية التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب ويفك الحصار، وتزامن ذلك مع انسحاب إسرائيلي من غالبية المناطق التي توغل فيها خلال عملية «الجرف الصامد»، التي بدأت في السابع من تموز الماضي. مع ذلك لا تزال الأذرع العسكرية تتعامل مع الحرب على أنها قائمة، كما وعدت بأنها سترد على أي توغل بري خلال التهدئة، لذلك على وحداتها أن تبقى مستعدة.
ووفق إحصاءات شبه رسمية، فإن نحو 80% من مجمل الشهداء الذين يزيد عددهم على 1800 هم من المدنيين، وخصوصا النساء والأطفال، فيما أن المعركة القائمة شهدت تراجعا في حصيلة المقاومين، وذلك عائد إلى الحس الأمني العالي الذي اتبعوه في هذه المرحلة، وهو ما قد يفسر جزءا من أسباب تكثيف الإسرائيليين استهداف الناس لعجزهم عن إيجاد المقاتلين.
يشار إلى أن سرايا القدس (الجهاد الإسلامي) أعلنت نعيها ستين مقاوما من عناصرها، وكذلك فعلت القسام وفصائل أخرى، لكن أيا منها لم يصدر حصيلة رسمية ونهائية بعد، كما ذكرت السرايا أن عددا من شهدائها ارتقوا في مجازر ضد المدنيين، ولم يكونوا في حالة الاستعداد العسكري أو على خطوط الميدان.
وعادت «القسام» لتؤكد في حديثها أمس أن توجهاتها المقبلة «مرهونة بتحقيق تطلعات شعبنا التي لا مجال لتجاوزها»، مؤكدة أن هذه المرحلة مؤقتة «وسلوك العدو هو الذي يحدد سير المعركة ومآلاتها».