جحافل «داعش» لم تهدد امن المناطق المسيحية اللبنانية بعد. الكاردينال الماروني بشارة الراعي لم يُحرم لذة ممارسة رياضة المشي في وادي قنوبين القريب من مركزه الصيفي، الديمان، كما أنه لا يزال في امكانه اقامة الصلاة يوم الأحد والقاء العظات، ولكن في البقاع، منطقة لبنانية اسمها عرسال.
يخوض الجيش فيها منذ السبت الماضي واحدة من أشرس معاركه، بعدما اعتدى على مراكزه عناصر «داعش»، فيما أهالي عرسال، وان كانوا في السابق بيئة حاضنة لهؤلاء، هم رهائن اليوم في أيدي المسلحين، ويُستخدمون دروعاً بشرية من أجل مقاتلة العسكريين. حتى الساعة، نعت قيادة الجيش عشرات الشهداء، وأعلنت فقدان كثيرين. دماء العسكريين وأشلاؤهم، وصرخات عائلاتهم، لم تستفز بعد بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق، كما يستفزّه خلو كرسي الرئاسة الأولى في بعبدا، علماً أنه كان أول من دق ناقوس الخطر حين حذر من العاصمة الفرنسية عام 2011 من «مرحلة انتقالية في سوريا قد تمثل تهديداً لمسيحيي الشرق». وهو موقف أثار في حينه استياء باريس وواشنطن وحلفائهما في لبنان والمشرق.
منذ دعوته «داعش» الى الحوار، يخيم السكون على بكركي. لا أحد من السياسيين الذين يدورون في فلك الصرح يملك إجابة عن سر هذا الصمت. «نحن أيضاً متعجبون»، لكنهم، مع ذلك، يتريثون في اطلاق الأحكام، «فربما لا يريد سيدنا صب الزيت على النار، وينتظر تبلور الأمور».
هو انفصال فعلي عن الواقع أن يلقي الراعي عظة في ثاني أيام المعركة، مطالباً بانتخاب رئيس الجمهورية «وضبط الاوضاع، والا فعقد مؤتمر وطني لحل أزماتنا»، من دون أن يأتي على ذكر ما يحصل في عرسال: «الموضوع لافت للنظر، وخصوصاً أن موقف بكركي التاريخي من الجيش واضح، والعلاقة بين البطريرك والعماد جان قهوجي جيدة»، على حد قول سياسيين مقربين من بكركي. «ربما كان محرجاً. فهو قبل المعركة دعا داعش، الذي ينكل بالمسيحيين العراقيين ويفرض عليهم أسلوباً حياتياً لا يريدونه، الى الحوار، متحدثاً عن المشترك الإنساني معهم. الكل زعلانين منه». يأسف هؤلاء لأن «بكركي لم تكن في أي مرحلة مزحة أو مدعاة للسخرية»، و«الحري بالراعي أن يعاتب القائد الأعلى السابق للقوات المسلحة الرئيس ميشال سليمان، لنفيه وجود قاعدة في لبنان، على الرغم من أن وزير الدفاع السابق فايز غصن حذر من ذلك».
أما المطارنة، فيتجنبون الحديث عن هذا الموضوع. يجيب راعي أبرشية بيروت للموارنة المطران بولس مطر سريعا بأن «غداً (اليوم) سيجتمع مجلس المطارنة وسيكون له موقف مما يحصل في عرسال»، قبل أن يستعجل في اقفال الخط.