أظهرت التطورات في غزة وحولها، وجود ثلاثة محاور إقليمية:1 ــــ المحور السعودي الإماراتي المصري،
2 ــــ المحور التركي القطري الإخواني،
3 ــــ محور إيران وسوريا وحزب الله، محور المقاومة.
المحوران 1 و2 يتناحران على السيطرة على الفضاء العربي السني، وفي قلبه الفضاء الفلسطيني، لكنهما يشتركان معاً في شنّ الحرب الطائفية المدمّرة على سوريا والعراق، والسعي إلى محاصرة النفوذ الإيراني، وعزل حزب الله أو حتى تفكيكه.

للمحورين، بكل أطرافهما، صلات عضوية بالحركات التكفيرية الإرهابية، وعلاقات تحالف وشراكة مع الولايات المتحدة، وكذلك ــــ باستثناء الإخوان ــــ علاقات متنوّعة وطيدة مع إسرائيل؛ أي إنهما يشكلان، في النهاية، جبهة استراتيجية موحدة ضد المحور 3، محور المقاومة.وتبين أن للمحاور الثلاثة، حضوراً متفاوت القوة في الساحة الفلسطينية:
المحور 1 حاضر لدى السلطة الفلسطينية، مع ملاحظة تفضيل القيادي الفتحاوي المنشق، محمد دحلان، على الرئيس محمود عباس؛ ذلك أنه مرتبط عضوياً بالمخابرات المصرية والإماراتية، وقادر، من حيث المبدأ، على القيام بانقلابين، في الضفة وغزة معاً، وتوحيد الساحة الفلسطينية في ظل قيادة متفاهمة كلياً مع الرياض وتل أبيب؛ في الأزمة الأخيرة، جراء حاجة القاهرة إلى عنوان فلسطيني شرعي غير حماس، فرض أبو مازن نفسه، ولكن مؤقتاً.
المحور 2 حاضر لدى حماس ومؤسساتها وشبكتها السياسية داخل فلسطين وخارجها؛ لكن الجناح العسكري لحماس، يميل إلى التنسيق العملاني، دون السياسي حتى الآن، مع محور المقاومة.
المحور 3 حاضر لدى حركة الجهاد واللجان والشعبية والقيادة العامة؛ لكن حضوره الفعلي والاستراتيجي قائم في منطق المقاومة المسلحة المتجسدة في الميدان، وفي صفوف المقاتلين. وهو ما يشكل رهان المحور المقاوم على المدى المتوسط والبعيد.
لكن، بينما يترجم المحور 1 والمحور 2 حضورهما سياسياً من خلال المنافسة والمشاركة في صنع القرار، فليس لمحور المقاومة حضور سياسي، فلسطينياً؛ فحماس، المرتبطة بأنقرة والدوحة، هي التي لا تزال تقرر، سياسياً، عن جميع فصائل المقاومة في غزة. ولا يعود ذلك، فقط، إلى ميزان القوى على الأرض، ولكنه يعود، بالأساس، إلى السياسة الإيرانية التي لا تزال تسعى، رغم الخلافات السياسية في سوريا والعراق، إلى مدّ الجسور مع حماس والإخوان المسلمين، وتوطد علاقاتها مع تركيا، وتحاول التوصل إلى تفاهمات مع قطر. ومن المعروف أن هذه السياسة لا تحظى بالرضى لدى دمشق.
الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، طرح مبادرة الدعم غير المشروط للمقاومة الفلسطينية ــــ يعني، تحديداً، حماس ــــ على أساس تحرير الملف الفلسطيني من الخلافات في الساحات الأخرى، وتركيز الجهد على مواجهة إسرائيل؛ قيادة حماس، لم تردّ التحية بمثلها حتى الآن (هل تستطيع؟) ولم تعلّق على مبادرة نصرالله التي تعرضت، بالمقابل، إلى وابل من الهجمات لدى الأوساط الحمساوية ــــ الإخوانية؛ وحيث يمكن هذه الأوساط أن تتحرك جماهيرياً، أي في الأردن تحديداً؛ فقد عمدت، في ذروة العدوان على غزة، إلى التصعيد ضد سوريا، والتحشيد ضد سفارتها في عمان، بل والتصدي للدفاع الضمني عن «ثورة» داعش في العراق، وتفهم دوافعها والحوار معها! لكن أسوأ ما حدث رمزياً، في يوم القدس بالذات، تمثّل في قيام تحالف البعثيين العراقيين والإخوان، بحرق العلم الإيراني، جنباً إلى جنب مع العلم الإسرائيلي، في أحد التجمعات الشعبية!
ليست مكونات المحاور وعلاقاتها بالقوى الفلسطينية محددة بالمسطرة؛ فإيران وحزب الله يسعيان إلى تفاهم مع حماس، والنظام المصري الراغب في الانفلات من دور الوسيط بين تل أبيب وحماس ــــ وأظهر موقفاً متعارضاً مع السعودية؛ علناً بالنسبة إلى العراق وضمناً بالنسبة إلى سوريا ــــ يشجع صيغة تتضمن دوراً سياسياً لحركة الجهاد، حليفة محور المقاومة، في الملف الفلسطيني الغزّي، والأخيرة متمسكة بالدور المصري.. الذي ترفضه حماس، في سياق صراع المحورين 1 و2.
العدوان على غزة شجعته وموّلته السعودية والإمارات. وهما تسعيان إلى شطب حماس سياسياً؛ وهو ما لا يلقى تجاوباً لدى الأميركيين؛ اللفتنانت جنرال مايكل فلين، مدير وكالة الاستخبارات العسكرية، المنتهية ولايته، حذّر ، أمس، علناً، «من أن تدمير حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لن يؤدي إلا إلى ظهور شيء أخطر منها»؛ هل تخشى واشنطن من داعش فلسطينية؟ كلا؛ فالحركات التكفيرية الإرهابية تخضع حركتها، في النهاية، لمسار أميركي ــــ سعودي. الأرجح أن الأسوأ بالنسبة إلى الأميركيين هو أن تؤول مقاومة غزة إلى الأحضان الإيرانية. هنا، يمكننا القول إن خطوط التفاهم الاستراتيجي حول مآل التطورات الغزية مفتوحة بين واشنطن وقطر وتركيا، أكثر مما هي قائمة مع السعودية والإمارات وإسرائيل.
السلطة الفلسطينية غاضبة، حسب صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، من انعقاد مؤتمر باريس الذي استبعد القاهرة ورام الله. ونقلت الصحيفة عن مسؤول فلسطيني اتهامه وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بـ"تخريب المبادرة المصرية" في سياق "إعادة نفوذ الإخوان المسلمين"، في حين "كنا قريبين جدا من اتفاق شامل يلبي كل المطالب الفلسطينية".
سوريا والحركات القومية واليسارية تنظر إلى مقاومة غزة على ثلاثة مستويات: أولاً، الموقف الطبيعي لها من دعم المقاومة ضد إسرائيل، ثانياً، حاجتها إلى استعادة البوصلة الفلسطينية للصراع في المنطقة، ما يخفض وتائر الهجمة على الجمهورية العربية السورية، وثالثاً، الخشية من استغلال المشهد كله لإعادة تعويم حركة الإخوان المسلمين وهيمنة الإسلام السياسي بعامة باسم المقاومة.