بغداد | قرّرت المحكمة الاتّحادية العليا في العراق، أخيراً، إلغاء جميع قرارات حكومة مصطفى الكاظمي السابقة المتعلّقة بتحويل الأموال إلى إقليم كردستان، مؤكّدة أن هذا «الحُكم باتٌّ وملزِمٌ للسلطات كافة». ويأتي قرار المحكمة على خلفيّة دعوى قضائية أقامها النائب في اللجنة المالية، مصطفى سند، الذي قال إن «القرار القضائي صدر بناءً على الدعوى التي أقمتُها أمام المحكمة الاتحادية بشأن عدم قانونية 6 قرارات اتّخذتها الحكومة السابقة بقيادة الكاظمي، بالمخالفة للنظام الداخلي والدستور وقانونَي الموازنة العامّة والإدارة المالية». وخلال عامَي 2021 و 2022، أرسلت حكومة الكاظمي عدّة دفعات مالية إلى الإقليم، حتى يتمكّن من دفْع المرتّبات الشهرية لموظّفيه، مقابل استقطاعها من حصّته من أموال الموازنة الاتّحادية لاحقاً. كما قامت الحكومة الحالية، برئاسة محمد شياع السوداني، في كانون الأوّل الماضي، بإرسال 400 مليار دينار عراقي (234 مليون دولار أميركي) كدفعة جديدة إلى أربيل، كانت الأخيرة قبل خطوة «الاتّحادية». والجدير ذكره، هنا، أن المشكلة القائمة بين بغداد وأربيل لا تقتصر على مسألة التحويلات؛ بل تتعدّاها إلى امتناع الإقليم، الذي يهيمن على معظم موارده «الحزب الديموقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، عن تحويل مبيعات النفط التي يستوفي أموالها، إلى الحكومة المركزية.مع ذلك، استهجن بارزاني قرار المحكمة، واعتبره «انتهاكاً للحقوق والمبادئ»، قائلاً في تغريدة على «تويتر» إن «استحقاقات إقليم كردستان هي حقّ مشروع». كما اعتبر الخطوة «ضدّ إقليم كردستان وضدّ العملية السياسية وضدّ الحكومة العراقية وبرنامج ائتلاف إدارة الدولة نفسه». وفي الاتّجاه نفسه، يصف النائب عن «الديموقراطي»، شريف سليمان، في حديث إلى «الأخبار»، القرار بأنه «مجحف وظالم بحقّ أبناء إقليم كردستان»، ويرى أن «تجويع جزء من أبناء الشعب العراقي غير دستوري وغير قانوني ويسيء إلى العملية السياسية برمّتها، ويؤثّر سلباً في تعامُلنا مع بعضنا البعض». ويشدّد سليمان على ضرورة بقاء المحكمة الاتّحادية «على الحياد، وأن تخلق جوّاً من الوفاق بين الإقليم والمركز، وأن يكون تعاملها مع أبناء الشعب العراقي بشكل متساوٍ». ويلفت إلى «وجود وثيقة سياسية مبرَمة بين الأطراف المتآلفة في تحالف إدارة الدولة»، داعياً إلى «الالتزام بها لأنها خريطة طريق لحلّ أمور كهذه»، مذكّراً بأنّ «الغاية من توقيعها تأجيل بتّ هذه القرارات، إلى حين إقرار قانون النفط والغاز وقانون المحكمة الاتّحادية والقوانين الأساسية الأخرى».
يميل «الإطار التنسيقي» إلى اعتبار قرار المحكمة الاتحادية واجب التنفيذ، وغير منطلِق من دوافع سياسية


في المقابل، تُخالف القيادية في «الاتحاد الوطني الكردستاني»، آلاء طالباني، انتقادات «الديموقراطي» لقرار المحكمة، وتَعتبر أن إرسال الأموال إلى الإقليم كان «غير قانوني». وتشير طالباني، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أنه «في كلّ موازنة، كان يصوّت النواب الكرد على أن يلتزم إقليم كردستان بمستحقّات أو بتسديد مبالغ، مقابل أن يحصل على كلّ استحقاقاته من الرواتب والنفقات السيادية وغيرها»، معتبرةً أن «المشكلة هي أن الكتل السياسية تركت هذا الموضوع وأهملتْه فصار اتّفاقاً سياسياً وليس قانونياً». وتشدّد على وجوب عدم التعامل مع القضاء بانتقائية، وعدم مهاجمته لأنه أصدر قراراً يضرّ جهة معيّنة، وترى أنه «ليس هناك بديل للقانون»، وأن «التوافقات السياسية خارج القانون والدستور لا تأتي بنتيجة». وتعتقد أن «حكومة إقليم كردستان من حقّها أن تمتعض، لأن لديها اتّفاقاً سياسياً مع ائتلاف إدارة الدولة، وكانت هناك زيارة لرئيس حكومة الإقليم إلى بغداد، التقى فيها رئيس الوزراء ورئيس مجلس القضاء، وكان من ضمن مباحثاته موضوع المستحقّات». وعن احتمال حصول انشقاقات داخل «إدارة الدولة»، تَلفت إلى أن «الصورة ضبابية حتى الآن»، مستبعِدةً حصول «انسحابات وتصدّعات قوية، ولكن يمكن أن يكون للقرار تأثير نوعاً ما، لأن الحكومة الحالية تحتاج إلى دعم كلّ الكتل».
من جهته، يميل «الإطار التنسيقي» إلى اعتبار قرار المحكمة الاتحادية واجب التنفيذ، وغير منطلِق من دوافع سياسية. وفي هذا الإطار، يقول النائب عن الإطار في البرلمان، جواد عزيز، لـ«الأخبار»، إن «الفصل في النزاعات يكون باللجوء إلى المحكمة، وإن قراراتها ليست فيها مجاملة ولا تطييب خواطر، وإنّما تأتي وفق ضوابط وقوانين، وكلّ الطوائف والمكوّنات متساوية أمام القانون والدستور». ويَلفت عزيز إلى أن «الأكراد عليهم التزامات تجاه الدولة، ولهم مصادرهم الخاصة في التمويل، ومنها تصدير النفط، من دون علم الحكومة المركزية والمنافذ الحدودية»، مشدّداً على ضرورة «احترام قرار المحكمة من قِبَل كلّ الأطراف». أمّا النائب عن «تحالف السيادة»، كامل الغريري، فيعتقد، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «قرار المحكمة يجب أن يطبّق، لكن ليس في هذا الوقت، ويجب أن يكون هناك توافق في القرارات بين الإقليم والحكومة المركزية»، معتبراً أنه «عندما تُصدر الاتحادية هذا القرار، فهي تُرجعنا إلى مربّع الصراعات السياسية، وسوف تَحدث مشاكل، ويمكن أن تكون هناك انسحابات من الحكومة». ويرى أن «القرار الأخير يُعتبر نقضاً للوثيقة التي وافق عليها الجميع، بِمَن في ذلك رئيس الحكومة»، مستدرِكاً بأن «هذه الوثيقة لم تكن ملزِمة للأطراف السياسيين بشكل قانوني، ولكن عليهم الالتزام بها تجنّباً للمشاكل». وبخلاف ذلك، يَتوقّع الغريري «حصول انشقاقات وانسحابات كبيرة داخل ائتلاف إدارة الدولة، فضلاً عن نشوب مشاكل قد تُعيد البلاد إلى انسداد سياسي جديد».