لم يدم مفعول التدخل السريع لحاكم مصرف لبنان للجم انهيار سعر الليرة أكثر من 24 ساعة. فبعد اجتماعه الجمعة الماضي مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المالية يوسف الخليل، هبط سعر الدولار نحو سبعة آلاف ليرة خلال ساعات، ليعود أمس ويلامس حافة الـ 60 ألفاً. إذ لم يقم سلامة بأكثر من إجراء مؤقت، أبلغ بموجبه الصرافين والشركات المالية توقفه عن شراء العملة الخضراء. علماً أنه لا يمكن لمصرف لبنان التوقف عن ذلك بسبب حاجات السوق العام والخاص.في لقاء الجمعة، أبلغ الحاكم رئيس الحكومة أن لديه خطة سيقدمها إلى اجتماع المجلس المركزي لمصرف لبنان اليوم. إلا أن الخطة لا تغادر مربع الحلول الترقيعية التي دأب عليها سلامة بإشراف السلطة الحاكمة. وسيكون اجتماع المجلس اليوم مماثلاً لاجتماعاته في السنوات الثلاث الماضية، كون سلامة ومصرف لبنان يتعاملان مع ملف سعر الصرف باعتباره آلية ميكانيكية يمكنها أن تكبح الانهيار، من دون أي إجراءات تعالج المشكلة من جذورها بتوزيع الخسائر بشكل واضح وعادل، واتخاذ تدابير إصلاحية على المستوى المالي والضريبي تكون أساساً للقيام بعملية إعادة هيكلة للدين العام والخاص بما فيه وظيفة مصرف لبنان والمصارف.
ففي العادة، يركز هؤلاء على الإجراءات الأمنية لمراقبة عمل الصرافين غير الشرعيين ومجموعات الـ«واتساب» المرتبطة بهم لمنعهم من المضاربة على الليرة. ويتم تقديم تصوّر للارتفاع في سعر الصرف بأنه ناتج من المضاربات، رغم أن المضارب الأكبر هو مصرف لبنان الذي يشتري الدولارات من السوق وتحديداً من الصرافين الذين لديهم شبكات غير شرعية منتشرة في المناطق. لكن يبقى الأصل هو الحاجة إلى الدولارات، وهو أمر ناتج من طبيعة الأزمة وإدارتها بخفّة من قبل مصرف لبنان وسائر قوى السلطة.
وعلمت «الأخبار» أن ما طرحه سلامة على ميقاتي، هو ما سبق أن أثاره أمام أعضاء المجلس المركزي في اجتماع الأربعاء الماضي. ويقوم على لعبة الضغط لخفض سعر الدولار من خلال تجفيف السيولة الكبيرة الموجودة بالليرة اللبنانية في الأسواق. ويقضي الاقتراح بأن يعمد مصرف لبنان إلى امتصاص السيولة بالليرة من السوق وشراء نحو 80 ألف مليار ليرة مقابل نحو 1.5 مليار دولار. وفي حسابات سلامة، أن هذه الخطوة ستجعل السوق عطشى لليرة، ما يدفع حاملي الدولار، خصوصاً الذين يخزنون الكاش في بيوتهم، إلى بيع دولاراتهم.
ما سيحصل، عملياً، هو أن مصرف لبنان سيخسر مبلغاً كبيراً جداً من موجوداته بالعملات الأجنبية، وهو إجراء سيتم عبر شبكات الصرافين المنتشرة في أحياء لبنان من دون أن يكون هناك أي رادع لها للاستمرار بالمضاربة. وعلاوة على أن إجراء كهذا يتم بشكل معزول عن الخطوة التالية، فإنه سيؤدي حكماً إلى إضعاف قدرة مصرف لبنان على التدخّل في السوق. فأدوات التدخّل محصورة اليوم بقدرة المصرف المركزي على طبع الليرة وضخها في السوق لجمع الدولارات، في حين أن قيامه بتجفيف السيولة سيؤجج ظاهرة اقتصاد الكاش دولار، ويضعه على هامش السوق.
ما سيحصل، عملياً، هو أن مصرف لبنان سيخسر مبلغاً كبيراً جداً من موجوداته بالعملات الأجنبية


وإذا كان هدف الحاكم دفع المقيمين إلى استخدام الدولارات المخزنة في الاستهلاك اليومي، فهو يتجاهل أن المشكلة تكمن في أن قلّة من اللبنانيين تملك دولارات مخزنة، بينما الغالبية ليست لديها مدخرات مخزنة في المنازل، وبالتالي ستتم معاقبة الغالبية بحرمانهم من الغذاء وتغطية الحاجات اليومية لإجبار الأقلية على استعمال بعض من دولاراتها المخزنة. وهو أمر يعارضه بعض أعضاء المجلس المركزي القلقين من الإجراءات القضائية الأوروبية التي تتمحور حول شبهة الاختلاس اللصيقة بالحاكم وشقيقه رجا.
ويعتقد الخبراء أن الخطوة لن تكون قادرة على كبح انهيار سعر الليرة مقابل الدولار. فالسوق لديها قدرة خارقة على استشراف خطوات المركزي، لذا باتت عملية تسعير المنتجات بأسعار صرف أعلى بكثير من السعر السوقي للدولار، لأن التجّار يشعرون بأن الانهيار متواصل وأن آليات الكبح ليست مركزية ولا جذرية، بل هم متأكدون بأنها إجراءات ترقيعية غير مستدامة.
من جهة أخرى، ظهرت إلى العلن مشكلة أخرى تتعلق بسعر الدولار على منصة «صيرفة». وبينما يجري الحديث عن نية المصرف المركزي رفعه إلى أكثر من 45 ألف ليرة، فإن كمية كبيرة من الأموال التي ضخها طالبو الدولار على منصة صيرفة لا تزال محجوزة لدى المصارف منذ نحو أسبوعين، وهي بكميات كبيرة من الليرات اللبنانية، وهناك قسم كبير جداً لم يستعد أمواله بعدما أبلغت المصارف أصحابها بأن المصرف المركزي لم يوفر لها الدولارات الكافية لبيعها، ما تسبب لهؤلاء بخسائر كبيرة بعد الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار. وأكثر المتضررين هم من فئة الأفراد الذين يملكون مبالغ قليلة، بخلاف ما حصل مع مجموعة محظية حصلت على الدولارات بكميات كبيرة، وعملت على استخدامها في المضاربة اليومية مع الصرافين والشركات المالية.