غزة|على مر سنوات الحصار والحرب عمل الاحتلال الإسرائيلي على نزع التآلف الاجتماعي والفصائلي لدى الفلسطينيين بطرق مختلفة، وحاول الاستفادة من إشغال المجتمع الفلسطيني بنفسه لعلمه بطبيعة الجبهة الداخلية التي تشكلها العائلات واحتضانها للمقاومة.
وبرغم ما تمر به مناطق القطاع من موت يلاحق أرواح الناس، فإن الألفة بين الأحياء تزداد في مثل هذه الأوقات. في كل منطقة تتجمع العائلات لتتبادل أحزانها وتواسي بعضها بعضا، فضلا عن حالة التكافل التي تجعل كل عائلة تقدم ما لديها إلى عائلة واثنتين وأكثر، إضافة إلى فتح أبواب الشقق والبيوت التي كانت تستخدم للتصييف وبعض المحال الفارغة من أجل احتواء النازحين.
في مخيم الشاطئ في غزة، تحرص أم إسلام روقة مع نساء من المنطقة على التجمع في منزل واحد بعيداً عن قصف الزوارق الحربية، وتقول إنها خصصت في بيتها غرفا للنوم بعيداً عن أي مكان يحتمل أن يكون هدفا للطائرات. وتضيف المرأة البالغة من العمر 67 عاماً للأخبار: «نخاف على جيراننا وأقربائنا كما نخاف على أولادنا».
هذا المشهد يتكرر في مناطق أخرى من غزة. ففي منطقة النصر غرب غزة يعمل جميل العريان على تفقد جيرانه كل يوم مع اثنين من رجال المنطقة، ولا يستطيع بدء الإفطار إلا بعد أن يتفقد من يحتاج إلى طعام. يقول العريان: «العدوان يطاول كل المنازل منطقة فمنطقة، وبذلك يعتقد الاحتلال أنه يفرقنا عن بعضنا بعضا، ويبعدنا عن مقاومتنا... برغم الدمار نعيش أجواء اجتماعية تضامنية نحسد عليها، لأننا يد واحدة في الفرح، وعين واحدة في الحزن».


فيما يتكافل الأهالي في المسكن والطعام يتشارك المقاومون الذخيرة


بعض الميسورين كأحمد الريس بحث عن العائلات التي نزحت إلى الشارع بعد امتلاء المدارس بالنازحين، وهو يملك محالّ كبيرة في منطقة أنصار، لذلك بادر باستقبالهم وتوفير احتياجاتهم على قدر المستطاع. كما أفاد بأن عددا من معارفه تواصلوا معه وجمعوا مبلغا المال من أجل توفير الإفطار والسحور لهم.
يقول الريس: «مهما كانت تلك المحال فستدخل علي المال، لكن لا يمكنني أن أرى المشردين من منازلهم دون أن أساعدهم... لو كنت مكانهم لعرفت معنى الهرب من المنزل، لذلك وضعت نفسي في هذا الموقف وفتحت لهم منزلي كأنهم أنا». ويؤكد أن كثيرين مثله يعملون في الوقت الحالي على التواصل مع العائلات التي ملأت المدارس وغيرها من أماكن اللجوء لمساعدتهم.
هذه الحالة الاجتماعية تشبه تماما حالة التكافل بين الفصائل، وخاصة المجموعات المسلحة الصغيرة، التي تتعاون بالعتاد العسكري فيما بينها، إلى جانب الاشتراك في عمليات التصدي للقوات المتوغلة وإطلاق الصواريخ. من ذلك إعلان كتائب الشهيد أيمن جودة، التابعة لحركة «فتح» مشاركتها كتائب المقاومة الوطنية (الجبهة الديمقراطية) في إنشاء غرفة عمليات مشتركة، مهمتها إطلاق الصواريخ بصورة موحدة وتحت تنسيق مسبق على الأراضي المحتلة. كذلك شاركت ألوية الناصر صلاح الدين، كتائب القسام (حماس) وسرايا القدس (الجهاد الإسلامي) في إطلاق القذائف.
هي حالة تتكرر في كل مواجهة، وأعادت إلى الناس الصورة السابقة عن الانتفاضة، حينما كانت الفصائل تعلن بصورة مشتركة عن تنفيذها عددا من العمليات. حتى المقاومون في الميدان، يتبادلون مع الأسلحة الطعام والماء في ما بينهم على ما يعانونه عوز وقلة.