عمّان | منذ بداية الحرب الجارية على غزة لم يهدأ الشارع الأردني في محافظاته كافة، التي شهدت تظاهرات تضامنية واحتجاجية في ظل مطالبة قوى شعبية وحزبية بإغلاق السفارة الإسرائيلية في عمان وطرد السفير. وبالترافق مع حالة الاحتجاج والتضامن، جاءت فرحة الأردنيين متزامنة مع قصف مدن محتلة كتل أبيب والقدس، ما دعاهم إلى الخروج للتعبير عن فرحهم، وخاصة مع بث رسالة مصورة عبر اليوتيوب للمتحدث باسم كتائب عز الدين القسام، التابعة لحركة «حماس»، أبوعبيدة، وهو يوجه الشكر والتقدير إلى الشعب الأردني لوقفته مع أهل غزة والمقاومة.
وكان أبو عبيدة قد قال إن شعب الأردن يلتصق جسدا وجغرافيا وتاريخا بفلسطين، داعيا الفلسطينيين والأردنيين إلى حشد الطاقات الكبيرة للمشاركة في تحرير فلسطين، وما لبث أن نشر ناشطون أردنيون على مواقع التواصل هذا الفيديو بصورة واسعة.
تلك التحركات قابلها الأمن الأردني بحملة اعتقالات واسعة بعد تطبيق قانون منع الإرهاب المعدل، وهو كان قد اعتقل 13 مواطنا بينهم ثلاثة أطفال على خلفية تظاهرهم على حادثة حرق الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير في مخيم مأدبا الأسبوع الماضي حتى جرى الإفراج عنهم بكفالة، لكن القضية الأمنية لم تتوقف في التعامل مع الشارع خلال العدوان على غزة، فقد فضّت قوات الدرك بالقوة اعتصاما نظم أمام السفارة الإسرائيلية، واعتقلت تسعة محتجين أفرج عنهم في وقت لاحق أيضا، فيما أصيب عدد آخر منهم بجروح.
وسجل في الاعتصام نفسه الاعتداء على عدد من الصحافيين، وردا على ذلك استنكر مركز حماية حرية الصحافيين الاعتداء على الزملاء، ودعا إلى تأليف لجنة تحقيق في الحادثة، محملا الحكومة المسؤولية. وقال مدير المركز، نضال منصور، إن مسؤولية حماية الصحافيين تقع على الحكومة «المسؤولة عن توفير أمنهم في مثل هذه الاحداث»، داعيا في حديث مع «الأخبار» إلى تأليف لجنة تحقيق مستقلة لمساءلة من يقف وراء الاعتداء.
في ظل هذا الحراك الشعبي، كان هناك تواضع في الرد الرسمي وغياب واضح للدبلوماسية الأردنية عن المشهد الفلسطيني. إثر ذلك وجهت قوى شعبية وحزبية في عمان وعدد من النواب انتقادات للصمت الرسمي على العدوان الإسرائيلي. من هؤلاء الكاتب عامر سبايلة الذي يقول لـ«الأخبار»: «صحيح أننا اعتدنا التعبيرات والخطابات الضعيفة التي لا تلبي مطالب الشارع الأردني، لكننا لم نتصور غياب الموقف تماما»، مضيفا: «الأردن لها تأثير على قوى دولية يمكنها أن تضغط على إسرائيل لوقف عدوانها».
كذلك، يقوّم رئيس راديو البلد، محمد عرسان، أن «الموقف الدبلوماسي الأردني من هذه الاعتداءات خجول ومتردد، مقارنة بالموقف الذي أعلنته الممكلة من العدوان على غزة عام 2008»، عازيا سبب هذا الفتور إلى انحياز عمان إلى الدول التي تعادي جماعة الإخوان المسلمين «وإن كان ذلك بنسبة أقل من دول أخرى صنفت الجماعة حركة إرهابية». وأضاف عرسان لـ«الأخبار»: «لا يخفى أن الأردن ينخرط في حلف دول الاعتدال (مصر والإمارات والسعودية) التي صنفت الإخوان على أنها إرهابية، كما كان موقف الأردن واضحا من «حماس» ممثلا بموقفها من الإخوان عندما كان الملك عبد الله الثاني أول المباركين والمهنئين لعبد الفتاح السيسي بعد عزله محمد مرسي».
في المقابل، قال المتحدث الرسمي باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، لـ«الأخبار» إن «المملكة كانت من أولى الدول التي استنكرت العدوان الاسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، وطالبت بتفعيل بنود القانون الدولي الإنساني ووقف الأعمال العدائية ضد القطاع». وأضاف: «الموقف الأردني واضح وقومي، ولا يقبل التشكيك أو المزايدات من الداخل حتى الخارج».
المومني لفت إلى زيارة ولي العهد، الحسين بن عبد الله، الجرحى الغزاويين في المستشفيات الأردنية، ذاكرا توجيهات الملك برفد المستشفى الميداني العسكري بالمزيد من الكوادر والتجهيزات، «وهذا دليل على الموقف الرسمي المتضامن مع الشعب الفلسطيني». أما عن المبادرة المصرية، فأكد «اطّلاع عمان على المبادرة قبل إعلانها»، مشيرا إلى «أن دعمهم المبادرة يستند إلى إدراكهم أهمية استعادة مصر دورها الريادي».


رفضت مصر السماح
لـ25 نائبا أردنيا بالدخول إلى غزة عبر معبر رفح
ويمكن تسجيل تحرك ملموس على الصعيد الطبي، إذ أعلنت جمعية المستشفيات الأردنية أنها ستستقبل جرحى العدوان الإسرائيلي من قطاع غزة لتقديم العلاجات الطبية إليهم مجانا في المستشفيات المنتسبة للجمعية من القطاعين العام والخاص، ويصل عددها إلى 45 مستشفى، إضافة إلى المستشفى الميداني الأردني الموجود في غزة. كذلك استقبلت عمان عددا من الجرحى الفلسطينيين الوافدين من معبر رفح المصري في مدينة الحسين الطبية. مع تنظيم حملات كبيرة للتبرع بالدم، أسهم فيها مئات الأردنيين على مدار الأيام الماضية.
في سياق متصل، رفضت السلطات المصرية دخول وفد نيابي أردني إلى غزة عبر أراضيها. وذكر مصدر لـ«الأخبار» أن السلطات المصرية أبلغت السفارة الأردنية لدى القاهرة أنها لن تسمح بعبور الوفد إلى غزة «مهما كانت الظروف، ومهما كانت المدة».
وكانت «لجنة فلسطين» في البرلمان الأردني قد قررت الذهاب إلى غزة لنصرة أهلها نتيجة لاجتماع طارئ دعا إليه رئيس اللجنة، النائب يحيى السعود. وجاء ذلك بعد التصويت على ذهاب 25 نائبا إلى القطاع عن طريق معبر رفح. في التعليق على هذا المشهد، قالت النائب هند الفايز إن الأردن مكبل حيال الوضع الفلسطيني منذ معاهدة وادي عربة، واستنكرت في حديث لـ«الأخبار» «التزام الاتفاقية فيما العدوان لا يزال قائما على غزة»، مطالبة مجلس النواب بأن يتخذ موقفا صارما حيال الاتفاقية.



المستشفى الأردني في غزة

أنشأ الأردن منذ الحرب الأولى على قطاع غزة (عام 2009) مستشفى ميدانياً تحت مسمى «المستشفى الميداني العسكري»، وهو يقدم الخدمة إلى المواطنين الفلسطينيين على مدار الساعة. وقد أحصت إدارة المستشفى تقديمها الخدمات الطبية إلى أكثر من مليون وربع مليون مواطن، وإجراءها ستة عشر ألفاً من العمليات الجراحية، كما أشرفت على تحويل العشرات من المصابين الذين تعذر استكمال علاجهم في المستشفى إلى مدينة الحسين الطبية في العاصمة عمان. والأحد الماضي أمر الملك عبدالله الثاني بتعزيز طواقم المستشفى بكوادر طبية وكميات كبيرة من الأدوية وعدد من سيارات الإسعاف.