غزة | هذا العام لن يتم بعض طلاب غزة فرحهم، فهم بكل بساطة انتقلوا إلى السماء تاركين وراءهم حسرات عائلاتهم. لم يعلموا أن انتظارهم ثمار جهدهم في امتحانات الثانوية العامة سيقطعه الاحتلال عليهم، بل قد يعطيهم «شهاداتهم» قبل استحقاقهم شهادة الثانوية العامة. أمس، أعلنت وزارة التربية والتعليم في حكومة التوافق نتائج الثانوية العامة، بعدما أجّلتها عدة أيام على أمل انتهاء الحرب، في ظل مقاطعة إعلامية من غزة لنشر النتائج.

وبينما كان احتفال عدد من الناجحين باهتاً وخالياً من الفرحة بسبب الموت المنتشر مع أعداد الشهداء والمصابين الكبيرة، جاءت هذه النتيجة لتجدد الحزن في نفوس من فقدوا أبناءهم ممن كانوا على مقاعد الثانوية خلال الحرب، لتأتي «شهادة الدراسة» بعد أن نالوا شهادة الحرب على يد إسرائيل.
رغم مقاطعة وسائل الإعلام في غزة نتائج «التوجيهي»، عمدت بصورة مشتركة إلى استحضار قصص الشهداء الشباب ممن كان يقدر لهم لو بقوا أحياءً أن يدخلوا الجامعات ويتخصصوا في ما كانوا يتمنونه.
«الحمد لله أتممت امتحانات الثانوية بأكمل وجه، وأتمنى من الله أن يرزقني النجاح بعد الدراسة الشاقّة، وأتمنى منكم الدعوات لي ولكل الطلبة». ارتحل كاتب هذه العبارة إلى جوار ربّه، فلم يتسنّ له أن يشعل شمعة النجاح. قبل أيامٍ قصيرة، دوّى في سماء غزّة صوت انفجار ضخم تبين أنه صاروخ أطلق على منزل عائلة البطش، ليحصد في مجزرة كبيرة أرواح 18 شهيداً كان من بينهم الطالب إبراهيم ماجد البطش.
حصل البطش على معدل 55% ليجتاز المرحلة الثانوية بنجاح، لكنّ أنغام «وحياة قلبي وأفراحه» لن تزور عائلته، كما لن تدوس قدماه إحدى جامعات القطاع. هذه العائلة المفجوعة فتحت أبواب العزاء على مصراعيها بعدما سُدّت كل المنافذ في وجهها. يسترجع يوسف البطش، وهو أحد أقرباء الطالبين الشهيدين يحيى وإبراهيم، بعض ذكرياته معهما. يقول لـ«الأخبار»: «كان يحيى وإبراهيم مفعمين بالحياة، ويتوقان إلى أن يكملا مسيرتهما الجامعية، لكن الحرب على غزّة منحتهما شهادةً أعلى من الثانوية العامة».


4 طلاب استشهدوا
قبل حصولهم
على شهادات الثانوية العامة
كذلك، صادَقَ إبراهيم ثلاثة طلابٍ آخرين في قصة استشهاده، هم يحيى علاء البطش، وطارق محمود الحاج، وعماد عودة. هؤلاء وضعت صواريخ الاحتلال حداً لمغامراتهم الشبابيّة، فهم لن ينسجوا علاقات حبّ كما عادة الشباب في الجامعة، ومذكراتهم ستبقى خاوية لن يملأها أحد.
إلى قصة أخرى، مع الطالب بلال أبو يوسف الذي حصل على معدل 95% في الفرع الشرعي. فرغم هذا النجاح ذهبت كلّ ملامح فرحته بسبب استشهاد شقيقه خلال الحرب. يقول بلال لـ«الأخبار»: «استشهد شقيقاي محمد وأحمد، وأنا الآن أستقبل المعزين بدلاً من المهنئين»، مستدركاً: «مع كلّ هذه الجراح نطلب من المقاومة أن تكمل مشوارها ولا تُفسح المجال لأحدٍ لإحالة القطاع إلى لعبة».
وتضامناً مع الشهداء من الطلاب، عزف أوائل الطلاب في غزة عن استقبال الصحافيين، مكتفين بمتابعة نتائجهم على الشبكة العنكبوتية. لكن «الأخبار» استطاعت الحصول على تصريح قصير من الطالبة رنا البحيصي التي حصلت على المرتبة الثانية على مستوى غزّة. تقول البحيصي لـ«الأخبار»: «تبقى فرحتي مغمسة بألم الجيران والأصدقاء الذين طالتهم الحرب... لم تملأ الزغاريد دارنا لأن جيراننا فقدوا أحبتهم وبيوتهم». هو المشهد نفسه الذي تكرر في القدس المحتلّة. هناك رفع عدد من الطلاب لافتات كتب عليها «أهدي نجاحي لغزّة» و«يا صواريخ المقاومة زفينا».
مرّت أمس ساعات اليوم الذي كانت غزة تعيش فيه عرساً كبيراً فرحاً بنجاح طلابها من دون أيّ وهجٍ، فالدم لا يزال مسكوباً على الطرقات، وأبواب المدارس كانت موصدة إلا بعضها لاستقبال النازحين. واستبدل الغزّيون توزيع الورود والحلويات بالحذر من التحرك تحت الطائرات التي تحوم في السماء، عدا بعض الألعاب النارية التي أطلقت كأنها تناوش طائرات الاحتلال.