غزة | يبدو أن التلويح بورقة الاجتياح البري لقطاع غزة ليس سوى محاولة مكشوفة من الجانب الإسرائيلي لشنّ حربه النفسية على حركة «حماس»، وممارسة ضغوطه على المستويين العسكري والأمني. تلويحٌ لا يمكن أن يندرج إلا تحت أساليب العدو الردعية، للتنقيب عن مخرجٍ يحفظ ماء وجهه بعدما فجّرت المقاومة الفلسطينية جزءاً ضئيلاً من مفاجآتها، من الناحيتين الكميّة والنوعيّة، على ما يفيد قادتها.
ومع دخول العدوان على القطاع يومه الرابع، بات واضحاً أن سلاح الجو أخفق في استهداف البنى التحتية لفصائل المقاومة ومراكز الإمدادات العسكرية واللوجستية لديها. حتى اللحظة، كل ما تمكن من اصطياده لا يعدو كونه انقضاضاً على أرواح المدنيين وتدميراً لمنشآتهم. هذا السلاح الذي يُعدّ الذراع الطويلة للعدو وورقة «الجوكر» في جميع حروبه التي شنّها، تحديداً على قطاع غزة ولبنان، يفتقر حالياً إلى المعلومات الاستخبارية الحقيقية التي من شأنها أن تثبط عمليات انهمار الصليات الصاروخية بمختلف مدياتها على مدن فلسطين المحتلة. أمرٌ دفع قادة الاحتلال إلى التململ، والمصادقة على استدعاء 40 ألف جندي احتياط للتمركز على حدود قطاع غزة كافةً. لكن تبقى مسألة دخول الاجتياح البري حيّز التنفيذ مرتبطة بمُخرجات الضربات الجوية واستنفادها للأهداف المرصودة، من دون تحقيق المرجو. ويرى مراقبو المشهد الحالي أنه في حال تنفيذ العملية البرية ذات الكلفة الباهظة والمرهقة على صعيد الموازنة والأرواح في صفوف جيش الإسرائيلي، لن تتسع رقعتها لتطاول احتلال قطاع غزة كاملاً. ويبقى سيناريو إعادة تموضع قوات جيش الاحتلال على جميع حدود القطاع من دون المجازفة بالوصول إلى قلبه ذي الكثافة السكانية الهائلة، الأكثر رجوحاً، وذلك تناسباً مع الأوضاع الميدانية الحالية.

السيناريو المرجح
إعادة تموضع القوات وتوغلات بسيطة
دون اجتياح واسع
ورغم قسوة هذا السيناريو على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، غير أن التغييرات التي شهدها ميدان قطاع غزة في السنوات القليلة الماضية من الناحية العملياتية، وارتفاع معدّل استهداف جنود الاحتلال في محيط القطاع، يقودان إلى احتمالية كسب المقاومة هذه الجولات البرية لمصلحتها، وخصوصاً أن معركة سرية تحت الأرض تدور رحاها في هذه الآونة. كذلك فإن البنية التحتية لتربة قطاع غزة والمعرفة الدقيقة للطبوغرافيا الخاصة بالقطاع، تمنحان المقاومة الفلسطينية مدى واسعاً للقنص وإطلاق النار وزرع عبوات ناسفة، فضلاً عن اتّباع المقاومة تكتيكات جديدة على صعيد الساحة البرية، تتمثل في إطلاق قذائف الهاون بشكل متقطع، والصواريخ المطورة المضادة للمدرعات. كلها عوامل تُسهم في إضافة تحديات جديدة أمام العملية الإسرائيلية البرية، وتحديداً مع قرع سيناريو قتل وخطف عدد من جنود الاحتلال جرس الإنذار.
ومع ذلك، لا يستبعد المحلل في الشؤون الإسرائيلية، عدنان أبو عامر، تنفيذ عملية برية ضمن نطاق محدود، متوقّعاً أن يكون اليومان المقبلان كفيلين بتحديد توجه الاحتلال نحو هذه العملية ذات السقف المحدود. ويرى أبو عامر في حديثه إلى «الأخبار» أن «نقطة القوة لمقاتلي المقاومة، إذا قرر الاحتلال الانتقال إلى العملية البرية، هي تحوّل جنوده في شوارع غزة من صيادين إلى طرائد، إلى بط في مرمى النيران قتلاً أو أسراً، وهذا هو الكابوس المرعب لإسرائيل». وأضاف: «حماس تعمل على خطوط قتالية مستوردة، وبنت مئات التحصينات والأنفاق المنتشرة تحت كل شارع وزقاق في قطاع غزة، ما يعمّق أزمة جيش الاحتلال». وما يعزز تلك القراءة قول أليكس فيمشان، أمس الخميس في صحيفة «يديعوت أحرنوت» العبرية، «إن إسرائيل لن تدخل المعركة البرية من موقع المتفوق استخبارياً، لجهلها ما يدور في داخل غزة، وخاصةً ما يجري تحت الأرض». ويرجّح فيشمان تغاضي رئيس حكومة الاحتلال ورئيس أركان جيشه عما سمّاها مغامرة، مؤكداً أن العملية البرية لن تهدف إلى احتلال القطاع والقضاء على «حماس»، بل ستكتفي بوضع أهداف متواضعة.
إذاً، من الواضح أن الاحتلال سينتهج سياسة الأرض المحروقة والمناورة البرية في المناطق الرخوة عسكرياً، كما حصل في حرب «الرصاص المصبوب». وهذا ما يتفق معه الخبير العسكري يوسف الشرقاوي الذي توقع في حديثه مع «الأخبار» تنفيذ الاحتلال عملية نوعية في القطاع، عبر إحداث خرق محدود على أراضيه، كي يخرج بصورة مقبولة نسبياً أمام الرأي العام الإسرائيلي، بعد اهتزازها على نحو جلي في هذه الفترة. لكنه تخوّف من تغيير الاحتلال تكتيكه على صعيد الساحة البرية، وإصدار تعليماته للجنود بعدم الترجّل من دباباتهم ومدرعاتهم، الأمر الذي قد يعيق مخططات المقاومة. ونوّه الشرقاوي بتأثّر فصائل المقاومة بتجربة حزب الله، وسياسته على المسارين الدفاعي والهجومي، غير أنها لم تصل بعد إلى إدارة حزب الله المحكمة للنيران، وحنكته السياسية.