تنطلق، اليوم الخميس، على مدى اليومَين المقبلَين، قمّة «منظّمة شنغهاي للتعاون» في مدينة سمرقند الأوزبكستانية، بمشاركة رؤساء 14 دولة. وستُشكّل القمّة مناسبةً للقاءات جانبية، ستبحث مشاريع يغلب عليها الطابع الاقتصادي. وإذ يبدو أن إيران ستكون نجمة الحدث بصفتها عضواً جديداً «كامل العضوية» في الملتقى، إلّا أن حضور الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، لا يقلّ هو الآخر أهميّة، نظراً إلى الاجتماعات التي سيعقدها، ولا سيما لقائه نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، وأيضاً إلى واقع التأسيس التدريجي الذي يجري العمل عليه لتصبح تركيا، في وقت لاحق، عضواً كاملاً في «شنغهاي للتعاون».وتَأسّست هذه المنظّمة تحت اسم «خماسي شنغهاي» في عام 1996، وضمّت، في حينه، كلّاً من: الصين، روسيا، قرغيزستان، طاجكستان وكازاخستان، قبل أن تتحوّل، في عام 2001، إلى «منظّمة شنغهاي للتعاون»، بهدف تعزيز الأمن الإقليمي ومواجهة تحدّيات الإرهاب. وتبلغ مساحة الدول المنضوية في إطارها، 34 مليون كيلومتر مربّع (الأكبر مساحةً في العالم)، فيما يقارب عدد قاطنيها ثلاثة مليارات نسمة، أي ما يمثّل 40% من سكّان العالم، فضلاً عن أنها تشكّل مجتمعةً 30% من الاقتصاد العالمي، وهي تضمّ أربع دول نووية، اثنتان منها عضوان دائمان في مجلس الأمن. وتتشكَّل المنظّمة حالياً من: الصين، روسيا، كازاخستان، قرغيزستان، طاجكستان، أوزبكستان، الهند، باكستان وإيران؛ فيما تضمّ أيضاً دولاً غير أعضاء بصفة مراقب، ومنها: بيلاروسيا، أفغانستان، منغوليا، نيبال، كمبوديا، أرمينيا وسريلانكا. وتأتي في ما بعد الدول الأعضاء في «شراكة الحوار»، ومنها تركيا التي أصبحت عضواً منذ عام 2012، ويحضر رئيسها «قمّة سمرقند»، بدعوة من نظيره الروسي. أيضاً، ثمّة العديد من الدول المهتمّة بإقامة علاقات مع المنظّمة، مِن مِثل: السعودية، قطر، مصر، البحرين، الإمارات، العراق وسوريا، وكلّها تسعى إلى أن تنصمّ إلى «شراكة الحوار».
ويمثّل تطوير اقتصادات هذه البلدان الدافع الأوّل إلى التعاون في ما بينها، وخصوصاً في ظل النموّ السريع الذي تشهده الصين التي تبدو المحرّك الأكبر للملتقى، وكذلك اندلاع الحرب في أوكرانيا وفرْض كمٍّ هائل من العقوبات الغربية على روسيا. ويمكن عزْو توجّه الدول للحصول على عضوية المنظّمة، إلى تطلُّعها إلى شراكات استراتيجية اقتصادية مع الصين، التي تستثمر، من جهتها، عشرات مليارات الدولارات في مشاريع حول العالم. وتتناول القمّة عدداً كبيراً من الموضوعات المهمّة، لكن تطوير مسارات خطوط التجارة يبدو الأكثر أهمّية، حيث سيَجري النقاش في عدّة مسارات لسكك الحديد: الأوّل ذاك الذي تريد روسيا تطويره، ويمرّ عبرها إلى أوروبا وينقل منتجات بقيمة 75 مليار دولار؛ والثاني خطّ عبر تركمانستان وإيران وتركيا إلى أوروبا، تسعى الصين إلى تطويره؛ أمّا الخطّ الثالث الذي سيُبحث فيه، فهو الذي يربط أوزبكستان بباكستان عبر أفغانستان، ويمكن أن يقدّم خدمات بحريّة مهمّة لدى وصوله إلى الساحل الباكستاني. وإضافة إلى التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء، يريد بعضها التركيز على الأوضاع الأمنية البيْنية، ومن هذا رغبة أوزبكستان في بحث كيفيّة مواجهة عدم الاستقرار في أفغانستان التي ساءت أوضاعها بعد الحرب الأوكرانية.
دعوة روسيا تركيا للانضمام إلى «شنغهاي»، من شأنها أن تعزّز موقع الأولى داخل المنظّمة


لكن حضور إردوغان القمّة ولقاءه بوتين يُعدّان حدثاً ذا أهمّية خاصة. وبحسب صحيفة «خبر تورك»، فإن دعوة بوتين، إردوغان، إلى حضور قمّة «شنغهاي» لم تكن عبثية، إذ إن الموضوعات التي سيناقشها الزعيمان كثيرة، مِن مِثل إمكانية خفض أسعار الطاقة الروسية التي تستوردها تركيا، كما الأوضاع في سوريا وأوكرانيا، ولا سيما في ما يتعلّق بـ«كوريدور الحبوب» من أوكرانيا إلى العالم. وتشكّل هذه المسألة موضع انتقاد روسيا التي لم ترسل بعد أيّ شحنة من حبوبها عبر هذا الممرّ. ومنشأ الانزعاج الروسي يجلّيه تصريح لبوتين قال فيه إن شحنات الحبوب الأوكرانية لا تصل إلى الدول الفقيرة بل إلى الغنيّة، وإنه من أصل 87 سفينة خرجت من أوكرانيا، ذهبت سفينتان فقط إلى الدول الفقيرة. وكان الرئيس التركي قد أدلى، لدى عودته من جولة البوسنة وصربيا وكرواتيا، بتصريحات أثنى فيها على سياسات الرئيس الروسي، واعتبرها «صحيحة»، منتقِداً الدول الغربية التي «لا تهتمّ بالشعوب الفقيرة». وقال إردوغان: «كما قال السيد بوتين، فإن سفن الحبوب تذهب إمّا إلى الدول المتقدّمة، أو تلك التي في طوْر التطوّر. ربّما لذلك، فإن السيد بوتين لا يُصدّر المنتجات الروسية. إنه على حقّ». لكن صحيفة «ميللييات» تقول إن السبب وراء عدم إرسال روسيا سفن الحبوب، هو خشيتها من أن تضع شركات التأمين العالمية يدها عليها، لدى مرورها من الموانئ الغربية. وفي الإطار نفسه، يقول رئيس مكتب تنسيق العقوبات في وزارة الخارجية الأميركية، جيمس أوبرين، إن روسيا تُوصِل منتجاتها إلى العالم بطرق متعدّدة، ولا تجد حاجة إلى توقيع اتّفاقات، متوقعاً للغموض أن ينجلي في «شنغهاي» حين يجتمع بوتين وإردوغان لإيجاد حلّ.
من جهته، يرى فهيم طاشتكين، في صحيفة «غازيتيه دوار»، أن إردوغان بات، بعد قمّة سوتشي، أكثر مَيْلاً إلى بوتين الذي استحسن مواقف نظيره التركي، ودعاه إلى المشاركة في «شنغهاي». أيضاً، صعّد إردوغان انتقاداته لليونان، على خلفية تعرُّضها للطائرات التركية في بحر إيجه، فيما يبدو أن روسيا منزعجة من التحالف اليوناني - الأميركي، وابتعاد أثينا عنها، بعدما كانت حليفة لها. وكان لمواقف أنقرة من رفْض المشاركة في العقوبات الاقتصادية على موسكو، وقْعٌ جيّد في روسيا - على الرغم من قرار تركيا بيْع مسيّرات «بيرقدار» إلى أوكرانيا -، ولا سيما مع تَحوُّل الأولى إلى قناة مهمّة للعمليات التجارية - المالية للشركات الروسية الخاضعة لعقوبات. والظاهر أن بوتين، بحسب طاشتكين، يشجّع إردوغان على تعزيز هذا التَوجّه، من خلال إيداع روسيا عشرة مليارات دولار في المصرف المركزي التركي، لزومَ استكمال إنشاء المفاعل النووي الروسي في أق قويو قرب مرسين. وفيما لو خفّض بوتين أسعار الغاز الطبيعي لتركيا، سيكون ذلك «نوراً على نور». وكان الرئيس الروسي قد وعد، خلال قمّة سوتشي الأخيرة في 5 آب الماضي، بأن تدفع تركيا جزءاً من ثمن الغاز الروسي بالروبل. لكن هذا لا يلبّي، على أيّ حال، تطلّعات إردوغان، كونه يعكس عدم ثقة بالعملة التركية. ويرى طاشتكين أن مَيْل تركيا إلى روسيا جاء نتيجة صدّ الولايات المتحدة لإردوغان الذي قال: «لقد عملتُ جيّداً مع جورج بوش الابن، ومع باراك أوباما، ومع دونالد ترامب، لكن لا أستطيع أن أقول الشيء نفسه عن جو بايدن». لذا، لا يرى الرئيس التركي، اليوم، أيّ خطأ في العلاقة مع بوتين، لكنه، على رغم ما تَقدّم، يأمل بلقاء يجمعه ببايدن الشهر الحالي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويخلص الكاتب إلى أن مشاركة إردوغان في قمّة «شنغهاي» مهمّة له، كونها «ستُظهر التأثير المتعاظم لتركيا في العالم، خارج الهيمنة الغربية».
بدورها، تُبيّن قنصل تركيا السابقة في لوس أنجليس، غولرو غيزير، أن اندفاعة تركيا لتعزيز علاقاتها بـ«منظّمة شنغهاي»، تعني تعزيز التوجّه الآسيوي لتركيا في كلّ المجالات، وهذا يطرح علامات استفهام حول ما إذا كانت أنقرة تبتعد أكثر عن الغرب، وما إذا كانت ترى في المنظّمة بديلاً من الاتحاد الأوروبي أو «حلف شمال الأطلسي». وتعتقد غولرو أن على تركيا ألّا تنشئ علاقات مع «شنغهاي» على حساب علاقاتها الاستراتيجية مع المؤسّسات العابرة للأطلسي، مثل الاتحاد الأوروبي و«الناتو». لكن الباحث باريش آديبللي، يرى، في حديث إلى صحيفة «جمهورييات»، أن عضوية تركيا في «شنغهاي للتعاون» «ستزيد من نفوذها في محيطها الآسيوي، وخصوصاً أن منظّمة شنغهاي تضمّ دولاً ناطقة باللغة التركية». ويقول آديبللي إن هناك محورَين داخل المنظّمة: روسيا من جهة، والصين من جهة أخرى، معتبراً أن آسيا الوسطى والهند قريبتان من الأول، فيما باكستان وإيران قريبتان من الثاني. من هنا، فإن دعوة روسيا تركيا إلى الانضمام من شأنها أن تعزّز موقع موسكو داخل الملتقى.