هذه المرة، بدت حلقة اقتحام المصرف «محبوكة» أكثر. تدخل الشابة سالي حافظ برفقة مجموعة من الشبّان إلى بنك «لبنان والمهجر» فرع السوديكو بثقة عالية، من دون أن تظهر على أيّ منهم علامات الخوف. يقفل أحدهم الباب بالجنزير، ويحتجز آخر الموظفين والزبائن رهائن. ترشّ سالي المصرف بالبنزين وتشهر سلاحها في وجه المدير ممسكة بعنقه فـ»يرفع العشرة»، ويعطيها ما تريد. تغمرها مشاعر القوة فتصعد إلى الطاولة وتعيد المسدس إلى داخل البنطال. يوكل إلى البعض مهمة تصوير العملية بالهاتف والتعريف عن هوية «العصابة”: «نحن صرخة المودعين”، ثم يغادرون المصرف ويهرّبون «رئيسة العصابة»، ومعها الأموال، من دون إثارة شبهة القوى الأمنية الموجودة على بعد أمتار، في المديرية العامة لقوى الأمن العام ومركز أمن عام بيروت. وهكذا تنجح العملية.

الفيديوات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وثّقت الحادثة، مع اختفاء سالي بعدما أدلت بمقابلة إعلامية، وتضارب المعلومات حول مكان وجودها: لا تزال في لبنان أو سافرت إلى تركيا. وكما في الأفلام والمسلسلات، يتعاطف الجمهور مع البطل، حتى لو كان مجرماً، إذا كانت «الكاريزما» طاغية أو الدوافع مقنعة. كذلك الأمر بالنسبة إلى مسلسل اقتحام المصارف لاسترداد الودائع المنهوبة بالقوة. عبّر الكثير من اللبنانيين عن تعاطفهم مع المقتحمين، حتى لو لجأوا إلى أساليب غير قانونية. فالمعايير تسقط عندما يتحمل الشعب وحده الخسائر ويجري السطو على أمواله من دون وجه حق.
ومع أنها ردة فعل طبيعية لأي إنسان سرق منه جنى عمره، إلا أن لكلّ بطل اقتحام مصرف حكاية موجعة: حسن مغنية، عبد الله الساعي، بسام الشيخ حسين، واليوم رامي شرف الدين، وسالي حافظ التي فعلت ذلك كرمى لأختها المصابة بالسرطان.

بيان المصرف كاذب
«توسلت سالي إدارة المصرف لصرف وديعتها البالغة 20 ألف دولار أكثر من مرة من أجل تأمين كلفة علاج شقيقتها مظهرةً صوراً ووثائق تثبت ذلك، فعرضوا عليها صرف الوديعة على سعر صرف 8000 ليرة للدولار الواحد ما يعني قضمها وإعطاءها الفتات»، بحسب رئيس جمعية صرخة المودعين علاء خورشيد، الذي يكذّب ما جاء في بيان إدارة المصرف رداً على ما حصل: “لدى العميلة حساب في فرعنا، لكنها لم تحضر إلى الفرع أو تقوم بأي عملية مصرفية من أي نوع منذ أكثر من سنة ونصف سنة. أمس، زارتنا واجتمعت بالمدير طالبة إمكانية مساعدتها في سحب مبلغ من حسابها لعلاج شقيقتها المريضة وأبدى المدير التعاون معها، وطلب منها بعض المستندات». وترى إدارة المصرف أن «حضور العميلة وفي حوزتها مسدس، وبصحبة مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين احتجزوا الموظفين والزبائن ورموا البنزين عليهم مهددين بحرقهم، وحطموا بعض محتويات الفرع، وهددوا الموجودين بالسلاح، وأجبروا المدير وأمين الصندوق على فتح الصندوق واستولوا على المبلغ الموجود فيه، هو تطوّر خطير».

سالي في لبنان
حصلت سالي على مبلغ 12 ألف دولار، ونحو ألف دولار بالليرة. سلّمته إلى عائلتها وتوارت عن الأنظار قبل أن تصدر مذكرة بحث وتحرّ بحقها. وخلافاً لما ورد في صفحتها على فايسبوك عن أن «القوى الأمنية أمام منزلي وأنا صرت بتركيا»، يؤكد خورشيد أنها لا تزال على الأراضي اللبنانية وما قالته ليس إلا «حب سالي للمغامرة»، وهذا ما أكده بيان صادر عن الأمن العام نفى فيه توقيف سالي كما نفى مغادرتها الأراضي اللبنانية. أما السلاح الذي كان بحوزتها فأشارت في مقابلة أجرتها مع قناة الجديد الى أنه لعبة أرادت به التخويف فقط “فأنا لست مؤذية، لكن طفح الكيل».
ثلاثة موقوفين لا يزالون رهن التحقيق في ثكنة الحلو وفي مخفر عاليه


بعد انتهاء العملية، ولدى خروجهم من المصرف تعرّض المودعون في جمعية «صرخة المودعين» لاعتداء “ليفرجونا إنو في دولة”، على حد تعبير خورشيد. “اعتداء كسر على إثره أنف عضو الهيئة الإدارية في الجمعية محمد الشريف من قبل عناصر في تحرّي قوى الأمن الداخلي». كما جرى توقيف كلّ من محمد رستم وزكريا عبد الرحمن في ثكنة الحلو على خلفية مشاركتهما في «الجريمة». في المقابل، تداعى عشرات الناشطين إلى الاعتصام أمام الثكنة تضامناً مع الموقوفين، اللذين أبقاهما المدّعي العام التمييزي غسان عويدات رهن التحقيق.
ورداً على سؤال البعض عن هوية جمعية «صرخة المودعين» التي نظّمت عملية اقتحام المصرف، وخصوصاً أنها تمت بعد ثمانية أيام من انتشار ملصقات تهاجم أصحاب المصارف ورجال السلطة المصرفية ملأت شوارع الحمرا، أكد خورشيد أنها «جمعية مستقلة تأسّست منذ عامين ولا تحصل على تمويل من أي جهة».



محاولة لم تنجح في عاليه
بالتزامن مع انتشار خبر اقتحام فرع «بلوم بنك» في السوديكو، انتشر خبر ثان عن قيام المودع رامي شرف الدين باقتحام فرع عاليه في «بنك البحر المتوسط»، متسلّحاً ببندقية فارغة. وتضاربت المعلومات حول نجاح شرف الدين في استرداد أيّ مبلغ من وديعته، بين من قال إنه حصل على 30 ألف دولار سلّمها إلى عائلته قبل تسليم نفسه إلى القوى الأمنية، وبين من أكد أن المودع لا يملك أكثر من 7 آلاف دولار في حسابه، وبالتالي لا يمكن أن يكون قد حصل على المبلغ المتداول.
وحتى وقت متأخر من ليل أمس، كان شرف الدين لا يزال يخضع للتحقيق، من دون وجود أي معلومات عن إفراج قريب عنه.