لم يكن قرار فصل النائبين السابقين ماريو عون وزياد أسود من التيار الوطني الحر مفاجئاً إلا في توقيته. فالإشكالات العلنية بين الرجلين وحزبهما بدأت قبيل الانتخابات النيابية حتى ظنّ كثيرون أن قرار فصلهما سيسبق الاستحقاق الانتخابي أو يليه مباشرة. أول من أمس، عزا مجلس الحكماء في التيار الوطني الحر فصل أسود إلى «إصراره على ارتكاب عدد من المخالفات المتكرّرة والمتعمّدة للنظام الداخلي رغم توجيه عدة تنبيهات له، وبعد شكاوى بحقه قبل الانتخابات النيابية وخلالها وبعدها، تتعلّق بتهجّمه الدائم على زملائه من مختلف المسؤوليات في التيار في قضاء جزين ما أدّى إلى شرخ ونفور في صفوف التيار». وعدّد المجلس سلسلة أسباب للفصل، منها السياسة الانفرادية، ورفض الدعوة للاجتماع مع قيادة التيار ورئيسه أو الحضور إلى المقر العام أو للمثول أمام مجلس الحكماء.أسود ردّ على البيان بإعادة نشر تغريدة سابقة لرئيس الجمهورية ميشال عون عن «ولاد الحرام»، ونشر فيديو عن الفساد المالي وشركات التهرب الضريبي مذيّلة برسالة مبطنة إلى رئيس التيار، بالقول: «متل العادة بتهرب إلى الأمام... شعبكم مغمض بعاطفتو وهيدي أبشع وسايلكم لاستغلاله». وأتبعهما بتغريدة أخرى موجّهة إلى باسيل من دون تسميته، تحدث فيها عن محاربة تبييض الأموال الواردة في «برنامج حزبك» فيما «ترشح من طالهم وتغض النظر عنهم». قبل ذلك، ساند أسود زميله المفصول ماريو عون واصفاً رئيس التيار من دون أن يسميه بأنه «فاشل ومتكبّر وما خلّوه».
ويأخذ رفاق أسود على قيادة التيار انحيازها إلى «رؤوس الأموال» على حساب «المناضلين»، و«تسترها على الفاسدين داخل التيار ما تسبب بالشرخ وأدى إلى خسارة الانتخابات النيابية الأخيرة في جزين». ويقول هؤلاء إن أسود «سار وفق تعاليم التيار بمكافحة الفساد والكشف عن الفاسدين ولو كان أحدهم زميلاً»، في إشارة إلى تقدّمه بإخبار لدى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، في شباط الماضي، ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشركة OMT (أحد مؤسسيها هو النائب العوني السابق أمل أبو زيد)، لتلاعبهما بسعر الصرف والمضاربة على العملة الوطنية. وقد وصل الاشتباك بين أسود وأبو زيد قبيل الانتخابات إلى حدّ سحب الأخير ترشحه قبل تدخل رئيس الجمهورية لثنيه عن هذا القرار.
كالعادة، مع كل موجة فصل من التيار، يرى بعض الحزبيين المفصولين سابقاً فيها مناسبة لمحاولة لمّ شملهم. إلا أن كل المحاولات السابقة انتهت قبل أن تبدأ، منها، مثلاً، استحالة اجتماع النائب السابق شامل روكز والقياديين العونيين السابقين نعيم عون وزياد عبس تحت سقف واحد، لا خلال الانتخابات ولا قبلها أو بعدها.
في موازاة ذلك، ينفي أحد نواب تكتل لبنان القوي ما يتردد عن أن فصل أسود أثار استياء قد يدفع بعض نواب التيار، خصوصاً إبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا وآلان عون، إلى الانشقاق أو تأسيس حركة اعتراضية، واضعاً ذلك في إطار «الإشاعات المعتادة عند كل حادثة مماثلة». ويشير إلى أن النواب قد يراعون أسود على وجه الخصوص بصفته «مناضلاً قديماً وصاحب مواقف شجاعة، لكنهم لن يذهبوا إلى أبعد من تغريدة رفع عتب أو تضامن كلامي»، مؤكداً أن كنعان وعون وأبي رميا «في خندق مختلف كلياً عن أسود الذي كان أقرب منهم إلى باسيل في كثير من الاستحقاقات الداخلية».
حال أسود تختلف عن حال ماريو عون. فالنائب الشوفي السابق أحرق كل المراكب بينه وبين العونيين والأصدقاء، حتى أن قرار فصله لم يستدع تعاطفاً أحد أو أي رد فعل، لا سيما أن عون كان قد صرّح علناً قبيل الانتخابات أنه لن يمنح صوته التفضيلي لمرشح التيار في الشوف. علماً أن التيار «منح ماريو ما لم يمنحه لأحد، من تعيينه نقيباً للأطباء ثم وزيراً فنائباً، وحرص حتى اللحظة الأخيرة على مراعاته وابتلاع كل ما تسببه من إساءات للتيار في الشوف وخارجه إلى أن أصبح بقاؤه أشدّ ضرراً على التيار، تماماً كأسود». بالنسبة للتيار، اتخاذ قرار بفصل مناضلين «مؤلم»، لكن «كان لا بدّ منه خصوصاً مع مبادرة الاثنين إلى شتم أعضاء من الحزب ورئيس الحزب علانية وغض النظر عنهما مرات عدة».
مصادر التيار: الانشقاقات لم تكن مؤثرة سابقاً ولن تكون لاحقاً في حال حصلت


لكن ماذا بعد فصلهما؟ «هو السيناريو نفسه: يبدأ بحملة تلفزيونية تدوم يومين أو ثلاثة وحفلة ردود وتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي تنتهي في غضون أسبوع على أبعد تقدير. وقوام هذا الحديث ليس تعداد أخطاء المفصولين بل مقاربة عملية الفصل باستبدال مرشح بآخر أي عبر تسخيفها وقولبتها لمصلحتهما تماماً كالترويج لفصل زياد عبس كرمى لنقولا صحناوي وشامل روكز كرمى لروجيه عازار والآن زياد أسود كرمى لأمل أبو زيد وماريو عون كرمى لغسان عطالله». إنما «الحقيقة أبعد من ذلك ويعرفها كل من أسود وعون تمام المعرفة». في جزين، «لم يترك أسود أحداً من شرّه، لا عائلة الحلو ولا رئيس البلدية ولا مدير المستشفى، حتى أنه وصل للتعدي على رئيس مجلس إدارة كازينو لبنان لأسباب شخصية. كل هذه العداوات حالت دون إيجاد التيار أي مرشح من الطائفة السنية للترشح معه في صيدا، على عكس ما تمكن من فعله في عكار وزحلة بنجاح تام». كان يفترض لنتائج الانتخابات النيابية أن تهزّ أسود، على ما تقول المصادر، إلا أنه «اختار إكمال النهج نفسه والتفرغ فقط لإسقاط التيار لا الخصوم». وعما إذا كان فصل أسود سيضعضع الحزبيين لا سيما أنه أحد الوجوه الرمزية في التيار ويتزامن هذا القرار مع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية حيث يسري الحديث عن مزيد من الانشقاقات، تجيب المصادر أن «الانشقاقات لم تكن مؤثرة قبلاً ولن تكون لاحقاً في حال حصلت». وفعلياً، تجربة شامل روكز تطمئن قيادة التيار، «وهي مثال صارخ على أن ما حدا بياخد معو حدا، لأن لا عونيين من دون عون».