يستمِر لبنان في حال ضياع وسط عدم وضوح المشهد الإقليمي - الدولي وارتداداتِه المُحتملة داخلياً، وتستمِر أيضاً المراوحة في ملف تشكيل الحكومة المتعثّر منذ أشهر وتعطيل عمل مجلس النواب والتسليم بالفراغ الرئاسي مع دخول استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية الأسبوع الثاني من موعده الدستوري. وكما يمُر الوضع الخارجي بمسارات تفاوضية شائكة، في ملف الاتفاق النووي بينَ إيران والولايات المتحدة وملفات أخرى من بينها استئناف حوار طهران والرياض، يبدو لبنان في سباق سلبي مع هذه المجريات. وهذا السباق هو أولاً نتاج للصدام الدولي الإقليمي المحتدم، وثانياً لأن الأطراف الداخلية تسعى إلى تكريس وقائع جديدة في السياسة في الفترة الفاصلة عن تسوية كبيرة.وقد انشغلت الأوساط السياسية في تفسير مقاصد الرئيس ميشال عون في حديثه إلى «الأخبار» أمس عن أنه يخشى «مؤامرة الدقيقة الأخيرة». وبينما رفض عون توضيح ما قاله لعدد من سائليه، إلا أن مصادر معنية أشارت إلى مخاوف من لجوء أطراف الجبهة المواجهة له إلى اجتهادات دستورية تسمح لهم بالبحث عن ثقة نيابية للحكومة الحالية من دون الحاجة إلى مرسوم يوقعه رئيس الجمهورية، أو أن يصار إلى إعلان اجتهاد دستوري من غالبية نيابية تقول إن حكومة تصريف الأعمال يمكنها تولي سلطات رئيس الجمهورية. وقالت المصادر إنه في حال حصل أي من هذه الأمور، فإن رئيس الجمهورية سيبادر إلى خطوات من شأنها تعطيل مشروع الجبهة المقابلة. وأدى هذا الاحتدام إلى طلب أكثر من جهة من حزب الله التدخل نظراً لعلاقاته المفتوحة مع كل أطراف النزاع.
وقال مصدر قريب من القصر الجمهوري إن حراك الساعات الـ24 الماضية أعطى إشارات مختلفة عن السابق، حيث يظهر أن الرئيس نجيب ميقاتي بدأ يتلقى نصائح محلية وخارجية تدعوه إلى تأليف الحكومة بأي ثمن وعدم أخذ البلاد إلى مواجهة وليس الفراغ فقط، وهو ما دفع برئيس حكومة تصريف الأعمال إلى تقديم عروضات جديدة تستند إلى التشكيلة الحكومية الحالية مع تعديلات طفيفة.
وبدا أن معظم المعنيين في أجواء «استئناف الاتصالات وإعادة طرح فكرة تعويم الحكومة الحالية كما هي، لأنها رغم سيئاتها أفضل من الفراغ الكلي في السلطة». ولفتت المصادر إلى أن «حزب الله دخل على الخط الحكومي من باب تقديم النصيحة»، لكن «الأمور لم تنضج، لأن الرئيس ميقاتي يطالب تارة بتغيير وزير المهجرين عصام شرف الدين وحده، وطوراً بأن يشمل التغيير أيضاً وزير الاقتصاد أمين سلام لتعيين وزير من عكار، فيما يلتزم الرئيس عون الصمت حتى يرسو ميقاتي على صيغة نهائية».
في المقابل تحدثت المصادر عن تقدّم الاهتمام بالاستحقاق الرئاسي من قبل كل القوى. وفي هذا الإطار، تأتي مبادرة تكتل نواب «التغيير» الذين استكملوا أمس جولاتهم على الكتل النيابية لاستكمال شرح هذه المبادرة بهدف «الوصول إلى لبننة الاستحقاق» بحسب ما قال بيانهم. وأمس، التقى الوفد تكتل «لبنان القوي» وكتلتي «التنمية والتحرير» و«الوفاء للمقاومة»، وقالت مصادر «التغييريين» إن «اللقاءات اتسمت بالكلام العمومي الذي لم يشكّل مادة خلافية إن لجهة تجنّب الفراغ أو لبننة الاستحقاق». وأشارت إلى أن «التوافق مع الكتل حتى الآن بنسبة 70%»، لافتة إلى أن «اللقاء الأطول كان مع كتلة الوفاء للمقاومة، والذي طرحت فيه عناوين عدة أهمها الملف الرئاسي». وكان لافتاً انسحاب النائبة سينتيا زرازير من الدقائق الأولى لاجتماع تكتّلها مع التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل، في حركة استعراضية لا تدفع إلى الثقة بجدية العمل السياسي.
ميقاتي يتلقى نصائح محلية وخارجية لتأليف الحكومة بأي ثمن وعدم أخذ البلاد إلى مواجهة


من جهة أخرى، وفيما يمضي مجلس القضاء الأعلى في تنفيذ قرار وزير العدل هنري الخوري تعيين قاض رديف للمحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ طارق البيطار، تستمر الحملة السياسية والإعلامية والشعبوية ضد القرار، ما أفشل توصل مجلس القضاء الأعلى في جلسته أمس إلى أي اتفاق. وعلمت «الأخبار» أن اتصالات تجرى مع عدد من القضاة للقبول بهذه المهمة، لكن من الواضح أنهم يرضخون لحملات الترهيب ويرفضون تعيينهم. ومن بين الأسماء التي جرى التواصل معها القضاة فادي عنيسي ومارون أبو جودة ونقولا منصور وسامر ليشع، الذين لم يتجاوب أي منهم مع المبادرة، فيما لا تزال المساعي مستمرة للوصول إلى حل.