لم تكن قيادة أمن الدولة على مستوى المسؤولية في التعامل مع جريمة ارتكبها عناصر وضباط في الجهاز بتعذيب الموقوف السوري بشار عبد السعود حتى الموت. إذ واصلت محاولة التستر على جريمة بشعة ضد موقوف أعزل، وأصدرت المديرية العامة لأمن الدولة بياناً أكدت فيه أنها «حريصة دائماً على المصداقية والموضوعية والشفافية»، وأشارت إلى أن تحقيقات أجرتها مع موقوفين أدت إلى توقيف شريك لهم. وأثناء التحقيق مع الأخير، اعترف بأنه ينتمي إلى تنظيم «داعش» الإرهابي، وأنه كان في عِداد مقاتلي التنظيم، ويدين بالولاء له. هكذا، أصدرت المديرية حكماً مسبقاً من دون محاكمة على موقوف قُتِل على أيدي عناصرها، وأسبغت عليه تهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي وكأن ذلك يبرّر تعذيبه بوحشية. وترافق البيان مع تداول تسريب صوتي مسجّل لنائب المدير العام للجهاز، العميد حسن شقير، أرسله على «غروب واتساب» للضباط / المدراء الإقليميين في أمن الدولة، قال فيه إن الجهاز كان في موقع الدفاع عن النفس في مواجهة الموقوف الذي هاجم المحقق، وأشار إلى أن تقرير الطبيب الشرعي والأدلة الجنائية يؤكدان أن الموقوف توفي بسبب أزمة قلبية.وفي هذا السياق، وثّق تقرير الطبيب الشرعي غالب صالح الذي كشف على جثة عبد السعود الأربعاء حجم الوحشية التي تعرض لها. إذ أشار إلى حروق وكدمات غطّت أنحاء جسده ناجمة عن ضرب مبرح وجلد بأسلاك معدنية. لكن كان لافتاً أن الطبيب كشف على الجثة الأربعاء، فيما أرّخ تقريره في الثاني من أيلول، أي يوم الجمعة، عندما نشرت «الأخبار» تفاصيل قتل عبد السعود، وفي اليوم نفسه الذي توجّه فيه مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي إلى بلدة تبنين لمعاينة الجثة. وهنا تنبغي الإشارة إلى أنه إذا كان ما قاله شقير صحيحاً في شأن وجود تقرير طبيب شرعي يفيد بأن الوفاة طبيعية، بالتوازي مع اللبس الحاصل في تاريخ التقرير، فإن ذلك يعني احتمال وجود تقريرين طبيين متناقضين، أحدهما حُرِّر قبل تسريب صور آثار التعذيب على الجثة، والثاني بعد نشرها. ما يعني أن عقيقي، على الأرجح، سيسائل الطبيب الشرعي عن سبب الاختلاف بين تاريخ الكشف على الجثة وبين تاريخ التقرير.
يذكر أن عقيقي إشارته بتوقيف الضابط المسؤول عن مركز بنت جبيل التابع لمديرية أمن الدولة ح. ا. وأربعة عناصر في المكتب الإقليمي هم عباس خ. و فادي ف. و يوسف ب. وخضر ز.، واستمع إلى جوزيف ح. وباسم ن. وعلمت «الأخبار» أن العناصر أفادوا بأنهم تسلّموا الموقوف من القوة الضاربة في الجهاز التي تولّت توقيفه في بيروت على هذه الحال من التعذيب. عندها أشار عقيقي بالاستماع إلى عناصر السرية التابعة للقوة الضاربة في المديرية التي تولّت نقل الموقوف من بيروت إلى الجنوب. وبحسب المصادر فإنّ القوة الضاربة أبرزت تسجيلاً مصوراً للاستماع إلى إفادة عبد السعود وتسجيلاً مصوراً آخر مع صور أثناء تسليمه في تبنين من دون أن تبدو عليه آثار تعذيب، ما يرجّح أن التعذيب تم على أيدي عناصر أمن الدولة في تبنين. أما في ما يتعلق بالرواية التي حاول ضباط في الجهاز تسويقها حول وقوع الموقوف تحت تأثير المخدر وتدوين ذلك في محضر التحقيق مع الإشارة إلى اعترافه بتناول الكبتاغون، فقد دحضتها نهائياً نتائج الفحوصات التي أكدت خلو دمه من أي أثر للمخدرات.
على عكس روايته، لم يوقف الجهاز الضحية والفحوصات أظهرت خلو دم الموقوف من آثار المخدرات


وعبد السعود من مواليد 1993 متأهل ولديه ثلاثة أولاد، وهو مقيم في مخيم شاتيلا، ويعمل في مجال الدهان والباطون. وعلمت «الأخبار» أن الأمن الوطني الفلسطيني أوقفه، بناء على طلب أمن الدولة، وسلّمه في اليوم التالي إلى دورية للقوة الضاربة من دون أن يكون قد تعرّض لأي ضرب أو تعنيف. وقد أبلغ المحققين أنه قبل يومين من توقيفه اختلف مع أحد الأشخاص على خلفية تقاضيه خمسين دولاراً منه تبيّن أنها مزوة، فيما لم يتبين ما يثير شبهات أمنية حوله.
المديرية العامة لأمن الدولة أعلنت أول من أمس أنها وضعت الحادثة في يد القضاء المختص الذي كانت تُجرى التحقيقات تحت إشرافه. وهنا لا بد من لفت القضاء العسكري إلى ضرورة التدقيق في مضمون ما أبلغه به المحققون حول إفادة عبد السعود وما يمكن أن تتضمنه من فبركات. علماً أن بيان المديرية أكد الحرص على «عدم خلق ظروف متوترة، في هذه المرحلة الصعبة والخطرة من تاريخ لبنان، بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، في حين يجب تضافر الجهود من كل القطاعات والتصرف بمسؤولية وطنية للوصول إلى مرحلة الاستقرار في المنطقة، بعد السّير بالحل العادل للجميع». ولم يُفهم لماذا خلط البيان السياسي بالاجتماعي والاقتصادي والإقليمي، في قضية جنائية تورط فيها بضعة عناصر وضابط، فيما كان الأجدر بالمديرية أن تذكر في البيان أنها فتحت تحقيقاً مع عناصرها لجلاء الحقيقة ومعاقبة المرتكبين بدلاً من محاولتها طمسها. علماً أنه رغم هذه الفضيحة التي هزّت المديرية ، إلا أن المدير العام اللواء طوني صليبا الذي كان في رحلة استجمام في لارنكا مع مدير مكتبه العميد جورج المرّ ورئيس مواكبته النقيب خليل عون والموظف المدني وسام درويش الذي يتولى إدارة أعماله، لم يُكلّف نفسه بعد عودته فجر الجمعة عناء الحضور إلى المديرية لمتابعة مستجدات الفضيحة التي يحاول الجهاز ضبضبتها.