أكّد النائب جبران باسيل أن التيار الوطني الحر يوافق على أن يجيّر تمثيله إلى مرشح لرئاسة الجمهورية يتم التوافق عليه، «لأن البلد لا يتحمّل فراغاً ولو تطلّب ذلك تنازلاً منّا عن حقنا كتيار، كوننا الكتلة الأكبر، وعن حق ميثاقي، ولأننا غير قادرين في هذا الظرف على الإتيان بالممثل الأقوى للمسيحيين». وأكد «أننا لن نقبل بأي شكل من الأشكال بأن تتسلّم حكومة ميقاتي المنقوصة الصلاحية صلاحيات الرئاسة... وهناك خيارات كثيرة، بينها ما لا نريده كبقاء الرئيس بعد انتهاء ولايته، وبينها أيضاً سحب التكليف المعطى للرئيس المكلف أو تشكيل حكومة أخرى». وفي ما يتعلق بمفاوضات الترسيم، «نصح» باسيل الإسرائيليين بتسريع الاتفاق لأن «الفرصة قد لا تتكرر»، ولأن «معادلة القوة ليست لمصلحته، وكل تأخير سيخسّره أكثر». وشدد على أنه «انتهت المرحلة التي كان فيها لبنان متفرجاً على كل الدول تستخرج نفطاً وتزدهر، فيما هو ممنوع من ذلك بقرار دولي، وهذا هو الإنجاز الأهم، بعدما أرسى لبنان معادلة جديدة في البحر بفضل قوته». وأكد: «لا نملك خياراً آخر. معادلة القوة هذه يجب تكريسها. لن يخرجنا من الكارثة التي نحن فيها إلا موقف قوة بعدما جرّبنا مواقف الضعف. ومجرد امتناع إسرائيل عن الاستخراج هو اعتراف بهذه المعادلة. أما إذا استخرجت، فنحن ذاهبون إلى مشكلة كبيرة». وفي ما يلي نص الحوار:

بعد نتائج الانتخابات النيابية، هل من مصلحتكم تشكيل حكومة، وخصوصاً أنكم في الحكومة الحالية تحتكرون التمثيل المسيحي؟
أولاً، بالتأكيد نريد حكومة بغضّ النظر عما إذا كنا مشاركين فيها أو لا لأننا خائفون على البلد. فالموضوع الاقتصادي والمالي ملحّ. في لبنان، نتعاطى مع الاستحقاقات وعدم إجرائها كأنها أمر عادي، فيما الوضع غير عادي. ثانياً، لسنا ممثّلين في الحكومة الحالية. رغم أن هناك وزراء قد يكونون قريبين منا. لكنهم ليسوا حزبيين ولا سلطة لنا على أي منهم. ثالثاً، ليس لدينا توجّه للمشاركة في الحكومة المقبلة، وغيرنا يقول إنه لن يشارك. لذلك لا خشية لدينا على هذا الصعيد لأن الحصة المسيحية سيأخذها رئيس الجمهورية. وعلى افتراض أننا سنتمثّل في الحكومة، نحن التكتل الأكبر في البرلمان، وأي حكومة ستأخذ بالتوازنات التي أسفرت عنها الانتخابات ستكون لمصلحتنا وليس لمصلحة نجيب ميقاتي الذي لم يتمكن من إيصال أي نائب الى البرلمان.

(هيثم الموسوي)

لكن على أيّ حال، لا نعمل على هذا الأساس، ولذلك حتى اليوم لم نفاوض أحداً في الموضوع الحكومي. كل ما يتردد عن ذلك وعن وزارات وحصص وأسماء هو خرافة. لم نتحدث بالأمر لا مع رئيس الحكومة ولا مع حزب الله ولا مع غيرهما. جلّ ما في الأمر أن الرئيس ميقاتي يتحدث عن فتوى دستورية تتيح لحكومة تصريف الأعمال تسلّم صلاحيات رئيس الجمهورية. ولذلك، تصرّف بطريقة يعرف أنها لا تقود الى تأليف حكومة. زار الرئيس وقدم له تشكيلة وطلب تغيير 3 وزراء من حصة رئيس الجمهورية، وهو يعرف سلفاً أن الرئيس سيرفض. نعرف بعضنا جيداً. من يريد تأليف حكومة لا يتصرف على هذه الشاكلة.

إذا كان الرئيس ميقاتي يريد استمرار الحكومة الحالية، لماذا عاد الآن إلى التحرك بعدما انتظر طويلاً منذ تقديمه التشكيلة الأولى في 29 حزيران؟
أعتقد لأنه هو ومن يدعمه فهموا أن حكومته الحالية لن تحكم، ولن نقبل بذلك، و«رح نعمل مشكل كبير بالبلد».

ماذا تعني بـ«مشكل كبير»؟
لن نقبل بأيّ شكل من الأشكال أن تأخذ حكومة تصريف أعمال، ليس لديها أساساً صلاحية أن تجتمع أو تتخذ قرارات وغير مكتملة الصلاحيات، مكان رئيس جمهورية مكتمل الصلاحيات.

ما الفارق بين حكومة تصريف الأعمال الحالية وحكومة جديدة ستتحول إلى تصريف الأعمال حال وصولنا إلى الفراغ الرئاسي؟
الدستور واضح بأنه عندما يخلو موقع رئيس الجمهورية تحلّ الحكومة محلّه. لكن الحكومة الحالية، عملياً، مستقيلة وهناك رئيس حكومة مكلّف. في 2014، عندما حدث فراغ رئاسي، كانت هناك حكومة قائمة حلّت محله. بالطبع ليس هذا مستحبّاً أو مرغوباً، لكنه منصوص عليه في الدستور. أما أن تأتي حكومة مستقيلة وغير مكتملة الصلاحيات فسنرفضها. الأهم في كل ذلك: لماذا هناك من يفتعل هذا المشكل الدستوري في بلد منهار؟ أليس الأسهل تشكيل حكومة؟ هل سمعنا أحداً يقول إننا في حال تشكيل حكومة والوصول إلى فراغ رئاسي لن نقبل بتسلمها صلاحيات الرئيس؟

ما هو دورك في تعطيل التشكيل؟
من يقول إنني أعطّل فليقل ماذا عطّلت، وما هي مطالبي ومع من تحدّثت بها. عندما يكون عندي مطلب لا أخجل به وأعلنه. لديّ رأيي في الحكومة، لكنني لا أتحدث عنه. مثلاً، في رأيي أنه بعد الانتخابات يجب أن تتشكل حكومة سياسية. كيف يمكن أن نعود إلى حكومة تكنوقراط، وخصوصاً إذا كنا نتحدث عن حكومة ستحلّ محل رئيس الجمهورية؟ هذا رأينا، لكن هذه ليست المشكلة. الأكيد أن أي حكومة أفضل من لا حكومة، ولو حتى كانت الحكومة الحالية نفسها بعد نيلها ثقة مجلس النواب.

ما الحلّ لتفادي هذا المشكل الدستوري؟ أليس الأجدى أن نذهب إلى البحث في انتخاب رئيس جمهورية؟
أولاً، يجب أن تتألف حكومة بغض النظر عن أي أمر آخر. ويجب أن يدرك نجيب ميقاتي أنه لن يستطيع، ولن يُسمح له، بأن يحكم البلد بحكومة غير مكتملة الصلاحيات أياً يكن من يدعمه.

نسب إليكم أنكم في وارد اتخاذ خيارات قد يكون فيها التباس كبقاء الرئيس في القصر بعد انتهاء ولايته أو تشكيل حكومة انتقالية.
عندما نقول إننا لن نقبل ولن نسمح، فهذا يعني أن هناك خيارات أخرى. برأينا، من يعمل على أن تتسلّم حكومة في وضع غير دستوري صلاحيات رئيس جمهورية هو من يعمل، عامداً، على توجيه طعنة جديدة إلى اتفاق الطائف ويخلق سوابق غير دستورية تفتح الباب على فوضى دستورية. هل هذا لمصلحة الإبقاء على الدستور؟ من يريد استقراراً دستورياً لا يقدم على هذه الألاعيب، وإلّا فليتحمل نتائجها. هناك اليوم فوضى دستورية ستنشأ عنها خيارات يتحمل مسؤوليتها كل من أوصل نجيب ميقاتي. بالطبع، رئيس الجمهورية لا يريد البقاء في القصر ولا نحن نريده أن يبقى، وليس هذا من مصلحتنا. ليس هذا ما نفكر فيه مع أن هناك من يطرحه. هذا خيار أول ولسنا معه، ورأينا أن الرئيس يجب أن يغادر القصر مع انتهاء ولايته رغم أن هناك جواً متزايداً بأن الرئيس يجب أن يبقى في حال بقاء هذه الحكومة. الخيار الثاني هو سحب التكليف من رئيس الحكومة. والخيار الثالث هو أن يتم التفكير بتأليف حكومة أخرى.

هل هذا دستوري؟
لا شيء يمنع. هل من الطبيعي أن يكون بلد غارق في هذا الكمّ من الأزمات منتظراً رئيس حكومة لا شيء يلزمه بتشكيل حكومة؟ لنفترض أن النواب الذين أيّدوه توقفوا عن ذلك. يجب أن يكون هناك أمر آخر بموازاة الصيغ. لا يكمن أن نبقى مكتوفي الأيدي في ظل هذه الفوضى العارمة.

ما موقف حزب الله من هذه الطروحات؟
على حزب الله والثنائي الشيعي تحمّل مسؤولية كبيرة. الثنائي هو وراء نجيب ميقاتي. لولا الثنائي لما كان ميقاتي موجوداً. السؤال يجب أن يوجّه الى الثنائي: هل تريدون إيصال البلد الى هنا؟ وأن يبقى ميقاتي ممتنعاً عن التشكيل ويكتفي بالاستنجاد بدار الفتوى. يتم تحميل الموضوع منحى طائفياً وهو ليس كذلك.
فرنجية قد يكون أفضل المرشحين، لكن لا أرى ما يدفعنا اليوم إلى أن نواجه التيار لإقناعه بأسباب دعم انتخابه للرئاسة

من يتكلم عن صلاحيات رئيس الحكومة؟ شكّلوا حكومة تنال الثقة ولتأخذ صلاحيات الرئيس. رئيس الحكومة يقول للجميع إنه لا يريد حكومة. حرف الموضوع عن حقيقته نحو شدّ العصب الطائفي سيزيد المشكلة تفاقماً، ونتيجته ستكون طعناً للدستور. منذ تسمية الثنائي لميقاتي أبلغناهم أنه لن يؤلف حكومة، لكنهم تمسكوا به. لذلك أدعوهم إلى تحمل المسؤولية في هذا الموضوع لأنهم اليوم يتفرجون على شخص انتخبوه يتفرج بدوره على الأزمات ولا يعمل على تشكيل حكومة. أساساً، ماذا حققت هذه الحكومة؟ وضع رئيسها خطة تعافٍ ثم تراجع عنها. الموازنة حتى الساعة، لم ترسل المالية أرقامها. قانون إعادة هيكلة المصارف لم يصدر. التشكيلات الدبلوماسية رفض إقرارها. ماذا فعل في ملفّي المرفأ والنازحين؟ ماذا فعل غير أنه مرّر الوقت من دون أي نتيجة غير حماية رياض سلامة والمنظومة؟ فليسمّوا لنا إنجازاً حقّقه.

ألست أنت صاحب نظرية القوي بطائفته؟
وهل هو القوي في طائفته؟

فلنقل إنه الوحيد.
لا يمكن قول ذلك. هناك 27 نائباً سنياً منتخبون.

لكنه الوحيد الذي يحظى بدعم دار الفتوى؟
لا يمكن كسياسي أن أسلّم بأن تختار المراجع الدينية الزعماء السياسيين، وإلا لماذا الانتخابات؟

ألم تذهب الى بكركي لتضع القرار المسيحي لدى البطريرك؟
أبداً. أنا لم أقل للبطريرك أنت من يختار ونحن نسير بمن تختاره. في موضوع الرئاسة، لدى البطريرك مواقف. وأبديت له تأييدي لبعض طروحاته ومعارضتي لأخرى. وقلت له أنا حاضر لأيّ جهد أو عمل إيجابي. لم أطرح عليه أن يدعو الى أي اجتماع، لكنني عندما سئلت إذا كنت في وارد حضور اجتماع أبديت تجاوباً. ليس لديّ أي عقدة من الاجتماع مع أي طرف.

لماذا كل النقاش في البلد هو حول الحكومة وكأن هناك تسليماً من الجميع بأننا قادمون على فراغ رئاسي حتمي وبأن المشكلة تدور حول حصة كل طرف في إدارة الفراغ؟
الفراغ مطروح ومحتمل، لكنه ليس سهلاً ولا يجب أن يحصل. ليس سهلاً لأنه نظراً إلى الوضع الحالي سيكون كارثياً. نحن أكثر طرف يمكن أن يُتوقّع منه القول إن الأولوية في موضوع رئاسة الجمهورية هو للشرعية التمثيلية، وهذا أمر ميثاقي بالنسبة إلينا وخضنا في سبيله معارك وذهبنا من أجله إلى فراغ رئاسي لمدة سنتين ونصف سنة. لكننا مستعدون لأن نتوافق على رئيس حتى لا يكون هناك فراغ. البلد لا يتحمّل فراغاً ولو تطلّب ذلك تنازلاً منّا عن حقنا، كتيار وطني حر، كوننا الكتلة الأكبر، وعن حق ميثاقي، ولأننا غير قادرين في هذا الظرف على الإتيان بالممثل الأقوى للمسيحيين، نوافق على أن نجيّر تمثيلنا لدعم مرشح نتوافق عليه. ماذا يمكن أن نفعل أكثر من ذلك؟

حزب الله لن يرضى بأي مرشح رئاسي لا يرضى عليه جبران باسيل؟
الحزب يحترم إرادة المكوّن المسيحي. وبغض النظر عن الاختلافات معه، لا يمكن إلا أن نقرّ بأنه منذ تفاهم 2006، احترم هذه المسألة في كل المفاصل. وإحدى ثمار التفاهم أنه حقق هذا الإنجاز في التوازنات الداخلية، ما حفظ الوحدة والسلم الأهلي. لذلك الحزب منسجم مع نفسه عندما يحترم رأي الكتلة المسيحية الأكبر في خيارها. ونحن، من جهتنا، لم نحرج الحزب وغيره بأننا الكتلة الأكبر. قلنا إن وضع البلد غير طبيعي فلنرَ ما هو الممكن.

هل بدأ النقاش مع الحزب في موضوع رئاسة الجمهورية، وهل تطرقتم إلى الأسماء والمواصفات؟
بدأنا النقاش في الموضوع، لكن لم تُطرح أسماء. بالنسبة إلينا، أهم المواصفات هي التمثيل. في الطبقة الأولى، هناك أشخاص لديهم صفتهم التمثيلية التي لا يمكن نزعها عنهم. في الطبقة الثانية، هناك إمكانية لتجيير التمثيل لدعم شخص ما، وبالطبع هو تجيير قابل للإلغاء وليس دائماً. الطبقة الثالثة التي نرفضها هي أن يأتي أحد ما لا يمتلك تمثيلاً بشخصه ولا يحمل تمثيلاً مجيّراً له من أصحاب التمثيل. الطبقة الأولى هي الوضع المثالي. الطبقة الثانية غير مستحبة، ولكن نقبل بها لأن الوضع حرج وخشية الفراغ. الطبقة الثالثة مرفوضة تماماً، ولن نقبل أن يُفرض علينا أحد.

لن نقبل بفرض مرشح علينا والتفكير بمرشح تحدٍّ، أي ما يفكر به سمير جعجع ويحاول التسويق له، لن يحصل أبداً

لسنا هنا نتنازل عن شرعية التمثيل، لكننا نرى المشكل في البلد. بالطبع، لا يمكن للآخرين أن يتخطّوا من ندعم، ولكننا لسنا وحدنا من يقرر. المسألة تحتاج الى تفاهمات ويجب أن نتقاطع نحن وعدة أطراف على دعم مرشح ما وتأمين الأصوات اللازمة له لأن أي طرف وحده غير قادر على إيصال رئيس للجمهورية. أما التفكير بإيصال مرشح تحدٍّ أو رغماً عن الآخرين، أي ما يفكر به سمير جعجع ويحاول التسويق له، فلن يحصل أبداً.

هل تجيّر اصواتك لسليمان فرنجية؟
لا أرى ما يدفعنا اليوم إلى أن نواجه التيار واللبنانيين وإقناعهم بأسباب دعم انتخاب الوزير فرنجية. لا علاقة للأمر بالعلاقة الشخصية التي نحرص على أن تبقى جيدة، كما نحرص على أن نتفق معه على الانتخابات الرئاسية وعلى غيرها من الأمور. وأنا لم أسئ له أبداً بالشخصي، لكن هذا لا يغيّر في أنني لا أجد مبرراً أقنع به جمهورنا بذلك. إذا وجدت أسباباً تقنعني ويمكن أن أقنع بها التيار يمكن أن أفعل. لكن أكرر أن لا مشكل شخصياً. بل على العكس، الدافع الشخصي لديّ إيجابي لتأييد سليمان فرنجية. شخصياً، قد يكون أفضل المرشحين بالنسبة إليّ، وأكرر أنه أصيل. لكن هنا لا أفكر بالشخصي، بل بالناس الذين أمثّلهم. بالنسبة إليّ شخصياً، لا مشكلة لديّ وحريصون على أفضل علاقة معه.

يمكنك التبرير كما بررت تحالفك مع الرئيس بري في الانتخابات؟
لا مجال للمقارنة. في الانتخابات اشتغلت مصلحة التيار بالحصول على أكبر كتلة نيابية، ومن أجل تأمين الحاصل في بعض الدوائر كان علينا أن نفعل ذلك.

هل انتكست العلاقة مع فرنجية بعد لقائكما في حارة حريك؟
غير صحيح. هذا الاجتماع بالنسبة إليّ كان يجب أن يحصل منذ زمن، ولم يحدث أن رفضت اللقاء وأنا حاضر دائماً لأيّ لقاء معه ومع غيره. ولكن هنا أسأل: لماذا دائماً نحن من لدينا 21 نائباً من نُسأل عن تأييدنا لآخرين ولا يُسأل الآخرون عن تأييدهم لنا؟

هل هناك تدخل فرنسي في موضوع الرئاسة؟
ما سمعته منهم أنهم لا يتدخلون إلا بمطالبتهم بإجراء الاستحقاق في موعده. لكن ما أسمعه نقلاً عنهم يتطرق إلى أسماء معينة. لكن في رأيي أننا لا يجب أن نسمح بتدخل دولي في هذا الأمر. الرئيس عون لم ينتخب باتفاق دولي، وإنما باتفاق داخلي. يجب أن نقرّر كلبنانيين بمعزل عن فرنسا وأميركا وإيران.

مع نهاية العهد، هل لا تزال مقتنعاً بنظرية الرئيس القوي؟
بالطبع. لأن ميشال عون قوي. الجميع اشتغل ضده. قيمة ميشال عون في التسعينيات أنه كشف اللعبة الدولية، وقيمته الآن أنه كشف اللعبة الداخلية وفضح داعمي المنظومة المالية ورياض سلامة. ما جرى خلال هذا العهد يؤكد ضرورة وجود رئيس قوي يكمل عمل ميشال عون من التدقيق الجنائي إلى التصحيح المالي وتغيير النظام الاقتصادي والسياسي من دون أن يكون مقيداً بخطوط حمر.

كيف يكون قوياً ولم يتمكن من إقالة رياض سلامة؟
لإقالة سلامة يلزمنا أكثرية الثلثين في الحكومة ورئيس حكومة يطرح إقالته ووزير مالية يطرح الأمر. الثلاثة لم يتوفروا لنا. عندما تجاوب الرئيس حسان دياب مع طرح رئيس الجمهورية لإقالة سلامة، رفض الرئيس نبيه بري، والكلّ يعلم أن وزير المال من حصته. الرئيس دياب، رغم خلافاتنا معه على بعض الأمور، ميّزته أنه لم يكن مقيداً بمنظومة وبخطوط حمر. وأسال هنا: هل هناك فريق سياسي غيرنا يهاجم رياض سلامة ويقاتل لإقالته، ثم يقال لنا إننا مدّدنا له. ببساطة حاولنا ولم نقدر. نحن كتيار وكل من يؤمن بمحاسبة رياض سلامة مدعوون اليوم الملاحقة القضاة الذين لا يتجاوبون في ملف رياض سلامة. هل يعقل أنه لا يوجد قاض يقبل برفع دعوى ضده؟

لماذا عملت مع الرئيس بري على تطيير حكومة دياب إذاً؟
غير صحيح. الشهود موجودون. زرنا الرئيس بري مع حزب الله لإقناعه بأن لا بديل من دياب فضرب على صدره وقال: الحريري عندي. قلت له إنه لن يتمكن من التأليف، فقال إنه سيؤلف خلال أسبوع. طار دياب وقعدنا بلا حكومة شهوراً.

سرّبت الصحافة الإسرائيلية عن اتفاق مع لبنان على الترسيم وعن تأجيل استخراج النفط من كاريش.
لم يتبلّغ لبنان أيّ جواب رسمي بعد. لكن المؤكد أن الاتفاق المبدئي الذي توصّل إليه (رفض الكشف عنه) المسؤولون مع عاموس هوكشتين يشرّف لبنان ولا ينبغي الخجل مما أنجز. وقد يكون هذا سبب رغبة الإسرائيلي في التأجيل إلى بعد الانتخابات الإسرائيلية، رغم أن الإسرائيلي يمكنه أن يبيع الاتفاق لجمهوره لأنه هو المعتدي علينا وتنازله ليس عن حق مكتسب له. في رأيي هناك فرصة للاتفاق الآن، وقبل الانتخابات، لأن هذه الفرصة قد لا تتكرر. وإذا لم يتم الاتفاق الآن فسيتم لاحقاً لأن لبنان، وهذا الأهم، أرسى معادلة جديدة في البحر بفضل قوته. وأي كلام مع الإسرائيلي سينطلق من هذه المعادلة. لذلك، في رأيي، إن من مصلحة الإسرائيلي التوصل الى اتفاق الآن لأن الأمور تسير على غير ما اعتاده. الإسرائيليون معتادون على أن تأخير أي اتفاق يسمح له بتحصيل المزيد. مع لبنان، يجب أن يدرك أن كل تأخير سيخسره أكثر لأن معادلة القوة ليست لمصلحته. وما يجعلنا قريبين من الاتفاق هو معادلة القوة التي يمتلكها لبنان. وأحد إنجازات العهد، إضافة إلى إقرار قوانين النفط ومراسيمه والمناقصة، هو تكريس معادلة قوة في البحر اللبناني مفادها: الاستخراج مقابل الاستخراج. والأهم، إذا لم ينهوا الاتفاق قبل الانتخابات لا يمكنهم الاستخراج. الاتفاق أفضل لهم الآن، لأنهم كلما تأخروا نكون بدأنا بكاريش ونتطور الى ما بعد كاريش وما بعد بعد كاريش. أنا أنصحهم رغم أنّي سأتّهم بأنني أريد سلاماً مع إسرائيل. انتهت المرحلة التي كان فيها لبنان متفرجاً على كل الدول تستخرج نفطاً وتزدهر، فيما هو ممنوع من ذلك بقرار دولي، وهذا هو الإنجاز الأهم.

أنت مع خيار المواجهة وتفعيل القوة في حال عدم تجاوب الإسرائيلي؟
لا نملك خياراً آخر. معادلة القوة هذه يجب تكريسها.

ثمة من يقول إن انعكاس الحرب على البلد سيكون كارثياً؟
لن يخرجنا من الكارثة التي نحن فيها إلا موقف القوة. مواقف الضعف جرّبناها. لنضع جانباً سياسات البلد الخاطئة والفساد ومسؤوليتنا الداخلية، ولكن حتى من شكّك في الحصار صمت عندما تحدث ديفيد شينكر وديفيد هيل عن أننا عرضة لحصار خارجي وخنق اقتصادي. ماذا سننتظر أكثر. نحن قادرون على خلق معادلة وهذه المعادلة تكرست، ومجرد امتناع إسرائيل عن الاستخراج هو اعتراف بهذه المعادلة. أما إذا استخرجت فنحن ذاهبون إلى مشكلة كبيرة. لذلك، الاتفاق هو أفضل للجميع لأنه عادل ويعطي كل طرف حقه، ويتحمل كل طرف مسؤولية أخطائه في السابق.

ماذا عن العقوبات المفروضة عليك أميركياً؟
منذ البداية، استقصينا تكاليف توكيل مكتب محاماة. اكتشفنا أن الأمر يكلف بين مليون ونصف مليون ومليونَي دولار سنوياً لمدة غير معروفة ومن دون ضمانات. قدمنا ما يسمى «مراجعة إدارية» (discovery)، استندت إلى قانون «أوفاك» وقانون حرية الوصول إلى المعلومات في الولايات المتحدة. وكتبت لهم أنكم تجنّيتم عليّ في موضوع الفساد، فهل يمكن أن تبرزوا أيّ مستندات تثبت تورّطي في الفساد، وإلا ارفعوا اسمي من العقوبات وأبديت استعدادي لإبراز كل ما يطلبونه إثباتاً لما أقوله. وشرحت لهم بأن الأمر لا يتعلق بالفساد، وإنما إذا كان هناك سبب سياسي يتعلق بالعلاقة مع حزب الله، الذي بررت رفضي لقطع العلاقة معه، فإنكم أدرجتم الأمر في سياق الفساد. لم يجيبوني بعد. لن أترك هذا الموضوع أبداً وأتحدى كل أجهزة مخابرات العالم أن تثبت أي شبهة عليّ.

هل هذا ما يخفّف من حماستك للترشح للرئاسة؟
أبداً. أتحدّى الإدارة الأميركية بإثبات اتهاماتها. نظّموا هذه العقوبات لكسري سياسياً، وأنا أطالبهم بإظهار صدقيّتهم، علماً بأن لديّ ما يثبت أنهم وضعوني على لائحة العقوبات لأسباب لا تتعلق بالفساد. هذه معركة سأخوضها حتى النهاية، ولن أسكت عنها.

هل هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد بناءً على المسار الذي تسلكه الحكومة حالياً؟
أولا، لست مفتوناً بصندوق النقد. لكن لأننا محاصرون دولياً، يمكن للاتفاق مع الصندوق أن يكون وسيلة دولية لفك الحصار عنا. من جهة أخرى، أنا أؤمن بأن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لا يريد أي اتفاق مع صندوق النقد، كما أن سياسة سلامة المالية هي الدافع الأساسي وراء عدم رغبة المنظومة السياسية، أي الأكثرية النيابية وفي مجلس الوزراء، في إنجاز خطة التعافي المالي. وظيفة هؤلاء تكمن في إضاعة الوقت لأن سلامة يرى أن الوقت لمصلحته وكل يوم يمرّ يقابله المزيد من إطفاء الخسائر المترتّبة عليه من جيوب المودعين. بنظر الحاكم هذا هو الحل الأفضل، وبعدها السوق ينظّم نفسه بنفسه. وتحت العنوان إياه، يسير المجلس النيابي والحكومة. أكبر برهان على ذلك هو أنه مرّت ثلاثة أشهر ونصف شهر على انتخاب مجلس نيابي جديد معوّل عليه لإنقاذ البلد، فيما الاتفاق المنجز مع الصندوق من قبل رئيسَي الحكومة ومجلس النواب هو إنجاز خطة التعافي وإقرار 4 قوانين إصلاحية مطلوبة بنهاية تموز. أين هي القوانين، ولماذا ليس هناك عمل مكثّف في مجلس النواب لإقرارها؟

هل أنت راضٍ عن الصيغة التي صدر وفقها قانون السرية المصرفية؟
أعتبر أننا «انبلفنا» في الجلسة. لذلك في الجزء الثاني منها قدمنا كتيار قانوناً معجلاً مكرراً لدمج القانون الذي ردّه رئيس الجمهورية مع مشروع الحكومة المعدّل. صندوق النقد لا يوافق على الصيغة التي أقرت، بل لديه ملاحظات عليها. نحن طالبنا بإضافة المفعول الرجعي كما ورد في القانون الذي ردّه الرئيس، أي منذ تشرين 1989 ولخمس سنوات لاحقة إذا تعلّق الأمر بموظف رسمي أو المكلف بخدمة عامة، ويشمل أيضاً رؤساء الأحزاب والجمعيات ووسائل الإعلام.

ماذا عن الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة المصارف؟
المشكلة أن لا إرادة سياسية لإقرار الكابيتال كونترول ولا هيكلة المصارف. بالنسبة إليّ، الأساس هو إعادة هيكلة المصارف، وأسأل ميقاتي: أين أصبح مشروع القانون؟ فخطة التعافي تحدّد الإطار العام للتوجه المالي والاقتصادي، ولكن يفترض أن تقرّ ضمنها مجموعة قوانين، أهمها قانون إعادة الهيكلة ثم الكابيتال كونترول واستعادة الأموال المنهوبة.