«عالعتمة»، ناقشت فرعية لجنة التربية النيابية حقوق الجامعة اللبنانية في أموال فحوص الـPCR. وبعدما كانت الجلسة مقرّرة في الطبقة الرابعة حيث قاعة الحوار، نُقل اللقاء إلى «الصالون» في الطبقة الأولى بسبب انقطاع الكهرباء ونفاد مادة المازوت.
حوار محتدم
الحوار لم يكن هادئاً وسلساً في حضرة رئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط «الميدل إيست» محمد الحوت ومستشاره القانوني، لا سيما في ظل تشبّث الحوت بمعطى مفاده أن المبالغ المالية المتجمّعة لدى الشركات بعد الأول من تموز 2021 هي أموال مختلطة بين دولار أميركي (قسم يسير)، وليرة لبنانية (القسم الأكبر)، في حين أن القرار الصادر عن شركة طيران الشرق الأوسط باستيفاء قيمة تذاكر السفر بالدولار الأميركي الفريش وُضع موضع التنفيذ ولا يزال، ابتداء من الأول من تموز 2021.
مع ذلك، ثمة محاولة لإدخال الرأي العام في «دوّيخة»، إذ رغم وضوح قرار ديوان المحاسبة بالدفع للجامعة اللبنانية بالدولار الطازج، أشار رئيسه، القاضي فوزي خميس، في اتصال مع «الأخبار» إلى أن قراره واضح لجهة الطلب من الشركات الخاصة دفع أموال الجامعة كما قبضتها الشركات، أي بالدولار إذا تقاضتها بالدولار، أو باللولار كذلك، أو بالليرة اللبنانية. وفي الجلسة، بدا الحوت مقتنعاً بأن ديوان المحاسبة اعتبر أن الاتفاقيات المعقودة بين وزارة الصحة العامة والمديرية العامة للطيران المدني والجامعة اللبنانية هي اتفاقيات باطلة، متمسّكاً بتعهد كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيسي الحكومة نجيب ميقاتي وحسان دياب له بتأمين الدعم المتواصل للشركة، عبر وزارة الأشغال، لكونها مؤسسة وطنية تسهم في استمرار المرفق العام، أي مطار بيروت الدولي.
خميس لفت إلى أنه أبطل فقط الاتفاقية الثانية الموقعة في 18 كانون الثاني 2022 التي أدخلت جمعية «عمّال»، وهي مؤسسة خيرية في زغرتا، على خط الاتفاقية «الثلاثية» الأولى بين وزارة الصحة والمديرية العامة للطيران المدني والجامعة اللبنانية، لتصبح «رباعية»، وذلك لعدم وجود سند قانوني يخوّل وزارة الصحة التعامل وفقاً للآلية المستحدثة في إجراء فحوص الـPCR مع جمعية «عمّال»، باعتبار أن المهام المكلفة بها، عدا عن كونها تخرج عن نطاق مهام الجمعية وغاياتها المحدّدة في نظامها الأساسي الذي أعطيت العلم والخبر على أساسه، يدرّ المشروع على الجمعية مبالغ مالية (7.5 مليون دولار) بما يتعارض مع مجانيتها وبأنها لا تبغي الربح. علماً أن قرار ديوان المحاسبة لم يأت على ذكر إبطال الاتفاقية الأولى التي بقيت دائمة ومنتجة لمفاعيلها، بدليل أن «الديوان» قرّر إلزام دفع حقوق الجامعة، استناداَ إلى نص المادة السابعة من هذه الاتفاقية.

الهروب بحجة الشعبوية
الحوت خرج من الجلسة من دون الإدلاء بأي تصريح «ما في أحاديث، رئيس اللجنة بيحكي (يقصد رئيس لجنة التربية النيابية حسن مراد)، اسألوه». وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية رفض هو الآخر التعليق على أجواء الجلسة، مكتفياً بالقول: «مش رح أعمل تصريح مباشر، شو بدي بهالشغلة، عم يكايدوا بعضهم ويحكوا بشعبوية».
وحده مراد أشار، في حديث مقتضب، إلى أنه جرى توضيح بعض الأمور الملتبسة في الملف، وقرّرنا تخفيف الكلام للإعلام، على أن المتابعة ستسير وفق خطين متوازيين: الأول فتح باب الحوار بين الأطراف المعنية، لا سيما وزير الأشغال ووزير الصحة ورئيس الجامعة اللبنانية، والثاني اللجوء إلى القضاء لتحصيل الحقوق، شرط عدم ضرب أي من المؤسستين الوطنيتين: الميدل إيست والجامعة اللبنانية، فهذه عين وهذه عين أخرى. وكان النائب بلال عبدالله طالب في الجلسة باجتراح حل يأخذ في الاعتبار أننا «أمام مؤسستين وطنيتين»، مستخدماً التعبير نفسه.
لكن مصادر مطلعة على أجواء الجلسة تحدثت عن تناغم بين شركة «الميدل إيست» ووزارة الأشغال، وأن الإضاءة على كلّ ثغرة قانونية تقع فيها الوزارة أو الشركة كان يجري توصيفها بالـ«الشعبوية».
ورداً على سؤال عضو لجنة التربية النيابية النائب أشرف بيضون عما إذا كان الرقم المتداول بشأن مستحقات الجامعة، أي 52 مليون دولار هو رقم موجود وصحيح أم وهمي، أجاب الحوت بأن الرقم موجود وعلمي وليس اختراعاً، والخلاف هو على كيفية وجوده وتفقيطه، إذ اعتبر أن جزءاً يسيراً منه موجود بالدولار والجزء الأكبر بالعملة الوطنية.

ديون الدولة!
المفارقة أن يعدد الحوت في أثناء الجلسة قيمة الأموال المستحقة لشركة «الميدل إيست» في عهدة الدولة اللبنانية والتي تقدّر قيمتها بـ230 مليون دولار، فقال: «من يريد أن يتهم شركة طيران الشرق الأوسط بالإثراء غير المشروع عليه أن يدفع ديونه المستحقة لها»، وكأن المطلوب أن تحصل مقاصة بين الديون العائدة للدولة وحقوق الجامعة، علماً أنه، قانوناً، الذمة المالية للجامعة اللبنانية مستقلة عن الذمة المالية العائدة للدولة اللبنانية، بالتالي فإن خلط السماوات بالأبوات يدل على الارتكاب الحاصل بحق الجامعة، وهناك خطر حقيقي من إخضاع الجامعة نتيجة المنافع التي تقدّمها شركة «الميدل إيست» التجارية، ومصطلح «الشركة التجارية» كرّره الحوت أكثر من مرة في الجلسة، ليتبيّن أن البنود الخارقة في العقد الإداري مع الشركات هي لمصلحة الحوت وليس لمصلحة الإدارة العامة المتمثلة بوزارة الأشغال.

وزارة الأشغال تنتظر القضاء
من جهته، اعتبر حمية خلال الجلسة أنه لا يستطيع تسطير أوامر تحصيل أو اتخاذ أي إجراء بحق الشركات الخاصة لأنه يهدّد استمرارية المرفق العام، كما أنه لا يستطيع أن يركن إلى رأي هيئة التشريع والاستشارات نظراً لوجود نزاع قضائي، وجلّ ما يمكن أن يفعله تجاه شركتي الـMEAG، وLAT الموكلتين بتقاضي أموال الـPCR بعد فرض 50 دولاراً أميركياً إضافياً على سعر «التيكيت» هو انتظار القضاء.
أقرّ الحوت بأن الأموال موجودة لكنها مختلطة بين دولار وبين ليرة


وهنا بدا أن المطالبة بتطبيق قانون المحاسبة العمومية بالنسبة إلى وزير الأشغال هو ضرب من «الشعبوية»، وهي مفردة كرّرها حمية أكثر من مرة في اللقاء، علماً بأن الوزارة تستطيع أن تستخدم صلاحياتها الإدارية بمعزل عما يفعله القضاء. ويتبين من الاجتماع أن هناك حقوقاً واضحة للجامعة اللبنانية، وإذا لم تدفعها الـMEAG، ستدفعها الدولة نتيجة أخطاء وزارة الأشغال وتجاهلها حقوق الجامعة.
وفيما ينتظر أن يعقد لقاء قريب في وزارة الأشغال بين الأطراف المعنية، أجمع المشاركون في جلسة أمس على أن كرة حماية حقوق الجامعة هي في ملعب النائب العام المالي علي إبراهيم الذي لا يجوز أن يعيّن خبيراً للتدقيق بالملف بمهلة مفتوحة.
حضر الجلسة: وزيرا الأشغال والصحة علي حمية وفراس الأبيض ورئيس لجنة التربية النيابية حسن مراد ومستشاره القانوني، والنواب إدغار طرابلسي، بلال عبدالله، إيهاب حمادة، حليمة القعقور، أشرف بيضون، سليم الصايغ، رئيس الجامعة اللبنانية بسام بدران والمستشار القانوني للجنة التربية المحامي جاد طعمة.