جاء اغتيال أيمن الظواهري، وكأنّه من خارج جدول أعمال الإدارة الأميركية المتهالِكة، التي تسعى إلى اقتناص أيّ فرصةٍ تعزِّز من شعبية رئيسها، جو بايدن، المقبل على انتخابات نصفية لن تكون، والحال هذه، مضمونة لحزبه الديموقراطي المستحكِم - بأقليّة ضئيلة - بمجلسَي الكونغرس. واختطفت زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان، بريق الحدث، في ما قد يمثّل أسوأ توقيت لـ«الإعلان الكبير»، إلى درجة أن أحداً قد لا يتذكّر غداً اختفاء شخصيّة لم تَعُد منذ زمن محوريّة أو ذات وزنٍ على مسرح الأحداث العالمي، تماماً كما هي حال تنظيم «القاعدة» الذي خفت نجمه، حتى انطفأ.يدرك بايدن تلك الوقائع؛ ويدرك أيضاً أن هذه ليست عام 2011، وأن أيمن الظواهري ليس بأيّ حال من الأحوال أسامة بن لادن الذي اغتيل على يد قوّة أميركية خاصّة في ذلك العام، في أبوت أباد الباكستانية. مع هذا، لا تنفكّ الإدارات الأميركية المتعاقبة تستثمر في هجمات الحادي عشر من أيلول، والمتّهم في تدبيرها وتنفيذها تنظيم «القاعدة»، لأغراض صرْف انتخابية. وتَمظهر ما تقدَّم، في إعلان الرئيس الأميركي أن «العدالة تحقَّقت» لعائلات ضحايا اعتداءات 11 أيلول، باغتيال الظواهري بطائرة مسيّرة، وأنه أصبح بإمكان هؤلاء «طيّ الصفحة». هكذا، «ثأر» بايدن بعد عقدين ونيّف للعائلات التي تلاحق المحاكم الأميركية لمقاضاة السعودية، وتغريمها، وتحميلها مسؤوليةً ما، نظراً إلى أن أغلب الضالعين في الاختطاف والتنفيذ سعوديو الجنسية.
وإنْ كان مقتل زعيم «القاعدة» يمثّل، وفق أغلب وسائل الإعلام الغربية، «ضربةً كبرى» للتنظيم، فإنه يثير، بحسبها أيضاً، الشكوك في شأن مدى التزام حركة «طالبان» بتعهّدها أمام الأميركيين عدم إيواء مجموعات مسلّحة، كون الاستهداف وقع في أحد أرقى أحياء العاصمة الأفغانية كابول، شربور، حيث عاش الظواهري أيّامه الأخيرة جنباً إلى جنب قيادات الصف الأوّل للحركة، التي وعدت، وفق مصادرها، بتوفير «أعلى مستويات التأمين» له. كما «يصادف» الاغتيال ذكرى مرور سنةٍ على انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، واستعادة «طالبان» السلطة، في ظلّ غياب أيّ أفق لمستقبل هذا الحُكم الذي لا يزال ينتظر اعترافاً دولياً يخفّف من أزمات البلاد الكثيرة، فيما تُعدّ العملية أوّل ضربة يتمّ الإعلان عنها تشنّها أميركا على هدف في أفغانستان، منذ انسحاب قواتها في الـ31 من آب 2021. وفيما لم يأتِ بايدن على ذكر «طالبان» في خطابه المتلفز، اعتبر وزير خارجيته، أنتوني بلينكن، أن الحركة «انتهكت بشكل صارخ اتفاق الدوحة» الذي مهّد الطريق للانسحاب الأميركي عبر «استضافتها وإيوائها» للظواهري. وبحسب مسؤول رفيع المستوى في الإدارة، كان الرجل على شرفة منزله في كابول عندما استُهدف بصاروخين من طراز «هلفاير»، بعد شروق شمس اليوم الـ31 من تموز الماضي، في عملية وصفها بأنها كانت نتاج عملٍ «دقيق ودؤوب» لمجتمع مكافحة الإرهاب والاستخبارات.
وعلى رغم أن الظواهري البالغ 71 عاماً، افتقر إلى الجاذبية التي ساعدت بن لادن في حشد «الجهاديين» من جميع أنحاء العالم، لكنه جيّر مهاراته التحليلية لخدمة «القضيّة». وفي ظلّ تراجع دور «القاعدة» منذ السنوات التي تلت الغزو الأميركي لأفغانستان، اعتبر المسؤول الأميركي المذكور أن الظواهري كان «من الشخصيات الأخيرة المتبقّية التي تتّسم بهذا النوع من الأهمية». ووفق الباحث في مركز «صوفان»، كولين كلارك، فإن التنظيم بات «عند مفترق طرق»، إذ «على الرغم من زعامة الظواهري، التي قلّلت من خسائر القاعدة خلال مرحلة إعادة البناء، لا تزال الجماعة تواجه تحدّيات خطيرة، وأحد هذه التحديات هو مَن سيقودها بعد رحيل الظواهري»، خصوصاً بعدما فقدت دورها المحوري على مسرح الجهاد العالمي مع بروز تنظيم «داعش»، وقبله اغتيال مؤسّسها، أسامة بن لادن. وفيما لم يتضح على وجه الدقّة، كيفية وصول الاستخبارات الأميركية لمعرفة مكان اختباء الظواهري، يبقى مستبعداً، في هذه المرحلة، تواطؤ «طالبان» في أيّ صفقة من هذا النوع.