الحسكة | في ما ينبئ بحصول تركيا على ضوء أخضر غربي لشنّ عملية جديدة شمال سوريا مقابل موافقتها على ضمّ السويد وفنلندا إلى «الناتو»، كثّفت أنقرة عملية التحشيد العسكري في اتّجاه خطوط التماس مع «قسد»، توازياً مع اتّخاذها خطوات ميدانية إضافية على طريق بدء هجومها بعد عيد الأضحى في حال لم يطرأ جديد. في المقابل، تسرّع «قسد» اتصالاتها مع القيادة السورية، فاتحةً الباب أمام دخول تعزيزات جديدة من الجيش السوري إلى مناطق الشريط الحدودي، لكنها إلى الآن لم تحسم موقفها بخصوص تسليم تلك المناطق بالكامل للجيش، والذي سيكون وحده كفيلاً بدرْء الهجوم التركي، وفق الرؤية السورية - الإيرانية - الروسية
تحوّلات جذرية بدأت تشهدها خطوط التماس بين فصائل «الجيش الوطني» المدعوم تركياً، ومناطق سيطرة «قسد» على امتداد الشريط الحدودي، وذلك بعد الموافقة التركية على انضمام كلّ من السويد وفنلندا إلى «الناتو»، ما قد يشي بوجود ضوء أخضر أميركي - غربي لتركيا، لإطلاق يدها عسكرياً في الشمال السوري. وممّا أوحى بهذا الاحتمال أيضاً، تصعيد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، من لهجته، من خلال التأكيد أنه «لا يحقّ للولايات المتحدة وروسيا الاعتراض على عملية تركية جديدة شمال سوريا»، وأنه «على هذه الدول الالتزام بتعهّداتها بشأن إخراج الإرهابيين من سوريا»، في إشارة إلى اتفاق العام 2019 بين روسيا وتركيا لإبعاد «قسد» لمسافة 30 كيلومتراً عن الحدود التركية. وإذ يرجَّح أن تستند تركيا، في إطلاق عمليتها الجديدة، إلى ذريعة عدم نجاح موسكو وواشنطن في تطبيق التزاماتهما، فهي بدأت بالفعل ترجمة تهديداتها الإعلامية على أرض الواقع، من خلال تحريك وحدات عسكرية باتجاه الشمال، مع استنفار تامّ للفصائل الموالية لها، في مختلف المناطق التي تسيطر عليها هناك.
ومنذ مطلع الأسبوع الجاري، أرسل الجيش التركي والجماعات التابعة له تعزيزات عسكرية ضخمة، باتّجاه خطوط التماس مع «قسد» في كلّ من منبج وتل رفعت وعين عيسى. كما أرسل الأتراك ثلاثة أرتال عسكرية إلى مناطق في الريف الشمالي لحلب، عبر معبرَي باب السلامة والراعي، وأجروا مناورات بالذخيرة الحيّة في بلدة أعزاز القريبة من منبج وتل رفعت، لتأكيد جدّية نواياهم، والتي يُتوقّع إنفاذها بعد عيد الأضحى. كذلك، اتّخذت أنقرة، جملة من الإجراءات الميدانية، من خلال تشكيل غرفة عمليات عسكرية، وتجهيز رايات وأعلام جديدة باسم «مجلس تل رفعت العسكري»، لتوكَل إليه مهمّة قيادة العملية المرتقبة الهادفة إلى السيطرة على البلدة. وفي هذا السياق، نقلت وسائل إعلام معارضة عن مصادر عسكرية، أن «كافة فصائل الجيش الوطني رفعت الجاهزية القتالية على جميع محاور القتال في مناطق درع الفرات ونبع السلام، وذلك استعداداً للعملية العسكرية التركية المرتقبة ضدّ مناطق سيطرة قسد». وأضافت المصادر أن «الفصائل أتمّت تدريباتها وباتت على أكمل الجاهزية، وفي انتظار إشارة لبدء العملية العسكرية ضدّ قسد في مدينتَي تل رفعت ومنبج».
منذ مطلع الأسبوع الجاري، أرسل الجيش التركي والجماعات التابعة له تعزيزات عسكرية ضخمة، باتّجاه خطوط التماس مع «قسد»


في المقابل، يبدو أن «قسد» باتت مدرِكة أن التهديدات التركية قد تصبح واقعاً في أيّ لحظة، في ظلّ رصدها التحرّكات غير الاعتيادية داخل القواعد التركية في مدن وبلدات ريف حلب الشمالي، والاستنفار العسكري لفصائل «الجيش الوطني»، ما دفعها إلى تفعيل التنسيق مع الجيش السوري، بوساطة روسية، والإعلان عن التوصّل إلى اتفاق عسكري جديد، لنشر أعداد إضافية من الجنود السوريين على الشريط الحدودي. وأكد مدير المركز الإعلامي لـ«قسد»، فرهاد الشامي، «حصول تفاهم جديد بين قوات سورية الديموقراطية والحكومة السورية»، مشيراً إلى «احتمال أن تكون السيطرة على مدينة الباب ضمن الخطط الهجومية لقوات الحكومة السورية». وأوضح الشامي، في تصريحات إعلامية، أن «ما حصل بين قسد ودمشق لم يكن اتفاقاً حديثاً، بل تفاهم عسكري لصدّ أيّ غزو تركي محتمل»، مضيفاً أن «550 جندياً من قوات النظام وصلوا إلى مناطق قسد وتمركزوا في بلدة عين عيسى، إضافة إلى مدن الباب ومنبج وعين العرب». وتعليقاً على ذلك، أوضح مصدر ميداني مطّلع، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «لا توجد أيّ آلية جديدة للتنسيق بين الجيش السوري وقسد على امتداد الشريط الحدودي»، مبيّناً أن «ما حصل في اليومَين الماضيَين هو تعزيز الوحدات المنتشرة على امتداد المدن والبلدات الواقعة على الطريق الدولي M4 بين حلب والرقة»، مضيفاً أن «التعزيزات ضمّت أسلحة ثقيلة ودبابات وراجمات صواريخ، لتعزيز القدرات العسكرية لهذه الوحدات». وشدّد المصدر على أن «السبيل الوحيد لتجنيب المنطقة أيّ خطر، هو انتشار الجيش بشكل كامل في مدن وبلدات الشريط الحدودي، وانسحاب قسد وفصائلها ومجالسها من المنطقة»، مؤكداً أن «كلّ الجهود السورية الروسية وحتى الإيرانية تنصبّ في اتّجاه تسليم المنطقة عسكرياً للجيش، لنزع أيّ ذرائع للاحتلال التركي بمهاجمتها»، مستدركاً بأن «قسد لم تحسم موقفها الميداني حتى اللحظة».
في هذا الوقت، واصلت روسيا استغلال التهديدات التركية لإرسال مزيد من التعزيزات العسكرية إلى قاعدتها في مدينة القامشلي، والتي تَبعد أقلّ من 5 كلم عن الحدود التركية، في إطار مساعيها لتقوية حضورها العسكري في منطقة شرق الفرات، والتي تَعتبرها واشنطن ساحة نفوذ أميركية. ووصل بالفعل إلى مطار القامشلي نحو 300 جندي روسي، لينضمّوا إلى أكثر من ألف جندي تمركزوا بشكل تدريجي في محافظة الحسكة، منذ إطلاق تركيا عملية «نبع السلام» في العام 2019. ووصف مصدر مقرّب من الروس، في حديث إلى «الأخبار»، التعزيزات العسكرية الروسية بأنها «طبيعية في ظلّ تزايد احتمالات التصعيد الميداني في الشمال السوري»، كاشفاً أن «الجانب الروسي أبلغ قسد بضرورة الانسحاب من الشريط الحدودي، وتسليمه للجيش السوري، خلال لقاء قائد القوات الروسية بالقائد العام لقسد مظلوم عبدي، منذ نحو شهر»، مضيفاً أن «روسيا أبلغت قيادة قسد أنها لن تستطيع الدفاع عن أيّ منطقة لا تكون خاضعة عسكرياً بشكل كامل لسلطة الجيش السوري». وعليه، فإن موقف «قسد» من تسليم الجيش السوري للمناطق المهدَّدة بالعملية التركية، وعدم الاكتفاء بنشر رمزي لوحدات عسكرية، هو ما سيحسم الموقف على الأرض، على الأرجح في اتّجاه تجنيب المنطقة أيّ تصعيد جديد، وفق الرؤية التي طرحها أيضاً الجانب الإيراني.