بغداد | «إلى أين يتّجه العراق؟»؛ بدا هذا السؤال مدوياً وسط تكثيف «التيّار الصدري» إطلاق المواقف، موقفاً تلوَ آخر ممّا يجري في البلاد، على رغم انسحابه من العملية السياسية، بما أوحى أن التيار يستعدّ إلى إطلاق تحرُّك في الشارع، احتجاجاً على الأوضاع المتردّية. إلّا أن مصادر عراقية أكدت، لـ«الأخبار»، أن الصدر غير مستعجل لحشد أنصاره في الشارع، ولا سيما أن ظروف التحرّك لن تنضج قبل أن تنتهي المفاوضات الجارية لتشكيل الحكومة، وهي - برأيه - ستفشل حتماً نتيجة الخلافات العميقة بين أطرافها، وتحديداً داخل «الإطار التنسيقي» الذي لم يستطع الاتفاق على شيء حتى الآن، على رغم توسيع كتلته البرلمانية لتصبح هي الكتلة الأكبر في مجلس النواب. لكنّ خيار الشارع يبقى وارداً في حالة واحدة، وهي أن تتمكّن القوى المشاركة في المفاوضات الحكومية من التوصّل إلى تشكيل حكومة على نمط الحكومات السابقة التي يعتبر مقتدى الصدر أنها أوصلت البلاد إلى هذه الحال. فإذا انتهت تلك المفاوضات إلى الفشل، ستنتهي الأمور إلى انتخابات جديدة خلال أشهر، يعتقد الرجل أنها ستعطيه غالبية أكثر وضوحاً، يمكنه من خلالها فرْض تشكيل حكومة غالبية يحكم عبرها البلاد. وهو يستند إلى أن العراق يحتاج إلى حكم قوي يخرجه من الأزمة التي يتخبّط فيها، وأن مواصفات مثل هذا الحكم تتوفّر فيه حصراً، لأسباب موضوعية، أهمّها شعبيّته الجارفة.وبحسب المصادر، فإن الصدر لا يتأثّر بالغرب، ولا يمكن أن تدفعه أيّ جهة خارجية إلى أخذ العراق نحو الفوضى، فهذا معاكس لمشروعه الذي يَعدّ له منذ سنوات طويلة، وهو حكم العراق. وهو حذّر من الانجرار إلى صراع شيعي - شيعي، وأبلغ المعنيّين بأنه لن يوافق على أن يدفعه أحد إلى خيار كهذا تحت أيّ ظرف، إلّا أن له علاقات مع الجميع ولن يقبل بأن يملي عليه أحد ما يفعل، بمن في ذلك إيران، التي لن يتّخذ خيارات تضرّ بمصالحها في العراق، لكنه يريدها أن تتعامل معه بصفته المرجعية والسلطة وصاحب الشعبية الأكبر في البلاد. وتشير المصادر إلى أن الاتصالات قائمة بين الصدر والأطراف الإقليميين المعنيين بالوضع الشيعي في العراق، ولكنّ الوساطات متوقّفة نتيجة عدم توفر ظروفها المناسبة، ولأن أحداً من الأطراف الإقليميين لا يريد التدخّل في الشأن الحكومي العراقي، طالما أن الصراع في شأنه يجري تحت سقف عدم إسالة دماء في الشارع، ولأن التجارب السابقة في التدخل أساءت إلى تلك الأطراف نتيجة عدم القدرة على التوفيق بين مطالب القوى السياسية المختلفة.
اتصالات الأطراف الإقليمية المعنية بالوضع الشيعي في العراق مع الصدر قائمة ولكن لا وساطات


وتقول مصادر أخرى قريبة من التيار، «الأخبار»، بأنّ «المشاورات التي تدور حول الحكومة ونفاياتها، لن تختلف عن سابقاتها بالفساد والتقصير والمحاصصة، هذا إذا تشكّلت أصلاً»، مستبعدةً أن «تتشكّل الحكومة في المدى القريب. وستكون مهزوزة في حال تشكّلت... لن تستمرّ طويلاً». وترى المصادر أن العراق «لن يستقرّ بهذا النوع من الحكومات التي لا يهمّها الشعب بقدْر الحفاظ على مناصبها والمكتسبات الشخصية، وما دام المواطن ليس من أولويّاتها فلن يستقرّ البلد». أمّا عن التحرّكات المقبلة للتيار، فتقول إن «خطواته ستحصل في وقتها ولا يمكن قراءتها، لكن تبقى كل الخيارات مفتوحة والحركة القادمة بمفهومها العام ستُحدث تغييراً جذرياً في العراق». وتؤكد أن استقالات الصدريين، واستعجال «الإطار التنسيقي»، في المقابل، في تصعيد بدلائه لملء أماكنهم، أنهيا أيّ تواصل بين التيار والإطار، مضيفةً أن هذين الطرفين في العراق لن يجتمعا سياسيّاً مرّة أخرى، ومشيرةً إلى أن «قوّة التيار الصدري الحقيقية هي في قاعدته المتماسكة وقيادته القديرة، فالسياسة كانت مجرد ورقة بسيطة من أوراق هذا التيار الثوري. ولذلك، فإن تحرّكه خارج السياسة أخطر على منافسيه».
وفي سياق شرْح قرار الصدر استقالة نواب التيار من البرلمان، والخروج من العملية السياسية، أطلّ «وزير القائد» في التيار، صالح محمد العراقي، ثلاث مرّات خلال ثلاثة أيام متتالية ليؤكد أن الانسحاب من العملية السياسية سيكشف حقيقة مدّعي الدفاع عن المذهب «فيا ترى ما هم فاعلون في تغييب طبقة شعبية هي الأغلب والأشجع في مقاومة الاحتلال وحرب الإرهاب والأقرب الى قلوب الشعب والمنصفين؟ ولن نشاركهم مهما حدث». وفي بياناته، اعتبر أن القرار بالانسحاب «يعود إلى أنه استحال تشكيل الحكومة من دون إشراك الفاسدين والتبعيين والطائفيين، كما أن المستقلّين وقفوا على الحياد من مشروع حكومة الغالبية الوطنية نتيجة الترغيب والترهيب أو عدم الثقة، في حين أصرّت الكتل السياسية، بل وبعض الدول على التوافق وهذا ظلم للشعب والوطن».