من باب الطائرة إلى باب الخروج من مطار بيروت الدولي، هناك رحلة كاملة تشبه استكشاف الأدغال. مطار بيروت الذي تديره مجموعة من الإدارات المدنية والعسكرية يخلو من إشارات الحياة. لا تدبّ الحياة فيه رغم كل هؤلاء الذين يأتون ويذهبون. يبدو لكل المسافرين أنه يحتضر على مرأى ومسمع من المسؤولين عنه. رئيس الحكومة زار المطار، وأُعجب بما رآه. بعد جولته في حرم المطار، قال: «أردت اليوم القيام بجولة في المطار مع معالي الوزراء لمعاينة التدابير والإجراءات المتّخذة. ومن خلال الجولة لاحظنا أن كل التدابير المطلوبة على المستوى الدولي متّخذة». التدابير التي يتحدّث عنها تبدو كأنها في عالم آخر. لعلّها أول زيارة لميقاتي خارج إطار الطرق السريعة المختصرة التي يدخل عبرها إلى المطار نحو طائرته الخاصة. فهو ينتقل سريعاً من سيارته إلى الطائرة. لا يرى مدى ترهّل البنية التحتية، وسوء الصيانة وانعدام القدرة على التشغيل. ميقاتي لا يرى الإفلاس في المطار، كما لا يراه في كل لبنان. الإنكار هو وسيلة هؤلاء لتحويل الوهم إلى حقيقة. الحقيقة هي ما تراه على ملامح المسافرين، وما تسمعه من رواياتهم.
(هيثم الموسوي)

أمام مدخل مطار بيروت تنفعل سيدة عراقية في عقدها الخامس عند سؤالها عن الأحوال في الداخل. تشتكي من إطفاء أجهزة التكييف، مستغربة كيف أن مطاراً دولياً ترتفع الحرارة داخل قاعاته كافة بهذا الشكل. انتقاد يتبنّاه كل الوافدين مناقضاً تصريحات المسؤولين الجازمة بأن «لا مشكلة كهرباء في المطار». يتصرّف هؤلاء كأن إنكار المشكلة يلغي وجودها حقاً، وأن هذا السلوك يحمي الموسم السياحي الذي يتلقّى الضربة الأولى من مطار بيروت «واجهة البلد».
تشير الإحصاءات إلى أن مطار بيروت استقبل نحو 300 ألف راكب في نهاية الشهر الجاري، وأنه سيستقبل نحو 400 ألف في كل من تموز وآب. وكمعدّل يومي، سيستقبل المطار بين 10 آلاف راكب يومياً و12 ألفاً. أعداد بهذا الحجم تتطلب جهوزيّة غير متوافرة في مطار ذي بنية تحتية مترهلة. يدّعي مدير المطار فادي الحسن توفّر الجهوزيّة، لكن الواقع يخالف مزاعمه. فالمشكلات الملحوظة في المطار لا تتعلق بأمور معقّدة، بل بمواضيع تشغيلية. فعلى سبيل المثال، الحمّامات في مطار بيروت الدولي تفتقد إلى المياه، وفق كلام أحد الوافدين من أستراليا. يروي هذا الشاب عن رحلة متّسمة بالمعاناة نفسها منذ عام 2019، علماً بأن الوافدين اليوم، يمثّلون نحو 85% من عدد زوار ذاك العام. كبار السن والمعوّقون واجهوا صعوبات كذلك؛ فبعد الانتهاء من الخرطوم الذي يوضع على باب الطائرة، ليست هناك طريقة للولوج إلى نقطة الأمن العام المخصّصة لختم الجوازات، إلا عبر درجٍ إسمنتيّ كان من الصعب استخدامه من قبل عدد من الوافدين. وعند الأمن العام يطول الانتظار نسبياً رغم أنه «قد يكون محمولاً لو أن قليلاً من البرودة في الأجواء» يقول شاب سوري قادم من جدّة. صحيح أن شباب الأمن العام يتّسمون بتهذيب ظاهر وبمعاملة حسنة، إلا أن إحدى المغتربات تُشير إلى «سلوك غير محترم وغير إنسانيّ لبعض عناصر الأمن العام تجاه عاملات أجنبيات» ما اعتبرته السيدة «عنصرية غير مبررة».
انعكاسات الأزمة الحادة تظهر في أحد جوانبها على وجوه الموظفين من عسكريين ومدنيين. هذه الشرائح لم تحظ بتصحيح لرواتبها ذي قيمة مقابل تضخمٍ تخطّى الـ999% منذ مطلع كانون الثاني 2019 لغاية نيسان أيار 2022. قدراتهم الشرائية منهارة، وظهر على وجوههم التعب والكآبة. كانت هناك ملاحظة شائعة بين الوافدين: «لا أحد يبتسم في الداخل». لم يكن في الأمر ملامة بقدر ما هو تعبير عن مشهدٍ بارز لا يمكن إلا أن يلفت الأنظار.
بانتهاء الختم عند نقطة الأمن العام، وما يرافق هذه العملية من أسئلة أمنية روتينية، ينتقل الوافدون إلى مرحلة استلام الحقائب. ثمة عمال يفرّغون الحقائب من باطن الطائرة إلى الجرارات الموجودة في صالات المطار بعد نقطة الأمن العام. في المبدأ لا تسير الأمور بسلاسة طيلة الوقت، إذ إن هناك عدداً قليلاً جداً من السيارات التي تستخدم في عملية تفريغ حاويات الحقائب ونقلها من الطائرة إلى الجرارات. لذا، يبدو أن الوقت ما بين وصول المسافرين إلى الصالة، وبين استلام حقائبهم طويل نسبياً. تقول سيدة قادمة من تركيا: «الحقائب تتضرّر بسبب رميها بقوّة. في كل المطارات تحافظ حقائبنا على جودتها إلا في مطار بيروت». يثني على كلامها وافد من دبي. كما أن تداخل حقائب رحلات مختلفة ببعضها يحدث بلبلة بين الوافدين، ففي حين لم يستلم 10 ركاب آتين من العراق أمتعتهم يوم الأربعاء الماضي، أعلنت الشاشة الإلكترونية بدء تسليم حقائب رحلة جدة.
في كل تلك المحطات من باب الطائرة ولغاية صالة الوصول، لم تكن الإنارة جيدة بما يكفي. على ما يبدو يقتصد مشغّلو المطار في عدد الأضواء، في ظل انعدام شبه تام للتغذية الكهربائية من مؤسسة كهرباء لبنان. وحال المولدات المنهكة نتيجة عملها خارج أوقات الطوارئ المخصّصة لها في الأصل ينعكس سلباً على وتيرة الإنارة ومستوياتها وعلى ساعات التكييف. نحو الخارج في اتجاه مواقف السيارات، هناك باب واحد تُحصر فيه المغادرة بـ«ذرائع أمنية»، أو الأدق ربما، بضعف الإمكانات لفرز عناصر أمنية تغطي الأبواب كافة التي تقرّر إغلاقها.