غزة | لم يكن الصاروخ الذي أُطلق من قطاع غزة ليل الجمعة - السبت تجاه مدينة عسقلان، بعيداً من عملية الاغتيال التي نفذتها قوات الاحتلال في مدينة جنين الخميس الماضي ضدّ ثلاثة مقاومين. إذ كشفت مصادر في المقاومة الفلسطينية، لـ»الأخبار»، أن الصاروخ الذي لم يحمل توقيعاً أو تبنّياً من أيّ من الفصائل، كان عبارة عن رسالة ميدانية إلى العدو، بالتوازي مع أخرى شفهية وصلته عبر الوسطاء مفادها استمرار معادلة غزة - جنين، وأن جبهة القطاع لا يمكنها أن تهدأ طالما هناك انتهاكات في المناطق الفلسطينية الأخرى، خلافاً لاعتقاد الاحتلال بأن المقاومة في غزة لن تتحرّك عسكرياً للردّ على جرائمه في الضفة والقدس.وقالت المصادر إن «المقاومة أكدت ميدانياً استمرار خياراتها العسكرية في مواجهة عمليات الاغتيال وجزّ العشب في مدينة ومخيم جنين شمال الضفة المحتلة»، محذّرة من أن «تفجّر الأوضاع في قطاع غزة أمر وارد في حال استمرار الانتهاكات في مخيم جنين»، مشددة على أن «محاولة استغلال التحسينات الاقتصادية وإصدار تصاريح للعمال في قطاع غزة أمر لا تقبل به المقاومة»، وأن «هناك خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها». وردّاً على قرار وزير جيش الاحتلال، بيني غانتس، سحب ألفَي تصريح جديد لعمال غزة للعمل داخل الأراضي المحتلة عام 1948، على خلفية إطلاق صاروخ من القطاع، أكدت المصادر أن «تجريب مثل هذا الأمر مرّة أخرى غير ذي جدوى، وأنه لا يؤثر في قواعد الاشتباك التي فرضتها المقاومة بعد معركة سيف القدس». وكان «الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين» في غزة اعتبر قرار غانتس نوعاً من «العقاب الجماعي»، ومحاولة لاستخدام العمال كورقة سياسية واقتصادية ضاغطة، بعد وصول عدد الغزّيين الذين يعملون في الداخل المحتل إلى نحو 12 ألفاً، منبّهاً إلى أن «أيّ يوم تعطيل يكبّد هؤلاء خسائر تبلغ ثلاثة ملايين شيكل يومياً».
وبالتوازي مع تلك التطورات، كشفت المصادر عن اتصالات أجرتها حركة «حماس» مع الوسيط المصري، أكدت خلالها رفضها عمليات الاغتيال في مخيم جنين، محذرة من أن «تكرار مثل هذه الجرائم كفيل بتفجير الأوضاع في جميع الساحات الفلسطينية». في المقابل، لم يفوّت رئيس وزراء الاحتلال، نفتالي بينيت، الفرصة لتكرار تصريحاته السابقة عن أن حكومته غيّرت سياستها في التعامل مع غزة ما حقّق «هدوءاً لا مثيل له منذ سنوات»، بحسبه. وأشار إلى أنه «بعد تشكيل الحكومة، أوقفنا فوراً نقل حقائب الدولارات إلى حماس، وانتقلنا من سياسة احتواء إطلاق (القذائف الصاروخية) على إسرائيليين إلى صفر تسامح، وغيّرنا توجّهنا نحو سكّان القطاع، وفتحنا من أجلهم إمكانية العمل في إسرائيل»، مشدداً على أن «هدفنا هو منع تعاظم قوة حماس مجدّداً». وفي ظلّ احتدام الأزمة السياسية، ومناكفة رئيس المعارضة، بنيامين نتنياهو، للحكومة، اعتبر بينت أنه «في الماضي كنّا نشري هدوءاً مؤقتاً وندفع الثمن بتعاظم قوة (حماس)»، مستدركاً بأن «تعاظم القوة اليوم بطيء جداً، وهو الأبطأ منذ سنوات، لأننا نغلق إمكانية إدخال وسائل قتالية عن طريق رفح، بالتعاون مع مصر والولايات المتحدة». وجاء ذلك في وقت وُجّهت انتقادات حادّة إلى سياسة الحكومة تجاه قطاع غزة، بخاصة بعدما قصفت قوات الاحتلال برج مراقبة على حدود شمال القطاع، واستطاعت المقاومة ترميمه خلال ساعات قليلة. وفي هذا الإطار، رأى وزير المالية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، أن «هناك مِن قادة حركة حماس مَن يجلس ويحرّض ويبارك العمليات «الإرهابية» ويشعر وكأنه يتمتع بحصانة أو بوليصة تأمين».
الصاروخ الذي لم يحمل توقيعاً أو تبنّياً من أيّ من الفصائل، كان عبارة عن رسالة ميدانية إلى العدو


في غضون ذلك، دعا رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، الفصائل الفلسطينية وصنّاع القرار الرسمي إلى التركيز على أربعة متغيّرات مهمة يجب التعامل معها ومع نتائجها لبناء الرؤية الاستراتيجية الفلسطينية المستقبلية، وهي نتائج معركة «سيف القدس» التي شكّلت نقلةً نوعيةً وتحولاً استراتيجياً في إدارة الصراع مع العدو الإسرائيلي، والثاني هو الانكفاء الأميركي عن المنطقة في أكثر من ساحة، والثالث يتمثل في الحرب بين روسيا وأوكرانيا والتي لن يكون العالم بعدها كما قبلها، والرابع هو عمليات التطبيع واختراق المنطقة. وشدد هنية، خلال مؤتمر علمي دولي نظّمته جامعة الأمة في غزة بعنوان «السيادة الفلسطينية... المتغيرات الاستراتيجية والمسارات المستقبلية»، على أن الفلسطينيين بحاجة إلى ثلاثة عوامل مهمة، أولها الاتفاق على استراتيجية وطنية لتجاوز حالة الانقسام، وثانيها بناء جبهة واحدة تحمي الثوابت وترعى المقاومة وتشكّل مرجعية على طريق إعادة بناء «منظمة التحرير» والحصول على القوة، فيما العامل الثالث يتلخّص في الحاجة إلى حلفاء على أكثر من صعيد وجبهة.