بعدما تركت المحكمة العليا البريطانية، في كانون الأوّل الماضي، مصير مؤسِّس موقع «ويكيليكس»، جوليان أسانج، بيد وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، وافقت هذه الأخيرة، أمس، على تسليم أسانج إلى واشنطن، حيث من المرجّح أن يُحكم عليه بالسجن 175 عاماً، بتهمة تسريب كمّيات كبيرة من الوثائق السرّية الأميركية. قرارٌ لم يكن مستبعداً، ولا سيما أن باتيل معروفة بأنها من صقور اليمين البريطاني المحافظ، وأخلص أتباع رئيس الوزراء، بوريس جونسون، ما يدفعها إلى القبول بمذكّرة التوقيف الأميركية.
اعتبر «ويكيليكس» هذا اليوم «هو يوم أسود لحرية الصحافة والديموقراطية في المملكة المتّحدة» (أ ف ب)

وعقب القرار، نشر موقع «ويكيليكس» بياناً عبر حسابه الرسمي على «تويتر»، أدان فيه قرار وزيرة الخارجية، معتبراً أن هذا اليوم «هو يوم أسود لحرية الصحافة والديموقراطية في المملكة المتّحدة»، وأنه سيتمّ تَذكّر باتيل على أنها متواطئة مع واشنطن في مهمّتها لتحويل الصحافة الاستقصائية إلى جريمة. وإذ رأى الموقع أن أسانج يُعاقَب لأنه كان يؤدي وظيفته الطبيعية ككاتب وناشر، فقد نبّه إلى أنه «يجب عدم نسيان أن قضيته هي سياسة بحت، بعدما نشر أدلّة على أن البلاد التي تحاول تسليمه ارتكبت جرائم حرب وغطّتها، وارتكبت أعمال تعذيب ورشت مسؤولين خارجيين، وأفسدت التحقيقات القضائية في مخالفات الولايات المتّحدة»، ما يجعلها تريد الانتقام منه عبر إخفائه في أقبية السجون المظلمة حتى آخر حياته، بهدف منع الآخرين من محاسبة حكوماتهم. كما أكد البيان أن «الحرب لم تنتهِ بعد»، مُعلِناً أنه سيتمّ استئناف القرار البريطاني أمام المحكمة العليا، علماً أن أمام أسانج مهلة 14 يوماً للاستئناف.
قرار التسليم يتعارض بوضوح مع «معاهدة تسليم المجرمين»


يُشار إلى أنه في كانون الأول الماضي، وتزامناً مع احتفال لندن باليوم السنوي لحقوق الإنسان، ألغت محكمة عليا بريطانية قراراً سابقاً لمحكمة ابتدائية يمنع تسليم أسانج إلى الولايات المتحدة التي تطارده منذ أكثر من عشر سنوات، بعد اتّهامه بنشر وثائق رسمية مسرّبة تكشف عن جرائم ارتكبتها في معسكرات الاعتقال في خليج غوانتانامو والعراق وأفغانستان، وتفاصيل عمليات التعذيب وتسليم الأسرى التي قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية، كما طرائق عمل النخبة التي تدير الإمبراطورية الأميركية من واشنطن. آنذاك، قَبل القاضي تيموثي هولرويد، طلب الفريق القانوني الممثِّل للجانب الأميركي، باستئناف الحُكم الابتدائي الذي قضى، في كانون الثاني من العام الماضي، بعدم تسليم أسانج بناءً على ظروفه الصحّية والسايكولوجية؛ بالنظر إلى أنه من المرجّح، وفق استنتاج خبراء كلّفتهم الحكومة البريطانية بتقييم حالته، أن يُقْدم الرجل على الانتحار، إن تمّ تسليمه للولايات المتحدة. وبرّر هولرويد قراره بأنه راضٍ عن مجموعة من الضمانات التي قدّمتها الولايات المتحدة بشأن ظروف احتجاز أسانج عند تسليمه. بيد أن منظمات عديدة تُعنى بحقوق الإنسان، منها «منظّمة العفو الدولية»، تَعتبر أن ما يسمّى بـ«الضمانات» التي قدّمتها الحكومة الأميركية، «تَترك السيّد أسانج عرضة لخطر إساءة المعاملة»، مشيرةً إلى أنه لا يمكن التعويل عليها ولا على طريقة صياغتها. وفي وقت سابق، اعتبر زعيم المعارضة البريطانية السابق، اليساري جيريمي كوربِن، أن «تسليم أسانج سيعني أنه على جميع الصحافيين في جميع أنحاء العالم أن يخافوا على أنفسهم إذا نشروا شيئاً تعتبره أميركا سرّياً، إذ إنهم سيواجهون عندئذ خطر تسليمهم».
وعلى الرغم من أن قرار التسليم هذا يتعارض بوضوح مع «معاهدة تسليم المجرمين» الثُّنائية الموقَّعة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والتي تمنع صراحةً تسليم متّهمين بجرائم سياسية، إلّا أن ذلك لم يَحُل دون انتصار النخبة البريطانية بقضائها وسياستها لواشنطن أخيراً.