مضى أكثر من شهر ونصف الشهر على إقرار مجلس الوزراء تصحيح الأجور للقطاع الخاص، إنما حتى الآن لم يصدر المرسوم بعد بسبب امتناع غير مبرّر من وزير المال عن توقيعه. ورغم أن هذا المرسوم لا يغطّي تضخّم الأسعار وغلاء المعيشة المتسارع منذ مطلع 2020 لغاية اليوم، إلا أنه يأتي كتسوية هزيلة لتعويض العمال عما فقدوه من قدرة شرائية. هذه التسوية تمّت بين ممثلي أصحاب العمل والعمال وقضت بمنح العمال زيادة مقطوعة وهشّة بقيمة مليون و325 ألف ليرة على الأجور لغاية سقف 4 ملايين ليرة بعد تجاهل المؤشر التراكمي لتضخّم الأسعار في الفترة ما بين مطلع 2020 ولغاية مطلع 2022 والذي سجّل 800%.يبدو كأن أرباب العمل يحاولون الالتفاف على التسوية من خلال «مونتهم» على وزير المال يوسف الخليل سواء بما يمثّله سياسياً أو بما يمثّله وظيفياً حين كان مديراً للعمليات في مصرف لبنان. فالوزير لم يوقع بعد مشروع المرسوم الرامي إلى تعيين بدل غلاء المعيشة للمستخدمين والعمال الخاضعين لقانون العمل. وبحسب وزير العمل مصطفى بيرم، فإن المراجعات التي تمّت مع وزير المال لم تفض إلى نتيجة بعد. بيرم قال لـ«الأخبار»، إنه يحاول معرفة أسباب التأخير «أول من أمس حاولت التواصل مع وزير المال لكن ما من جواب». وحول المخاوف من نيات مبيتة لتطيير الاتفاق وتطيير المرسوم، يؤكّد بيرم أن «وزير المال وعدني من أسبوع بأنه سيوقع المرسوم، وأن القرار اتخذ ولا رجعة عنه، وسنسعى جاهدين لتمريره لو مهما كلف الأمر».
وكان مجلس الوزراء قد ترجم الاتفاق الحاصل في لجنة المؤشّر بين ممثلي أصحاب العمل والعمال برعاية وزير العمل وبحضور ممثلي إدارة الإحصاء المركزي والجامعة اللبنانية، إلى قرار صدر في 30 آذار بعنوان: «تعيين بدل غلاء المعيشة للمستخدمين والعمال الخاضعين لقانون العمل». يومها قالت وزارة العمل في الملف المرفوع إلى المجلس أن «الزيادة على الأجر الشهري ليست مثالية أو كافية لتغطية نفقات العامل، إلا أنها وإلى جانب ما جرى إقراره سابقاً من رفع قيمة المنحة التعليمية وبدل النقل اليومي وتحسّن التقديمات الصحية، تعدّ مرحلة وقتية تمهيداً لإجراء التصحيح على الرواتب ورفع الحدّ الأدنى للأجور بما يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية والمالية فور استقرارهما».
وبحسب المعطيات المتوافرة، فإن صدور المرسوم لا ينقصه سوى التوقيع الثالث العائد لوزير المال، علماً بأن مشروع المرسوم ما زال في أدراج يوسف الخليل منذ أكثر من أسبوع والأمر لا يتطلب سوى توقيع أمر منته ومقرّ في مجلس الوزراء. لكن الخليل، كما يبدو، اختار الإمعان في إذلال العمال عبر المماطلة غير المبرّرة في التوقيع، مانحاً أصحاب العمل أملاً في تطيير الاتفاق الذي أجبرهم على التصريح عن الزيادة للضمان الاجتماعي وبالتالي استفادة العامل من تعويضات نهاية الخدمة واستفادة صندوق المرض والأمومة في الضمان من إيرادات إضافية. لكن السؤال المثار اليوم، ماذا سيحصل إذا امتنع الخليل عن التوقيع لما بعد انتهاء ولاية الحكومة وبدء مرحلة تصريف الإعمال ابتداء من 21 أيار الجاري بعد انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي.
رغم الزيادة الهزيلة على الأجور إلا أن مرسوم التصحيح لم يصدر بعد


على أي حال، يقول رئيس «الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين» كاسترو عبدالله إن «مماطلة وزير المالية ليست إلا ترجمة للتآمر القديم-الجديد بين الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام، ويبدو أنهم اتفقوا ضمنياً على تطيير الاتفاق. فلو أرادوا تنفيذه لكانوا نفذوه منذ أكثر من شهر ونصف». المريب في الموضوع بالنسبة لعبدلله، وما يعزّز مخاوفه من وجود قطبة مخفية تحاك، هو أن «إقرار بدل غلاء المعيشة للمستخدمين والعمال الخاضعين لقانون العمل لا يرتّب أي أعباء على الدولة كون من يتحمّل هذه الزيادة هو القطاع الخاص. أي إن توقيع وزير المال شكلي، لا أكثر ولا أقل. وأعتقد أن قرار تنييم مشروع المرسوم في الجارور ليس قراراً فردياً اتخذه الوزير بل هناك من طلب منه ذلك». ويلفت إلى أنه «في حال عدم توقيع الوزير ودخول الحكومة مرحلة تصريف الأعمال، قد يصعب إمضاء مشروع المرسوم لاحقاً لأنه قد يكون قابلاً للطعن. علماً بأنه من الناحية الفعليّة فإن قيمة البدل تتآكل يومياً منذ أن جرى الاتفاق بسبب الفروقات التي طاولت سعر صرف الدولار والتضخّم الذي رافقه، وآخر تجلياته ارتفاع سعر صفيحة البنزين يوم أمس 23 ألف ليرة».