موسكو | في ظلّ تعثّر المسار التفاوضي بين روسيا وأوكرانيا، وتراجع الأخيرة عن التفاهمات المبرمة في آخر جولة تفاوضية بين الجانبين في إسطنبول التركية، لا تبدو موسكو راغبة في تكرار تجربتَي «مينسك 1» و«مينسك 2»، نظراً إلى اعتبارات كثيرة لعلّ استمرار ضخّ شتى أنواع السلاح إلى أوكرانيا عبر بولندا، أبرزها. ويبدو أن هناك محاولات لتزويد كييف بالسلاح عبر الجو، بعد ورود معلومات عن إنزال أسلحة من طائرات شحن عسكرية، تم إسقاط إحداها فوق أجواء مدينة أوديسا جنوب أوكرانيا، مع استمرار استخدام طرق السكك الحديد والخطوط السريعة لنقل سلاح «الناتو» إلى جبهات جنوب وشمال شرق أوكرانيا، إلى جانب رفد جبهات الشرق الأوكراني بكلّ ما يمكن إيصاله لتعزيز صمود القوات المرابطة على كلّ محاور الدونباس. وفي هذا الإطار، اتهم الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، روسيا بالرغبة في «تدمير» منطقة الدونباس تماماً، واعداً ببذل كل ما في وسعه للدفاع عنها بدءاً بمدينة ماريوبول الساحلية الاستراتيجية، حيث طلب من الجنود القتال «حتى النهاية». وقال زيلينسكي: «الجنود الروس يستعدّون لشنّ هجوم في شرق بلادنا في مستقبل قريب. إنهم يريدون حرفياً القضاء على الدونباس وتدميرها». وأضاف: «مثلما يدمّر الجنود الروس ماريوبول، فإنهم يريدون تدمير مدن أخرى ومجتمعات أخرى في منطقتَي دونيتسك ولوغانسك». وقال متوجّهاً إلى مواطنيه «لا تتعاونوا مع المحتلّين»، داعياً إلى ضرورة «الصمود أمامهم»، ومردِّداً على مسامع الغربيين أن «الحاجة إلى فرْض حظر على شحنات النفط من روسيا تفرض نفسها كل يوم».
اتّهم الرئيس الأوكراني روسيا بالرغبة في «تدمير» منطقة الدونباس تماماً

ولحماية «جمهوريَتي الدونباس» المعترف باستقلالهما من قِبَل روسيا، يرى خبراء أنه لا بدّ من إحكام السيطرة على كلّ المنافذ البحرية، ما يعني السيطرة على ميكولاييف وأوديسا جنوباً، ومحيط خاركيف وضواحيها في شمال أوكرانيا الشرقي، مع احتمال إعادة إحكام السيطرة على تشيرنيهيف مجدّداً لمنع مواصلة استهداف العمق الجغرافي الروسي كما حصل ويحصل عبر القصف المدفعي بالهاون على مديات لا تزيد على 10-12 كيلومتراً داخل الحدود الروسية، أو تسلُّل مسيّرات أو مروحيات أوكرانية لاستهداف بنى استراتيجية روسية كما حصل في بيلغورود حين تمّ قصف خزانات الوقود الحيوية لدعم القوات الروسية في المعركة.
وشكّل استهداف المدمّرة الاستراتيجية الروسية، «موسكفا»، منعطفاً محوريّاً في تحديد استراتيجية مسار العملية العسكرية الروسية. فموسكو تدرك، بحسب آراء عديد من الخبراء العسكريين، أن دولاً في «الناتو»، في مقدّمها الولايات المتحدة وبريطانيا، تقفان خلف العملية التي لا يزال الغموض يشوب تفاصيلها. وإذا صحّت الرواية الأوكرانية عن أن المدمّرة استُهدفت بصاروخ أوكرانيّ الصنع، فهذا غير ممكن من دون دعم منظومات سلاح التشويش والرصد والتوجيه الراداري المتوفرة فقط لدى جيوش «الناتو» وقطع البحرية الأميركية والبريطانية المرابطة في المنطقة. فالبارجة الروسية وكلّ القطع البحرية الموجودة ضمن تشكيلات أسطول البحر الأسود لديها القدرة على صدّ الصواريخ التقليدية وتدميرها، إلّا إذا كان الاستهداف قادراً على تخطّي القدرات الدفاعية أو استغلال ثغرة عدم تفعيلها خلال وقت قصير، وهذا ما حصل. كما وردت معلومات غير رسمية تفيد بأن الصاروخ أو الصواريخ المستخدَمة في هذه العملية، بريطانية الصنع.