وفي «جمهورييات» المعارِضة، يكتب مصطفى بالباي مقالة بعنوان «الآن دور سوريا»، يقول فيها إن «سنوات التذبذب قد طوتها أنقرة، والمناخ الآن يفيد بأن التطبيع مع دمشق قادم». ويرى أن «الدومينو الذي بدأ بالتقارب مع السعودية وإسرائيل والإمارات ومصر وليبيا، سيواصل تأثيره». ويَعتبر أن «الانفتاح التركي على هذه الدول، يُظهر أن حزب العدالة والتنمية قد بدأ بمعالجة أخطائه»، متسائلاً: «هل من مزيد؟»، عانياً بذلك سوريا. وفيما يشير إلى أن «التحضيرات في السراي الرئاسي، في ما يتّصل بالعلاقة مع دمشق، تتركّز على الجانب الأمني»، فهو يؤكّد أنه «جرى التوصّل إلى قناعة بأن البدء من هذه الناحية، لن يصحّح أخطاء عشر سنوات في سوريا». وبناءً عليه، يقول بالباي إنه «من غير الواضح إلى أين ستصل إدارة الملف السوري»، مستدركاً بأنه «يمكن القول إن مرحلة جديدة ستبدأ». وفي هذا السياق، يعدّد جملة نقاط يَعتبر أن على تركيا التنبّه إليها في إطار تصحيح علاقاتها مع الخارج، وهي:
1- أن سوريا هي القدم الطبيعية للعلاقات (التركية) مع مصر.
2- أن حزب «العدالة والتنمية» قد طابق مصالح الدولة مع مصالحه، وهذا خطأ، وعليه أن يتخلّى عن المصالح الحزبية في سبيل مصلحة الدولة.
3- يجب أن لا يبيع الحزب العلاقات مع جيرانه، من أجل إرضاء القوى العالمية.
4- يجب أن يقطع العلاقات مع العناصر المُعادية للدولة التي يريد التصالح معها.
بدوره، يتطرّق باريش دوستر، في الصحيفة ذاتها، إلى السياسات الجديدة لـ«العدالة والتنمية»، معتبراً إيّاها عودة إلى التصالح مع النزعة الأميركية. ويَلفت دوستر إلى أن «المجتمع يشهد استقطاباً حادّاً بين أنصار الأطلسية وأنصار الأوراسية، وبين أنصار الولايات المتحدة وأنصار روسيا»، ويرى أن «طريق الخروج من الازدواجية التي تعيشها البلاد، هي عبر مقاربة القضايا من زاوية مصالح تركيا الخالصة، والعمل على استقرار الجبهة الداخلية، والسير على خطى سياسات أتاتورك الخارجية، وحماية اتفاقية مونترو، وعدم تحويل البحر الأسود إلى بحيرة أطلسية، واتّباع سياسات خارجية محورها المحيط الإقليمي والدفاع عن نظام عالمي متعدّد الأقطاب».
لا يمكن تصحيح العلاقة التركية مع سوريا على قاعدة «عفا الله عمّا مضى»
في خضمّ ذلك، يطرح استثناء سوريا من حركة المصالحات، علامات استفهام بشأن الأهداف البعيدة لتلك الحركة، وما إذا كانت تأتي في سياقٍ أميركي، خصوصاً أن جميع الدول التي تطبّع مع تركيا الآن، تقع في المعسكر الأميركي. وبمعزل عن حقيقة الموقف، فإن العلاقة التركية مع سوريا لا يمكن تصحيحها على قاعدة «عفا الله عمّا مضى»، أو ببعض المقايضات كما يجري مع دول أخرى. فتركيا تحتلّ أجزاء واسعة من الأراضي السورية، وتقوم بعمليات تغيير في بناها الاجتماعية والاقتصادية. كما أن لأنقرة عشرات الآلاف من المسلّحين المعارضين في إدلب، إضافة إلى أربعة ملايين لاجئ سوري على الأراضي التركية. هذا فضلاً عن أن هناك لاعبين إقليميين ودوليين على الأرض، مثل الولايات المتحدة وروسيا، وقوات معادية مثل القوات الكردية. وبناءً عليه، تحتلّ المسألة السورية موقعاً مختلفاً عن بقية الملفّات، تتّصل بالبعد النفسي لمقاربة إردوغان لها، وهو المصرّ حتى الآن على عدم الاعتراف، لا بالنظام ولا بالدولة السورية. لذا، تتطلّب المصالحة مع سوريا إعادة نظر جذرية من قِبَل أنقرة، وقد تكون هذه أكبر من قدرة إردوغان النفسية والمادية، أو حتى رغبته في معالجة أسباب الصراع. وربّما يتطلّب كلّ ما تَقدّم انتظار الانتخابات الرئاسية التركية، في حزيران من العام المقبل، ومجيء سلطة جديدة متحرّرة من أعباء عشر سنوات عجاف، تقوم بالمصالحة... والمحاسبة.