ما من وقع يذكر لتغيير حركة أمل نائبيها في قضاء النبطية. استبعد ياسين جابر ليحلّ محله ناصر جابر. الأول ترشّح عام 1996 بعد استبعاد عماد جابر. لم يصنّف التبديل استجابة لمطالب التغيير، بل «تحكماً عن بعد بتمثيل المدينة عبر اختيار نائب من أكبر عائلاتها» على ما تقول فعاليات نبطانية. في المقابل، يرفض الحركيون تهم مصادرة القرار من أصحاب «النعرة المدينية». يشير هؤلاء إلى أن عماد جابر نفسه خسر عندما ترشح قبل وجود الحركة في دورتَي 1968 و1972 بدعم من آل عسيران. بينما «جاء بالنيابة إلى العائلة في زمن أمل عام 1992».لم يحظ اختيار ناصر جابر بحفاوة بالغة رغم أن لـ«الحاج» وإخوته المغتربين في أفريقيا مشاريع خيرية وخدماتية في المنطقة، أبرزها إعادة بناء جسرَي حبوش والجرمق بعد عدوان 2006. لكن «أودمته وخيره ليسا كافيين لكسب مزاج النبطانيين». كثيرون منهم متضامنون مع ياسين جابر الذي «استُغني عنه بعد الدعم الذي قدمه للحركة مادياً وتشريعياً طوال 26 عاماً». ورغم أنه كان من نواب الـ«ويك أند»، إلا أن «حضوره كان دائماً من دعمه للمدارس الرسمية إلى فتح مركز (والده) كامل جابر الثقافي لكل الأنشطة».
يقرّ ناصر جابر بأنه «خام» سياسياً، ويقول لـ«الأخبار» إنه لم يفكر مرة في العمل السياسي، مع ولائه «الطبيعي لخط الثنائي». وعن سبب قبوله ترشيح الرئيس نبيه بري له، يردّ نائب النبطية، الحركي العتيق هاني قبيسي الذي يشاركه في معظم الجولات الانتخابية: «إذا الله أحب عبداً ابتلاه»، مشيراً إلى أن ترشيح ناصر هو «سعي للتغيير مع قرار من الرئيس بتمثيل المغتربين بعد الأزمة الاقتصادية المصرفية التي طالتهم».
الشائعات التي رافقت تسميته تشير إلى أنه وافق على الترشح بعد رفض متمولين آخرين في الاغتراب الترشح لتأمين مموّلين لماكينة الحركة. يقول جابر إن «الرئيس (بري) يقدّر بأن للنبطية حيثية»، نافياً أن يكون قد جيء به ليقوم بدور الرافعة المادية للائحة. ويؤكد أنه سيكون «صوت المغتربين وشؤونهم في المجلس النيابي وإدارات الدولة». المغترب منذ 1979 واحد ممن احتجزت ودائعهم في المصارف. يشير إلى أن الجاليات اللبنانية في العالم «لم تعتمد يوماً على الدولة، بل كنا نحن من نساعدها في السلم والحرب، قبل أن تكافئنا بحجز جنى عمرنا». رغم ذلك، يتعرض لوابل من الانتقادات خلال لقاءاته مع الناس الذين يحمّلونه مسؤولية فساد الدولة كلها وتراجع أداء «أمل». يقرّ بأن حظه العاثر أدخله إلى الشأن العام في أسوأ ظرف. ويقرّ أيضاً بأن «الناس معهم حق، ولا سيما في النبطية».
عند مدخل «الفيلا» في كفرجوز، ترتفع أكوام النفايات كما في القضاء برمّته. استبدال ناصر بياسين أو قبيسي بعبد اللطيف الزين (عام 2018)، لم يغير في الواقع التنموي في المنطقة التي تعاني من أزمة النفايات منذ أكثر من عشر سنوات. أزمة يتشارك في تمديدها مسؤولون محليون ورؤساء بلديات من الثنائي بسبب سوء إدارة معمل ومكب الكفور. لا يخفي قبيسي مسؤولية الطرفين، لكنه يشرك فيها الدولة أيضاً. ولفت إلى أنه في عام 2007، قدم لوزارة البيئة شركة أجنبية كانت تنوي معالجة النفايات في المنطقة، مبشّراً بقرب الاتفاق مع شركة أخرى ستتسلم القطاع لتوليد الكهرباء.
يكيل كثر اتهامات للحزب والحركة بمصادرة الحياة العامة سياسياً واجتماعياً وثقافياً منذ الثمانينيات. لكن الثنائية تلك ورثت ثنائية أخرى فعلت الفعل نفسه. منذ الأربعينيات، دخلت الأحزاب إلى مشهد ثنائية عسيران والزين ومن خلفهما آل الأسعد. وبحسب مجلد «النبطية في الذاكرة» لعلي مزرعاني، فقد تأسست في النبطية عام 1943 نواة منظمة الحزب الشيوعي اللبناني. وبالتزامن، حمل محمد الصباح الحزب السوري القومي الاجتماعي من فلسطين حيث تعرف إلى مبادئه. وتعرف رفيق شاهين إلى غسان تويني عام 1944 في الجامعة الأميركية في بيروت وأنشآ فرعاً للحزب في النبطية. حتى نهاية الأربعينيات، انتشرت القومية والشيوعية بين أساتذة وطلاب مدرسة النبطية الابتدائية ومنها الى أبناء المنطقة. وبعد الوحدة السورية المصرية، انتشر حزب البعث والمد الناصري، ما أنتج حراكاً سياسياً في المدينة كان من بعض أشكاله، التظاهرات الشعبية والنخبوية مطلبياً أو لمناصرة القضايا العربية من فلسطين وضد حلف بغداد، إلى تحرير المغرب العربي من الاستعمار. ومع ظهور العمل الفدائي، تحوّلت النبطية الى خط دفاع ثان للمقاومة الفلسطينية لـ«فتح لاند» في العرقوب.
يكيل كثر اتهامات للحزب والحركة بمصادرة الحياة العامة سياسياً واجتماعياً وثقافياً منذ الثمانينات


مع ذلك، لم تملك القوة الحزبية تأثيراً بين العامة. مرشحو النخب العقائدية رسبوا تكراراً في الدورات النيابية من الخمسينيات حتى الانتخابات الفرعية عام 1974. أبرزهم الشهيد موسى شعيب مرشح حزب البعث العربي الاشتراكي وعادل الصباح وإبراهيم المعلم مرشحا الشيوعي. بعد تحرير المدينة من الاحتلال الإسرائيلي عام 1985، دخلت تحت «الحكم الذاتي» لحركة أمل. بعد أحداث إقليم التفاح، تغلغلت المقاومة بسهولة في نسيج الحاضرة المحاصرة بمواقع العدو من سجد الى الدبشة والشقيف. لم تطوّب النبطية نفسها لنبيه بري كما فعلت سابقاً مع الأسعد والزين وعسيران. ويُنقل عنه في مجالسه بأن لأهل النبطية مزاجاً خاصاً. الحزب لم يفعل أيضاً، لكنه فرض نفسه بالبلديات والمجمعات الدينية ومؤسسات الإمداد والجرحى والشهيد. خرق الحزب بلدية النبطية في 1998 قبل أن يستحوذ عليها في 2004 ولا يزال. نيابياً، كان الفارق يزداد بين أصوات نائب حزب الله محمد رعد (منذ 1992) ونواب الحركة. في 2018، نال رعد حوالي 44 ألف صوت تفضيلي في مقابل حوالي 21 ألفاً لقبيسي وحوالي 8 آلاف لجابر.
قبيل الانتخابات المقبلة، يروّج البعض للمقاطعة كحالة اعتراضية ليس على التمثيل السياسي فقط، وإنما على الواقع الاجتماعي والثقافي للمدينة التي صارت ترفض الآخر، كالحملة التي شنت ضد رفع نصب لشهيد الحزب الشيوعي سهيل حمورة الذي سقط في انتفاضة عاشوراء ضد الاحتلال الإسرائيلي عام 1983. بقي الإقطاع في «النباطية»، كما ترد في رسائل جبل عامل، وذهبت المقاهي ودور السينما والمسارح والأندية الثقافية. حتى «سوق الاثنين» الباقي منذ عهد المماليك، بات محلياً.