جنين | حاول العدو إحداث مفاجأة باقتحامه منزل عائلة الشهيد رعد خازم، منفّذ عملية تل أبيب، في الصباح الباكر، ليفاجئ جنوده الذين حضروا على متن عشرات الآليات بمقاومة شديدة من جانب مقاومي مخيم جنين، نتج منها استشهاد أحمد السعدي، وإصابة نحو 15 آخرين. ويبدو أن الضفة الغربية نهضت أخيراً لتساند جنين بعد استشهاد السعدي، وهو ما عبّر عنه الالتفاف الشعبي الواسع في عموم محافظاتها، والذي تزامن مع انطلاق حملة شعبية للتلاحم، والتأكيد على الوحدة بهدف التصدّي للعقوبات الجماعية الإسرائيلية المفروضة على جنين.وإلى عشرات الآليات، خصّص جيش الاحتلال آليات إسناد احتياطية عند حواجز محيطة بمدينة جنين. وتحت غطاء طائرة استطلاع، وقوّة خاصة ترتدي زيّاً مدنيّاً، بدأ الاقتحام بنشر القناصة على أسطح عدّة مبانٍ وداخل الطوابق العلوية من منازل أخرى، لتندفع آلياته إلى أطراف المخيم، حيث منزل عائلة الشهيد رعد. «كانت حرب شوارع حقيقية. الجميع رأى المقاطع المصوّرة للمقاومين في الشوارع، في مشاهد تعيد إلى الأذهان اجتياحات المدن في الانتفاضة الثانية. كانت أشبه بمعركة 2002، ولكن مصغّرة»، يقول أحد المقاومين من «كتيبة جنين»، لـ»الأخبار». ويضيف: «عندما وصل الخبر، جرى التعميم على مجاهدي كتيبة جنين بالنزول فوراً للتصدّي للاقتحام الإسرائيلي. وخلال دقائق، كانت عدّة مجموعات من المقاومين تتوزّع داخل المخيم، وفي المناطق التي لم يشملها الاقتحام، خشية أن يكون اقتحاماً واسعاً لكل المخيّم، وتحسُّباً لوجود قوات خاصة إسرائيلية بزيّ مدني». وتخلَّل الاشتباكات المسلحة تفجير عبوات ناسفة مصنّعة محلياً أُلقيت على الآليات العسكرية، إضافةً إلى إطلاق النار في اتجاه قنّاصة جيش العدو وجنوده. وعلى رغم أن «مقاومي كتيبة جنين لم يتلقّوا تدريبات احترافية، لكنهم تدرّبوا في الميدان مثل غيرهم ممَّن سبقوهم من المقاومين الفلسطينيين. وفي الاقتحام، أصبح هؤلاء يدركون خطر القنّاصة، وغالبيتهم يطلقون النار من وراء ساتر أو جدار، ولا يسيرون في المناطق المكشوفة أو غير الآمنة... نحن نتعلّم بالتجربة ومن أخطائنا»، وفق أحد مقاومي الكتيبة. وفي هذا الإطار، يكشف مصدر، لـ»الأخبار»، أن عدد مقاومي الكتيبة المطلوبين لجيش العدو والسلطة الفلسطينية، بلغ نحو 35.
شهدت ليلة التاسع من رمضان أوسع مسيرات إسناد لجنين ومخيمها


وخلال اشتباكات صباح أمس، استشهد أحمد ناصر السعدي وأصيب نحو 15 آخرين، فيما اعتُقل ثلاثة فلسطينيين من المخيم، أحدهم نور الدين الجربوع الذي أصيب بعدّة رصاصات واقتيد من مركبة الإسعاف، علماً أن الجربوع أسير محرَّر ومقاوم في «كتيبة جنين» في «سرايا القدس»، اعتقلته السلطة الفلسطينية في سجن أريحا لمدّة شهرين، وأفرجت عنه قبل نحو شهرين. أمّا السعدي (23 سنة)، ويكنّي نفسه بـ»أبو إسلام»، فيعتبر قائداً ميدانياً بارزاً في «كتيبة جنين»، سبق أن أصيب باشتباك مسلّح مع العدو، ويتمتّع بعلاقة مميّزة مع صديقه الشهيد عبدالله الحصري الذي استشهد باشتباك مسلح قبل أسابيع. ويعتبر السعدي من الصفّ الثاني في «الكتيبة»، إذ يضمّ الأوّل الشهيد جميل العموري، والأسير وسام أبو زيد واثنين آخرين. وحول واقعة استشهاده، يوضح أحد مقاومي الكتيبة: «عندما وصل خبر الاقتحام، امتشق أبو إسلام بندقيّته سريعاً وارتدى قبعة صديقه الشهيد عبدالله الحصري واستقلّ مركبة سار فيها بهدوء بعدما سحب أقسام سلاحه وجهّزه للاشتباك، وما إن رصد موقع جنود إسرائيليين حتى أوقف المركبة وترجّل منها سريعاً وفتح النار في اتجاههم، هرب الجنود واحتموا، لكن قنّاصاً إسرائيلياً لم ينتبه له أحد في المكان، قتل أحمد السعدي، ثم تقدَّم الجنود واستولوا على بندقية الشهيد».
في هذا الوقت، تمكّنت وحدات الهندسة التابعة لجيش العدو من تحديد قياسات منزل منفّذ عملية تل أبيب، تمهيداً لهدمه لاحقاً. وفي الإطار ذاته، اقتحمت قوّة كبيرة من الجيش الإسرائيلي بلدة يعبد جنوب جنين، لتبلغ عائلة الشهيد ضياء حمارشة - منفذ عملية «بني براك» - بقرار هدْم منزلها، وهو ما تخلّلته مواجهات وإطلاق مقاومين النار في اتجاه الآليات العسكرية الإسرائيلية. وفي الليلة ذاتها، أصيب 11 فلسطينياً في مواجهات واعتداءات إسرائيلية في الضفة الغربية، ثلاثة منهم في بلدة يعبد، وأربعة في مخيم عقبة جبر في أريحا، وأربعة في طولكرم.
وشهدت ليلة التاسع من رمضان أوسع مسيرات إسناد لجنين ومخيمها، خرجت في عدد كبير من محافظات الضفة الغربية، أبرزها: مسيرة وسط مدينة نابلس، وقفة في طوباس، مسيرة في مخيم الدهيشة في بيت لحم، مسيرة وسط رام الله أعقبتها مواجهات عند مدخل مدينة البيرة، مسيرة في بلدة بيت أمر في الخليل أعقبتها مواجهات أصيب خلالها 4 فلسطينيين برصاص العدو، مسيرة في مخيم بلاطة شرق نابلس، ومسيرة مركبات في الخليل. أما الجامعات الفلسطينية، فشهدت، خلال اليومين الماضيين، سلسلة فعاليات داعمة لجنين، شملت كلاً من: جامعة بيرزيت في رام الله، جامعة النجاح الوطنية في نابلس، جامعة البولتكنيك في الخليل، وجامعة الخليل.
إزاء ما تقدَّم، أعلن العدو فرْض عقوبات جماعية بحقّ محافظة جنين، شملت منع وصول فلسطينيي الـ48 إليها عبر حاجزَي الجلمة وريحان، فضلاً عن إغلاق المعابر بشكل كامل أمام الجميع باستثناء العمّال. ويشمل المنع التجّار وكبار رجال الأعمال، وسط منع الزيارات العائلية من جنين إلى الداخل المحتلّ عام 48، ليعقب ذلك إعلان الاحتلال عن منْع عائلات أسرى محافظة جنين من زيارة أبنائهم في السجون. ويرى مراقبون أن إسرائيل تهدف من سلسلة العقوبات الجماعية هذه، إلى «كي الوعي» والضغط على الحاضنة الشعبية الفلسطينية، لدفعها إلى مهاجمة المقاومة ومنفّذي العمليات الفدائية الأخيرة. وردّاً على العقوبات، أطلق فلسطينيون حملةً شعبية لمؤازرة جنين، إذ دعا النشطاء كل الفلسطينيين للتوجّه الدائم إلى جنين والتسوّق منها دعماً لأهلها في وجه العدوان. ودعا نشطاء آخرون، العائلات الفلسطينية، إلى التوجه للإفطار في مطاعم جنين، كما أعلنت بلدية سلفيت تسييرَ حافلة أسبوعية مجانية كل يوم خميس منها، إلى مدينة جنين.

استشهد أحمد ناصر السعدي وأصيب نحو 15 آخرين(أ ف ب )

على أن جيش العدو نجح في اقتحام منزل منفّذ عملية تل أبيب، لكنه فشل في اعتقال والد المنفّذ، إذ طالب ضابط استخبارات إسرائيلي، بشكل متكرّر، فتحي خازم، أبو رعد، بضرورة تسليم نفسه، إلّا أن الأب واصل الرفض، قائلاً: «لن أسلّم نفسي بنفسي، تعالوا إلى المخيم واعتقلوني». وتواصلت عمليات إطلاق النار، خلال اليومين الماضيين، أيضاً، حيث أطلق مقاومون النار في اتجاه جيش العدو لدى اقتحامه بلدة يعبد قرب جنين، وألقى مقاومون عبوة ناسفة مصنّعة محلياً تجاه حاجز «دوتان» غرب جنين، فيما أطلق آخرون النار على نقطة عسكرية إسرائيلية على قمة جبل جرزيم في نابلس، علماً أنه يوجد في نابلس ثلاثة مطلوبين، أبرزهم إبراهيم النابلسي، وهناك محاولة لمحاكاة ما يحدث في جنين، بعدما أطلقت مجموعة مسلّحة محلية على نفسها، أخيراً، اسم «كتيبة نابلس»، لكن الفرق أنها تتبع لـ»كتائب شهداء الأقصى»، وليس لـ»سرايا القدس»، كما هي الحال في جنين.
ويشي الوضع الميداني بأن معادلة التصعيد قائمة، وهذا ليس بجديد؛ لكن الجديد هو أن الفعل الشعبي على الأرض تصاعد خلال اليومين الماضيين، فيما وضعت الجماهير بصمتها في كثير من الفعاليات التي بدأت تتوسّع على غير العادة. وهذه هي المرّة الأولى، منذ أسابيع، التي تخرج فيها مسيرات لنصرة جنين ودعماً لها، في مشاهد تشبه مسيرات مؤازرة غزة خلال معركة «سيف القدس».