قرابة الثامنة والنصف صباحاً، اقتيد رجا سلامة إلى مكتب منصور ليبدأ الاستجواب قرابة التاسعة صباحاً. لمَحه أحد المحامين يلفُّ ساقاً على أخرى ويرتشف فنجاناً من القهوة، ما أدى إلى ارتياب المحامين في ظل تسريبات عن تسوية مرتقبة، إذ إنّ جلسات المحاكمة تفرض أن يقف الموقوف أمام القاضي، وفي حضور جهة الادعاء. ترافق ذلك مع منع القاضي المحامين من حضور جلسة الاستجواب رغم اتخاذهم صفة الادعاء الشخصي مع ما يُشكّله ذلك مخالفة للقانون الناظم لأصول المحاكمات الجزائية. مصادر مقرّبة من القاضي بررت منعه المحامين من الحضور بأنهم لم يتخذوا صفة الادعاء الشخصي رغم أن الادعاء مدوّن في المحضر، ما استدعى إعلان أحد محامي مجموعة «روّاد العدالة» نيتهم الطعن في التحقيق غير الشفاف وتقديم شكوى أمام التفتيش القضائي لمساءلة القاضي مسلكياً.استُجوِب سلامة لنحو ثلاث ساعات، قبل أن تُرفع الجلسة. وأثار مزيداً من الارتياب أنّ القاضي لم يصدر قراره فوراً. وسرعان ما بدأت الإشاعات مع نشر خبر عاجل عبر تطبيق قناة MTV يتحدث عن قرار بإخلاء سبيل سلامة، بالتزامن مع نشر محامي «روّاد العدالة» خبراً عن توقيفه. هذا اللغط أحدث فوضى فتوجه عدد من المحامين إلى مكتب القاضي لسؤاله عن القرار الرسمي. مرّ وقت قبل أن يتبين أنّ قاضي التحقيق أصدر مذكرة توقيف وجاهية بحق سلامة وأبقاه موقوفاً، وحدد موعداً لجلسة استماع لحاكم مصرف لبنان الخميس المقبل.
المدعون يشكون تصرف قاضي التحقيق ويهددون باللجوء الى التفتيش


غير أن المواجهة بين القضاء وحاكم مصرف لبنان لم يقتصر مسرحها على العدلية، بل أرخت بظلالها على سعر الليرة. فالحاكم ليس مشتبهاً فيه فقط في ملف «فوري»، بل مشتبه فيه أيضاً بالتلاعب بسعر الصرف وبسوق المحروقات، واستخدامهما للضغط على القوى السياسية لمنع محاكمته وشقيقه بملف «فوري». وعلى وقع إشاعات سرت أمس عن أن القضاء أخلى سبيل رجا سلامة، انخفض سعر الدولار بنحو 500 ليرة، لكن عدم صحة الإشاعات رفعت السعر ليتجاوز الـ 25 ألفاً. ويعود هذا التذبذب في السعر إلى الدينامية التي خلقها مصرف لبنان من خلال منصّة «صيرفة» لتزويد السوق بالدولارات اللازمة لاستيراد السلع وأبرزها البنزين والمازوت، فضلاً عن أن هذه الدينامية تؤثّر مباشرة في توقعات السوق الموازية. وبدلاً من أن يعمل مصرف لبنان على ضبط السعر، فإن هذه الدينامية توفّر له القدرة على التلاعب بسلوك وتوقعات السوق من صرافين ومصارف وشركات تجارية وأفراد.
وفي السياق نفسه، لم تفتح غالبية محطات الوقود أبوابها أمس في انتظار تسعيرة وزارة الطاقة. «كارتيل» مستوردي المحروقات رفض تسليم المحطات الوقود باعتبار أن التسعيرة لم تصدر صباحاً وبدأ بمضايقة أصحاب المحطات من خلال الطلب منهم تسديد ثمن البنزين بالدولار، رغم أنه يحصل على الدولارات اللازمة للاستيراد من مصرف لبنان. المشكلة تكمن في تسعير المخزون، إذ إن المستوردين يرون أنه يجب رفع السعر بشكل يومي لتعويض أي ارتفاعات عالمية في السعر، بينما وزارة الطاقة تتباطأ في إصدار التسعيرة في محاولة لتصريف أكبر كمية من المخزون بالسعر الأدنى، وهذا ما حصل أمس عندما صدرت التسعيرة مساء. وكان الاتفاق بين الوزارة والكارتيل أن يتم إصدار تسعيرة جديدة كلما ازدادت أسعار المشتقات النفطية بأكثر من 35 دولاراً للطن، وهذا يعني تسعير المخزون بقيمة أعلى من قيمته الفعلية ومنح الكارتيل أرباحاً إضافية تعوّض له ذوبان الرساميل الناتج من ارتفاع الأسعار العالمية.