موسكو | في انتظار ما سيرشَح عن قمة دول «حلف شمال الأطلسي» التي ستُعقد اليوم، وعلى جدول أعمالها، الحرب في أوكرانيا، تواصل القوات الروسية التقدُّم على أكثر من جبهة، خصوصاً في ماريوبول، وجنوب غربي «جمهورية دونيتسك»، فيما يظهر أن محور جبهة شمال الدونباس بات حرجاً جدّاً بالنسبة إلى القوات الأوكرانية. وفي حين تشير بعض التقديرات الروسية إلى احتمال تخلّي الولايات المتحدة عن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، على خلفية التذمُّر من واقع أنه لم يعد قادراً على ضبط «النازيين الجُدد»، والذي بدأ يتفشّى في أوساط كل من الجمهوريين والديموقراطيين، فاجأ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، العالم، بقراره تحويل مدفوعات إمدادات الغاز نحو أوروبا إلى عملة الروبل
تشيع وسائل الإعلام المؤيدة للمعسكر الغربي، منذ يومين، أنباء عن استعادة القوات الأوكرانية مناطق سبق للقوات الروسية أن استولت عليها. وإذا كان المقصود بهذه المناطق، ضواحي شمال العاصمة الأوكرانية، كييف، في محيط بيتروفسكايا، فهي منطقة تسمّى بـ»الرمادية» في المفهوم العسكري، لم تفرض القوات الروسية سيطرتها الكاملة عليها، بسبب عدم وجود خط جبهوي واضح وثابت، وفق ما يؤكد الخبير العسكري، فلاديمير يفسييف. لكن القوات الأوكرانية عمدت إلى تمثيل عملية هجوم مضاد، لتُظهر قوّتها أمام المشاركين في قمة دول «الناتو»، التي ستُعقد اليوم الخميس. وفي ماريوبول، يشير يفسييف، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن ما يزيد على نصف القوّة المتحصّنة في هذه المدينة، تمّ القضاء عليها. ويقدِّر الخبير العسكري عديد القوات الأوكرانية المنتشرة في ماريوبول بنحو 14 ألفاً، متحدّثاً عن خسائر كبيرة في صفوفها، «فيما يجري العمل للقضاء على مَن تبقّى منهم». ويلفت يفسييف إلى أن «أصواتاً بدأت تتصاعد في الولايات المتحدة تذمّراً من الرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلينسكي)، الذي لم يتمكّن من التحكّم بالنازيين الجُدد. وهذه الأصوات لا تصدر عن ممثّلي الحزب الجمهوري فحسب، وإنّما هناك آراء مشابهة في صفوف الديموقراطيين أيضاً». ولا يستبعد أن تُقدِم واشنطن على «التضحية» بزيلينسكي. ويقول إن «النازيين ممتعضون بشدّة بسبب التفريط بهم، وتكبدهم خسائر فادحة في الدونباس. لذلك، يخطّطون للسيطرة على السلطة. المهمّ بالنسبة إلينا هو أن الشكوك بجدوى المواجهة بدأت تزداد في الولايات المتحدة، وما يدور من كلام حول قوات حفظ سلام من الناتو عبر بولندا هو كلام فارغ، لا يمكن صرفه في مسرح العمليات العسكرية».
وتدور الأحداث المركزية، حالياً، في منطقة غورلوفكا حتى كوراخوفا، جنوب غربي «جمهورية دونيتسك»، حيث تدير القوات «الشعبية»، المدعومة بسلاح المدفعية والطيران الروسيَّين، هجوماً على كافة محاور جبهة فيرخنويتوريتسكوي التي باتت تحت سيطرتها. ويتركّز الهجوم على بيتسكي، ومن محيط مارينكا في اتجاه كوراخوفا، فيما تتقدّم القوات الروسية وقوات دونيتسك على أربعة محاور على طول جبهة جنوب غربي الدونباس، حيث قامت بعملية كسْر لتشكيلات القوات المسلحة الأوكرانية، والتي تقدَّر بأربعة ألوية مدرّعة يجري فصلها وتشتيتها. ويبدو من أعلى نقطة في هذه الجبهة، أنه جرى اختراق الدفاعات والتحصينات الأوكرانية في محيط غورلوفكا، حيث تتطوّر عملية التقدُّم يوماً بعد يوم. وفي حال استمرّ الأداء على هذا النحو، يمكن أن ينهار خط دفاع القوات الأوكرانية بشكل كامل على طول هذه الجبهة في الأيام القليلة المقبلة.
قرّر بوتين تحويل مدفوعات إمدادات الغاز نحو أوروبا إلى عملة الروبل

والخرق المحقَّق، يأتي بفعل استخدام قوّة نيران المدفعية الروسية الثقيلة المركّزة، من عيار 203 ملم، والتي لا يمكن للتحصينات والمنشآت الأوكرانية المشيدة أن تصمد أمامها. ويعني الهجوم على بيسكي والالتفاف حولها من الجنوب الغربي ومن الغرب، تطويق أبدييفكا التي تقع شمال شرقي بيسكي. ويتضح أيضاً أن هدف تلك العملية هو إحاطة أبدييفكا بدائرة مغلقة. وبما أن قوات دونيتسك أتمّت السيطرة على مارينكا، فهي بصدد تنفيذ عمليات إحاطة دائرية للقوات الأوكرانية المتموضعة في مناطق شمال دونيتسك.
في هذه الأثناء، تتابع القوات الروسية تقدُّمها في اتجاه نهر سوخيي يالي، وفي اتجاه كوراخوفا من ناحية الغرب، لتجاوز هذا المحور المحصّن والتوجّه شمالاً وغرباً. فمع تعزيز الهجوم على أربعة محاور رئيسة، هناك احتمال كبير لاختراق الخط الدفاعي الأوكراني، وتقسيم قواته إلى مجموعات مشتّتة. وفي اتجاه محور إيزيوم، شرق خاركيف، تدور معارك طاحنة جنوباً، حيث زجّت القوات الأوكرانية بتعزيزات كبيرة، في محاولة منها لمنع القوات الروسية و»الشعبية» من التموضع وتركيز وجودها. وتفيد المعطيات بنجاح القوات الروسية و»الشعبية» في الصمود وإفشال الهجوم الأوكراني المضاد، وتحويله إلى عملية عكسية بوجه القوات الأوكرانية المرابطة في هذا المحور المحصّن، وفتح المجال أمام التقدم إلى لوزوفايا وبيرفومايسكايا، غرب إيزيوم. وفي أعقاب حسم المواجهة هناك، وهو بات أمراً حتمياً، ستصبح القوات الأوكرانية المرابطة في كراماتورسكايا وسلافيانسك، جنوب شرقي إيزيوم، في وضع حرج للغاية، ليصبح موقف كافة القطعات المسلحة الأوكرانية المرابطة على محور جبهة شمال الدونباس، حرجاً أيضاً. وفي شأن ما يُشاع حول إعداد قوات بولندية للتوغّل في اتجاه الحدود والسيطرة على مناطق كانت تاريخياً جزءاً من بولندا، حيث يمكن التحضير لسيناريو انتفاضة شعبية يطالب فيها السكان من أصول بولندية، بإعادة الانضمام لبولندا، لا يرى الخبير العسكري، يوري بودولياكا، إمكانية لترجمة ذلك قريباً. ومع هذا، يشير بودولياكا إلى أن بولندا بدأت التحضير، منذ الآن، للسيناريو المذكور، وهو ما يدلّ على أن احتمال الاشتباك المباشر بين القوات الروسية والبولندية بات وارداً.
ومع اشتداد الضغوط الغربية على موسكو، فاجأ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، العالم بخطوةٍ ستكون لها ارتدادات مهمّة على أسواق الطاقة والمال. إذ أعلن، يوم أمس، أن بلاده قرّرت تحويل مدفوعات إمدادات الغاز نحو أوروبا إلى عملة الروبل في أسرع وقت ممكن. وأصدر، خلال اجتماع للحكومة، تعليمات للمصرف المركزي ومجلس الوزراء «لتحديد إجراءات المعاملات مع أوروبا بالروبل الروسي في غضون أسبوع»، مشيراً إلى أنه «لا معنى لتوريد السلع الروسية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتلقّي المدفوعات باليورو أو الدولار»، مضيفاً أن موسكو اتخذت قرارها بالامتناع عن استخدام «عملات الدول غير الصديقة» في نقل الغاز. وأكد بوتين أن روسيا ستواصل توفير إمدادات الغاز بحسب العقود المبرمة، على الرغم من اتخاذ عدد من الدول «قرارات غير قانونية» بتجميد أصول بلاده. وفي الموازاة، قرَّرت روسيا طرد ديبلوماسيين أميركيين، رداً على طرد واشنطن 12 عضواً في البعثة الديبلوماسية الروسية لدى الأمم المتحدة مطلع آذار الجاري، وفق ما أعلنت وزارة الخارجية الروسية.