بغداد | مُني حليف الولايات المتحدة وإسرائيل الأوّل في العراق، «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، بنكسة جديدة في ما يتعلّق بمشروعه الانفصالي المتجدِّد، بعد الضربة الصاروخية الإيرانية الأخيرة التي وجَّهت أقوى صفعة إليه منذ إحباط نتائج الاستفتاء على استقلال كردستان في عام 2017. وكان الحزب يراهن على حكومة الغالبية التي ينادي بها التحالف الثلاثي، بهدف تخريب علاقات العراق مع إيران أولاً، ومن ثم الدفع في اتجاه تعظيم دوره على الساحة الكردية خاصّة، وهو ما كان قد بدأ العمل عليه من خلال الإصرار على إبعاد برهم صالح عن الرئاسة، كمرحلة أولى، ليكون مشاركاً في اختيار الرئيس العراقي المقبل، حتى لو كان ملزَماً، في هذه المرحلة، بالاستمرار في الاتفاق مع «الاتحاد الوطني الكردستاني»، القاضي بأن تكون رئاسة العراق لـ»الاتحاد»، ورئاسة الإقليم لـ»الديموقراطي».الضربة الإيرانية لم تسقط مشروع الانفصال الكردي الذي تنظر إليه تل أبيب كهدف استراتيجي فحسب، وإنّما أربكت الرهان على حكومة الغالبية التي يطلّ مشروع الانفصال برأسه من خلالها، على رغم مكابرة أطراف التحالف الثلاثي، ولا سيما بعد تثبيت الحرس الثوري الإيراني قواعد اشتباك جديدة تقضي بأن إيران ستستهدف مقرّات «الموساد» في كردستان، إذا لم يعمَد العراق إلى إزالة هذه المقرّات، واستمرّ استهداف أمن الجمهورية الإسلامية انطلاقاً منها. ويُعدُّ استمرار زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، في خيار التحالف مع «الديموقراطي»، على رغم استضافته قواعد إسرائيلية، محرجاً للصدر ومكلفاً له، وخاصة داخل الأوساط الشعبية المؤيّدة له، والتي اعتادت على لهجة معادية لإسرائيل من قِبَله. ‎‎‎فإدانة الصدر المتسرّعة للهجوم الصاروخي الإيراني، استندت إلى إنكار حقيقة وجود قواعد إسرائيلية في كردستان العراق، إلّا أن تصريحات أميركية وإسرائيلية جديدة أكدت، بما لا يَدع مجالاً للشكّ، أن المنشأة المستهدَفة تؤوي بالفعل قاعدة إسرائيلية. وفي هذا السياق، قال قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال فرانك ماكينزي، في تعليق على الضربة الإيرانية، إن تبادل الهجمات بين إيران وإسرائيل في سوريا والعراق يعرّض الجنود الأميركيين للخطر، مؤكداً - ضمناً - أن المقرّ المستهدَف في أربيل، إسرائيلي ويتلطّى وراء الوجود الأميركي في العراق. كما أكد الضابط السابق في شبكة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، «أمان»، يوني بن مناحيم، في مقال نشره موقع «زمن إسرائيل»، أن «الموساد سيبذل، في الفترة المقبلة، جهوداً حثيثة للحصول على معلومات استخبارية دقيقة وعالية الجودة حول أهداف مختلفة في إيران، من خلال قاعدته الموجودة في أربيل». ‎‎‎
«التيار الصدري»: لا يوجد، كما يعتقد البعض، حوارات بيننا وبين الدول الإقليمية


وفي ما يعكس تأثير ما حدث في كردستان، على التوازنات في الساحة العراقية، تباطأت المفاوضات في شأن تشكيل حكومة جديدة، يفترض أن يجري تأليفها بعد انتخاب رئيس للجمهورية في 26 آذار الجاري، وإن كانت الحوارات ما زالت مستمرّة. وبدت أطراف التحالف الثلاثي مرتبكة، فيما تراجعت وتيرة الحديث عن حكومة غالبية، على رغم الاستمرار في المكابرة، ولا سيما من طرف «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، إذ قال القيادي في الحزب، صبحي المندلاوي، لـ»الأخبار»، إنه «لا توجد حوارات واتصالات مباشرة معنا نحن كأكراد. كما هو معروف، ستؤجِّل عطلة أعياد نوروز الاتصالات»، مضيفاً «(أننا) ما زلنا على موقفنا، وما زال مرشّحنا للرئاسة هو السيد ريبر أحمد، وهو مرشح تحالف الغالبية أو تحالف إنقاذ وطن، وبالتالي ننتظر الأيام المقبلة. إذا سارت الأمور كما هي عليه الآن، سيكون التصويت داخل البرلمان هو الفيصل».
وتكشف وثيقة إسرائيلية مسرّبة، نشرتها مواقع على الإنترنت، أنه كان جرى تعيين وزير داخلية الإقليم، ريبر أحمد، ممثِّلاً مفوّضاً لمسعود بارزاني لدى الحكومة الإسرائيلية، وأنه قام، بين عامَي 2016 و2017، بزيارات عديدة إلى إسرائيل للتباحث حول الاستفتاء على استقلال كردستان. لكنّ ترشيح ريبر أحمد، يمثّل تكتيكاً من قبل الحزب لدفع «الاتحاد الوطني» للتخلّي عن ترشيح الرئيس برهم صالح، لولاية ثانية، واختيار مرشّح آخر من «الاتحاد» للرئاسة.
من جهته، أكد القيادي في «التيار الصدري»، النائب السابق رياض المسعودي، لـ»الأخبار»، أنه «لا توجد مفاوضات حالياً، وإنّما حوارات مستمرّة للوصول إلى نتائج مرضية»، موضحاً أن التيار طرح مشروعاً سياسياً واضحاً للخروج من الانغلاقات، وصولاً إلى تشكيل حكومة قوية قادرة على تطبيق برنامج حكومي تحت رقابة صارمة من مجلس النواب. وقال المسعودي إن «جزءاً من القوى السياسية الشيعية يستطيع، إذا رغب، أن يأتي مع التيار الصدري لحفْظ التوازن ولتحقيق رسائل اطمئنان لبقيّة القوى السياسية الأخرى. فهذه الحكومة ليس هدفها الانتقام، وإنّما تصحيح العملية السياسية والتأسيس لمشروع سياسي مستديم وواعد». واعتبر أن «التأثير الإقليمي والدولي تراجع عن المستوى السابق، مع أنه موجود سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. لكن لا يوجد، كما يعتقد البعض، حوارات بين الكتلة الصدرية والقوى السياسية، مع الدول الإقليمية بشكل مباشر حول شكل الحكومة المقبلة. وإنّما يوصلون رسائل بضرورة مشاركة الجميع، وأن تكون هذه العملية السياسية توافقية».
أما النائب عن «ائتلاف دولة القانون»، عارف الحمامي، فقال، في حديث إلى «الأخبار»، إن «المفاوضات مستمرّة، ونأمل أن تسفر عن نتائج إيجابية»، لكنه ربط مشاركة «الإطار التنسيقي» في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، بنتائج التفاوض مع الكتل السياسية حول تشكيل الحكومة. ويحتاج انتخاب الرئيس إلى نصاب ثلثَي أعضاء مجلس النواب في الدورة الأولى؛ فإذا لم يتحقَّق، يجري الانتخاب بالغالبية المطلقة، لكن الجلسة لا تنعقد إذا لم يحضرها ثلثا الأعضاء. وبالتالي، يمكن لـ»الإطار» تعطيل الجلسة. كذلك، اعتبر حمامي أنه كان للاتصال الهاتفي بين الصدر ورئيس «دولة القانون»، نوري المالكي، أثر مهمّ في كسر حاجز الجمود بين الرجلَين.