تسعى إسرائيل، برعاية وتوجيه أميركيَّيْن، إلى إنشاء منظومة إنذار دفاعية إقليمية تشارك فيها مكوّنات المعسكر الأميركي في المنطقة، لمواجهة «تهديدات» إيران وحلفائها. مشروع المنظومة الذي كان على طاولة البحث الإقليمي في الفترة الأخيرة، وجد محفّزات إضافية بعد الهجوم الإيراني على المنشأة الإسرائيلية في أربيل العراقية، ضمن مساعٍ لتقليص دائرة تلك التهديدات، ومنع تطوّر المواجهة، بما يتوافق مع مصالح تل أبيب. والمسعى الإسرائيلي - الأميركي، الذي يدلّل على ارتفاع منسوب القلق لدى الجانبَين من تطوّر القدرات الإيرانية، ومحاولة تظهير اقتدار مضادّ في مواجهة ذلك التطوّر، ليس جديداً، لكن إعادة تظهيره في هذه المرحلة مرتبطة، في جزء منها، بتهدئة روع الحلفاء الخليجيين، ومنعهم من الانكفاء أمام التوثّب الإيراني، عبر الحديث عن منظومة حمائية أميركية إسرائيلية ستظلّل أمنهم، على رغم كونها في الواقع مخصّصة لحماية مصالح تل أبيب وواشنطن، بالدرجة الأولى.وكانت مصادر في المؤسسة الأمنية في تل أبيب أشارت، في حديث إلى الإعلام العبري (موقع news1)، إلى أن «الطائرات المسيّرة المسلّحة لدى إيران وحلفائها، تُعدّ حالياً واحداً من أهمّ وأكبر التطوّرات العسكرية التكتيكية إثارة للقلق لدى الإدارة الأميركية وإسرائيل ودول الخليج؛ إذ إنها تمثّل تهديداً جديداً ومعقّداً من شأنه تقويض التفوّق الجوي الأميركي والإسرائيلي في فضاء الشرق الأوسط». وعلى هذه الخلفية، تضيف المصادر نفسها، «يقود مستشار الأمن القومي (الأميركي)، جايك سوليفان، الآن مساراً خاصاً مع أوامر جديدة، لإيجاد حلول للحدّ من تهديد المسيّرات الإيرانية». ووفقاً لمصادر أمنية إسرائيلية، يتركّز الجهد حالياً على بلورة شكل خاص من تحالف إقليمي مكوّن من الولايات المتحدة وإسرائيل وعدد من دول الخليج ودول عربية أخرى، وفي أساسه «إنشاء نظام إنذار ومراقبة واعتراض الطائرات المسيّرة الإيرانية التي تعمل بالفعل بشكل مكثّف في المنطقة». ماذا يعني ذلك؟
أوّلاً: يبدو واضحاً أن «حلف الإنذار الإقليمي» ليس وليد الساعة، وبالتأكيد ليس ردّ فعل مباشراً على الضربة الصاروخية الإيرانية في أربيل، بل إن الضربة قد تكون مناسبة لتظهيره، بعدما اجتهدت واشنطن وتل أبيب في الدفْع إليه بوصفه واحدة من أهمّ نتائج اتفاقات التطبيع الأخيرة.
ثانياً: يَظهر واضحاً أيضاً أن التوثّب الإيراني لتوجيه ضربات صاروخية أو غيره من الخيارات العسكرية والأمنية، لن يكون مقتصراً على الساحة العراقية، وهي نتيجة طبيعية يجب توقّعها بالنسبة إلى دوائر القرار في واشنطن وتل أبيب والعواصم الإقليمية المعنيّة، في أعقاب هجوم أربيل. وإذا كان يصعب على إسرائيل والراعي الأميركي الانكفاء نتيجة الهجوم، فهذا يعني ترجيح أن يواصلا اعتداءاتهما على إيران، وفقاً لاستراتيجية «الموت بألف جرح» التي أُعلنت وبدأ تنفيذها. ذلك أن الانكفاء يُعادل خسارة سيبني عليها الإيرانيون خطواتهم اللاحقة التي لن تقتصر على ساحة واحدة أو شكل واحد، فيما مواصلة الاعتداءات ستدفع طهران إلى معاودة الردّ، بما يتناسب مع إصرار الطرف الآخر على الهجوم. ومن هنا، تبدو إسرائيل والولايات المتحدة معنيّتَين بأن تُشركا أنظمة التطبيع معهما في تمتين الموقف الهجومي - الدفاعي لتل أبيب، صاحبة المبادرة حتى الآن، عبر نشر مظلّة حمائية جوّالة في المنطقة، مع الأمل بأن تُولّد لدى الحلفاء نوعاً من الاطمئنان، يرجّح أن يكون مصطنعاً، من دون أن يفلح في إلغاء جوهر التهديدات.
يَظهر واضحاً أن التوثّب الإيراني لتوجيه ضربات صاروخية لن يكون مقتصراً على الساحة العراقية


ثالثاً: منظومة الإنذار المبكر التي يجري الحديث عنها، ستكون عملياً منظومة لإفادة إسرائيل أوّلاً، قبل أن تكون مخصّصة للأماكن التي ستتموضع فيها هكذا منظومات.
رابعاً: يشير الحديث العلني عن قيادة أميركية مباشرة للمشروع، إلى محاولة واشنطن تظهير الجدّية والإصرار في تنفيذه بهدف الضغط على الجانب الخليجي، الذي يدرك أن مظلّة إنذارية كهذه مشبعة بالتهديدات المباشرة لأمنه، لكنه سيكون مضطراً للانخراط فيها كونها مطلباً أميركياً أوّلاً، وإسرائيلياً ثانياً.
خامساً، وهو الأهمّ، تريد إسرائيل أن تؤكد للجانب الإيراني أن المعركة مستمرّة، وأنها لن تنكفئ، وهي تبحث من بين التهديدات عن فرص لتعزيز موقعها وموقفها، وإن كان على طاولة البحث والتقدير في تل أبيب أن مسار المواجهة ومستواها باتا مغايرَين لما كانا عليه في الماضي، فيما يتعذّر من الآن تحديد نتائجهما النهائية.
كيفما اتفق، تظلّ الضربة الإيرانية لأربيل ردّاً على اعتداء مبادَر إليه، أي أنه لا يلغي كون إسرائيل في موقع المبادر، وإيران في موقع ردّ الفعل. وإذا كانت الضربة غير كافية في ذاتها كي تُغيّر المعادلات وقواعد الاشتباك بين المعسكرَين في المنطقة، إلّا أنها أيضاً إشارة إلى توثّب إيراني، ستكون حاضرة، وبقوّة، لدى صانعي القرار في تل أبيب وواشنطن، قبل أن تفكّرا في استئناف أيّ اعتداء جديد.