تتعرّض العلاقة الإستراتيجية بين السعودية والإمارات من جهة، والولايات المتحدة من جهة ثانية، لاختبار هو الأوّل من نوعه منذ عقود. إذ إن تَوجّه الدولتين لتعزيز صلاتهما بكلّ من موسكو وبكين في الآونة الأخيرة، يشير إلى تحوّل لديهما نحو «تنويع الشراكات»، خصوصاً في ظلّ غياب التطمينات الأميركية الجازمة بخصوص حماية أمنهما القومي، والذي جاءت الحرب الأوكرانية لتُضاعف مخاوف الرياض وأبو ظبي منه. وعلى رغم نفي البيت الأبيض واقعة رفض وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، ووليّ عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، تلقّي اتّصالات هاتفية من الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلّا أن الواقعة يبدو أنها حدثت فعلاً، لتكشف مجدّداً الامتعاض السعودي - الإماراتي من الأداء الأميركي في حرب اليمن، كما في مفاوضات فيينا. ولعلّ ما يؤكّد ذلك ما نقلته «رويترز» عن مصدر خليجي من أنه «كان على واشنطن أن تتحرّك قبل الأزمة الأوكرانية نحو إصلاح العلاقة مع حلفائها والتنسيق معهم مُقدّماً». وتُعدّ هذه من المرّات النادرة التي تتجرّأ فيها دول خليجية على الاعتراض على سياسة الولايات المتحدة بهذا الوضوح، بعدما عُرف عنها التسليم لإرادة الأخيرة، وهو ما يُردّ إلى مجموعة تطورات وضعت تلك الدول على مفترق طرق، وأجبرتها على الاختيار بين الالتحاق بالركب الأميركي من دون ثمن، أو التوقّف عن الدفع المجاني والبحث عن مصالحها الذاتية وعرض مواقفها للمقايضة. وعلى خلاف عادتها في أحداث مشابهة، تجنّبت دول الخليج الانحياز، بشكل كامل، إلى أيّ طرف من أطراف الحرب الأوكرانية، فيما استطاعت، إلى الآن، احتواء الضغوط التي تمارَس عليها من قِبَل الغرب عموماً، وواشنطن خصوصاً. والظاهر أن موقف الحياد هذا لم يأتِ من فراغ؛ إذ أفضى الانسحاب الأميركي من أفغانستان بطريقة عشوائية وترك الحلفاء من دون حماية، وكذلك تخفيف التواجد العسكري الأميركي في الإقليم، فضلاً عن غياب الاستجابة للمطالب المتكرّرة بإدراج «أنصار الله» على قائمة الإرهاب، إلى تولّد شعور بالخوف من ألّا تؤدي الحماية الأميركية المفترَضة لهذه الدول إلى تحقيق أهدافها، خصوصاً بعد فشل واشنطن في حماية العاصمتَين الخليجيتَين (الرياض وأبو ظبي) من عمليات «أنصار الله» في اليمن، وفي ظلّ التوجّس من أن تدفع العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني إلى تعزيز دور طهران في الإقليم. واليوم، تسبّب التحريض الأميركي لأوكرانيا على استفزاز روسيا، ومن ثمّ تركها أثناء دخول الجيش الروسي إلى أراضيها من دون حماية، إلى إعادة طرح الأسئلة نفسها، الأمر الذي عبّر عنه مستشار وليّ عهد أبو ظبي، عبد الخالق عبد الله، بالقول إن «غزو روسيا لأوكرانيا قد يفتح شهيّة إيران لغزو دولة خليجية، ليتكرّر سيناريو غزو الكويت، والسؤال ماذا سيكون موقف أميركا التي اكتفت بعقوبات من دون إرسال جنودها للدفاع عن دولة أوروبية ديموقراطية. فهل ستدافع عن دولة خليجية وهل يمكن الرهان على أميركا بعد اليوم؟ هذا أكبر تحدّ لأمن الخليج مستقبلاً».
غياب الاستجابة الأميركية لمطلب إدراج «أنصار الله» على قائمة الإرهاب ولّد خيبة سعودية إماراتية


تعتبر السعودية والإمارات أن السياسة الأميركية الخارجية، ولا سيما في الشرق الأوسط، باتت تحتاج إلى «إصلاحات». وتنطلق الدولتان، في ذلك، من أن تهديدهما من قِبَل «أنصار الله» باتت له تأثيرات إقليمية ودولية، كونه يشكّل خطراً على أمن الطاقة وأمن الممرّات المائية. ولذا، فإن الولايات المتحدة، وفق الرؤية الخليجية، أمام امتحان صعب في المنطقة، ومعيار استجابتها لتصحيح علاقتها مع الخليج، سيكون سياستها في اليمن. وفي هذا الإطار، يرغب التحالف السعودي - الإماراتي في أن تنخرط الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب، أو أن تزيد معونتها الاستراتيجية الكاسرة للتوازن والقادرة على ترجيح كفّة «التحالف». وهكذا، تبدو الأزمة الأوكرانية فرصة بالنسبة إلى الرياض وأبو ظبي، اللتين تدركان أنهما غير قادرتَين في الوقت الحاضر على مغادرة الفلك الأميركي، لتذكير واشنطن بضرورة العمل على تطمين حلفائها التاريخيين، من خلال وقوفها الكامل إلى جانبهم في الحرب على اليمن. وفي اعتقاد السعودية والإمارات، أن مشاركة من هذا النوع لن تُكلّف الولايات المتحدة الكثير، سواءً على مستوى الفاتورة العسكرية أو التبعات السياسية. أيضاً، في دفتر مطالب «التحالف» من الولايات المتحدة، رفض المبادرات الأممية وغيرها القائمة على إنهاء الصراع في اليمن على أساس وقائع الأرض، باعتبارها تعزّز موقع اليمنيين التفاوضي، والجنوح بدلاً منها نحو رفض الاعتراف بنتائج الحرب.
غير أن موضوع اليمن ليس القضية الوحيدة العالقة بين الجانبَين الخليجي والأميركي؛ إذ نسبت صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى مسؤولين سعوديين قولهم إن محمد بن سلمان يريد أيضاً، حصانة قانونية في الولايات المتحدة، حيث يواجه عدّة دعاوٍ قضائية فيها، بما في ذلك قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي عام 2018. وأشارت الصحيفة إلى أن «البيت الأبيض عمل على إصلاح العلاقات مع السعودية والإمارات، كونه يحتاجهما إلى جانبه في وقتٍ ارتفعت فيه أسعار النفط إلى أكثر من 130 دولاراً للبرميل، للمرّة الأولى منذ 14 عاماً تقريباً».