ثلاثة أسابيع تلت صدور قرار المدعي العام لدى ديوان المحاسبة، القاضي فوزي خميس (الرقم 2) الذي ألزم بموجبه المديرية العامة للطيران المدني التعميم على شركات الطيران تحويل المبالغ المقبوضة بالدولار الأميركي الفريش، بدل إجراء فحوص الـ pcr، لحساب وزارة الصحة والجامعة اللبنانية.كان منتظراً من الشركات ــــ أو هكذا ظنّ المعنيون ــــ أن تبادر إلى إعادة ما هو «أمانة» إلى أصحابها (50 مليون دولار على أساس مذكرة التفاهم الأولى الموقّعة بين المديرية العامة للطيران المدني والجامعة اللبنانية ووزارة الصحة التي فرضت استيفاء 50 دولاراً عن كل راكب لإجراء فحص الـ pcr)، إلا أنها التزمت الصمت واستغرقت في إعداد المطالعات للردّ على تعميم مديرية الطيران المدني، ومن خلفه قرار القاضي خميس.
بعد ثلاثة أسابيع من الصمت، كان أول الغيث مع خروج أولى المطالعات عن «إمبراطورية» طيران الشرق الأوسط ومجموعة الخطوط الجوية القطرية... وخلاصتها: «مش دافعين».
شركات الطيران ردّت بأنها غير معنية بالتعميم، وتالياً بالقرار الصادر عن خميس، وترفض تسديد أي مبلغ بالدولار الأميركي للجامعة والوزارة، معتبرة أنها «بريئة الذمّة من أي مبلغ استوفته من أي راكب لغرض إجراء فحص الـ PCR»!
ثلاثون صفحة اطّلعت عليها «الأخبار»، استعرضت فيها «ميدل إيست» الأسباب «الموجبة» التي تدفعها إلى المطالبة بفضّ سيرة الخمسين دولاراً وكأنها لم تكن. في مقدم المبررات، عادت الشركة إلى مذكرة التفاهم التي «لم تفرض دفع المبلغ بالدولار الفريش»، و«تذكّرت» الشركة التي تتقاضى ثمن تذاكرها بالدولار الفريش أن سعر الصرف «الرسمي» لا يزال 1507 ليرات. وبما أنها حولت المبالغ في وقتها، فإنها في حلّ من أمرها. وللتأكيد على «مظلوميتها» من تعاطي الدولة معها، لفتت الشركة إلى أنها «تقدم منذ عدة أشهر ولا تزال مساعدات مالية كبيرة من أموالها الخاصة لتشغيل المطار. وفي المقابل، تراكم بذمة الدولة نتيجة تعاقد مجلس الإنماء والإعمار مع شركة الشرق الأوسط لخدمة المطارات مبالغ باهظة تناهز المئة مليون دولار (...) ولا يتأخر المجلس فقط بالتسديد، وإنما يسددها بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي». كما رأت مطالعة الشركة أن أموال الـ pcr ليست حقاً للجامعة والوزارة، بل «ضريبة غير مباشرة فرضتها اتفاقية موقّعة من فرقاء تنعدم لديهم كل صلاحية لفرض هذه الضريبة (....) حيث إن إقرار مثل هذه الضريبة وتخصيصها محصور بالمجلس النيابي ويخرج كلياً عن اختصاص الإدارة»، وبناءً عليه، تعدّ هذه المذكّرة «سنداً باطلاً، وبالتالي التعميم». واستطراداً، لا يجوز «إصدار تعميم أو قرار إداري بمفعول رجعي».
هكذا، ارتأت شركة الطيران الوطنية أن «تنصب» على الجامعة الوطنية وعلى الوزارة، مطالبة بالرجوع عن التعميم ووقف تنفيذه.
الشركات التي تبيع التذاكر بالدولار ترى أنّ تقاضي الجامعة و«الصحة» أموالهما بالدولار مخالف للقانون


وعلى الدرب نفسه، سارت مجموعة الخطوط الجوية القطرية التي رأت أن التعميم ومن خلفه القرار «مجحف بحق شركات الطيران ومستوجب الردّ»، مشيرة إلى أن «هذا المبلغ فرض على شركات الطيران ولم يؤخذ برأيها إن كانت توافق أو لا على استيفائه ولم تكن طرفاً في مذكرة التفاهم كما أنه ليس قانونياً، إذ صدر بموجب تعميم عن المديرية العامة وليس بموجب قانون أو مرسوم». «القطرية» حاولت أن تكون «ملكية» أكثر من «الوطنية»، فغاصت في التفاصيل لناحية اعتبار أن التعميم الأول المتعلق باستيفاء قيمة الخمسين دولاراً من الركاب «طلب تسديد القيمة إما بالدولار الأميركي من دون تحديد فريش أو بالعملة الوطنية، أي الليرة اللبنانية على أساس سعر الصرف الرسمي الذي ما زال حتى تاريخه 1507 ليرات، أي ما يعادل 75375 ليرة». وقد عززت رأيها بالقانون اللبناني الذي «لا ينصّ على أن إيفاء المبالغ يجب أن يكون فريش، فهو لا يتضمن أي تمييز بين فريش وغير فريش، ولذلك فإن الفرض على الشركات التسديد بعملة الفريش مخالفة واضحة للقانون اللبناني»! كما أنها لم تتبلغ من المديرية العامة للطيران أو أي شركة «وجوب الدفع بالدولار، فشركات الخدمات الأرضية تابعت ومن دون أي اعتراض قبض المبالغ وفق الآلية المتبعة بالأساس، أي بتحويل مصرفي إلى الحساب المبلغ من شركات الطيران».
بغض النظر عن المطالعتين، إلا أن ما فات الشركتين أن المبالغ التي تطالب الجامعة اللبنانية بتسديدها بالدولار الأميركي، تعود للفترة التي بدأت فيها شركات الطيران باستيفاء بدل فحص الـ pcr وتذكرة السفر بالدولار الأميركي حصراً. وبما أن هذا البدل «تستوفيه الشركات كأمانة وجب عليها ردّه إلى الجامعة اللبنانية بالعملة التي دفعها المسافر»، على ما يقول رئيس الجامعة اللبنانية بسام بدران، لافتاً إلى أن هذه «ليست ضريبة، إنما هي بدل لقاء عمل قامت به الجامعة اللبنانية التي يحقّ لها بحسب قانون الموازنة أن تقوم بأعمال لمصلحة الغير كما إجراء المناقصات». لذلك، الجامعة «متمسكة بحقها في الخمسين مليون دولار»، وما عدا ذلك، «إثراء غير مشروع حصّلته الشركات على حساب الجامعة»، محمّلاً المسؤولية للشركات وللمديرية العامة التي تشترك هي الأخرى في نسف حق الجامعة... بالتغاضي.
منسق اللجنة القانونية في المرصد الشعبي، المحامي جاد طعمة، لفت إلى أن «شركات الطيران عندما كانت تغتني على حساب الجامعة اللبنانية تناست المبدأ بأن هذا المبلغ لا رسم ولا ضريبة، وإنما هو بدل خدمة تؤديها الجامعة وفرضتها وزارة الصحة التي تملك الحق بذلك». بالنسبة إلى طعمة، «هذا الأمر محسوم، والتذرّع بأنهم ليسوا طرفاً في العقد الموقّع ليس له معنى، إذ إن هذه الشركات ليس لها الخيرة بأمرها، وإنما ملزمة بتطبيق تعليمات المديرية العامة للطيران المدني». أما بالنسبة إلى عملة الدفع، فيعود طعمة إلى المادتين الرابعة والسابعة من العقد اللتين تنصّان على كيفية استيفاء المديرية المبالغ من الشركات وطريقة تحويلها، مؤكداً أنه كان يتوجّب على الشركات «دفعها بالدولار الأميركي حصراً».