فتحت المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون ملف رؤساء مجالس إدارة المصارف اللبنانية في واحدة من محاولاتها لاستعادة ودائع اللبنانيين المنهوبة ومحاسبة المسؤولين عن أكبر عملية سطوٍ في تاريخ لبنان. وتُحقِّق عون في أربعة ملفات، بينها استدانة بعض المصارف ٨ مليارات دولار من مصرف لبنان في عِزّ الانهيار الاقتصادي بعد 17 تشرين الأول ٢٠١٩ وتحويلها إلى فروعها في الخارج ثم تسديدها بالليرة اللبنانية. التحقيق انطلق بموجب شكوى تقدّمت بها الدائرة القانونية لمجموعة «الشعب يُريد إصلاح النظام»، ليبدأ استدعاء رؤساء مجالس إدارة المصارف. وجاءت هذه الخطوة بعد رفض حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المثول أمام عون بناءً على مذكرة إحضار أصدرتها بحقّه، حال المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا دون تنفيذها، ما جعل سلاماً فاراً من وجه العدالة، علماً بأنه تقدم قبل يومين عبر وكيله بطلب إلى النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات لرفع منع السفر عنه، إلا أن الأخير لم يستجب لطلبه.
ملف استدانة المصارف ليس الوحيد الذي توسّع فيه التحقيق. إذ ضُمّ إليه ملف ثانٍ حول التلاعب بحسابات المصرف المركزي وإظهار الخسائر على أنّها موجودات. وقد استندت المدعية العامة إلى تقرير للخبير ألكسي زغيب المكلف من النيابة العامة الاستئنافية التدقيق في حسابات مصرف لبنان، كشف عن وجود تلاعب في أرقام النشرة الشهرية لميزانية مصرف لبنان في الأعوام الثلاثة الأخيرة. ويستند المدّعون إلى هذه المعطيات للادعاء على سلامة بالتورط في التزوير واستعمال المزوّر. كما ضُمِّنت الشكوى المؤلفة من ٨٠٠ صفحة ملف القروض، وأحصت الجهة المدعية ١٠٠ اسم لشخصية عامة ومؤسسة إعلامية حصلت على قروض بملايين الدولارات من دون الالتزام بالشروط. وزوّدت الجهة المدّعية عون بلائحة تتضمن أسماء قضاة ومؤسسات إعلامية وإعلاميين وسياسيين حصلوا على قروض بملايين الدولارات، وبشبهات حول حصول بعض هؤلاء على قروض وهمية بناءً على اتفاق بين البائع والشاري، إلا أنّ هذه المعطيات لا تزال تحتاج إلى تدقيق للتثبّت من صحّتها. كذلك زوّد أحد المحامين القاضية عون بلائحة تضمّ ٥٠٠ عقار تملكها المصارف الأساسية قُدِّرت قيمتها بـ ٧ مليارات دولار. وتم تحديد هذه العقارات بناءً على إفادات نفي الملكية التي تقدمت بها مجموعة «الشعب يريد إصلاح النظام». وتتحدث المعلومات عن احتمال توجه عون إلى إعادة إلقاء الحجز على ممتلكات المصارف وأصحاب المصارف لتكون رهناً بديلاً من الأموال التي حصلوا عليها ومنعهم من التصرّف بها. وعلمت «الأخبار» أنّ احتمال لجوء عون إلى منع عدد من أصحاب المصارف وأعضاء مجالس إداراتها من السفر لا يزال قائماً، لكنه قد يطال فقط المصارف الرئيسية التي يُشتبه في تورطها بالتواطؤ مع مصرف لبنان في الإثراء غير المشروع.
وبالعودة إلى التحقيقات التي تُجريها عون، فقد استمعت إلى كل من رئيس جمعية المصارف رئيس مجلس إدارة بنك بيروت سليم صفير والرئيس التنفيذي لبنك عوده سمير حنا ورئيسة مجلس إدارة بنك البحر المتوسط الوزيرة ريا الحسن. وعلمت «الأخبار» أنّ رئيس مجلس إدارة مصرف سرادار ماريو سرادار كشف لعون أنّه قبض مبلغ ٦٠ مليون دولار من مصرف لبنان، معرباً عن استعداده لرفع السرية المصرفية عن حساباته. ولدى توجيه السؤال لحنّا عن مدى استعداده لرفع السرية المصرفية عن حساباته، أجاب وكيله صخر الهاشم بأنه مستعد لذلك. ورداً على استفسارات القاضية، قال حنا إن «عوده» أودع بضعة مليارات من الدولارات في المصرف المركزي، وإن ما استرده كان قسماً من هذه الودائع، دفع بعضاً منها للزبائن واستخدم الباقي لتحويلات إلى الخارج.
وأبلغ صفير القاضية عون أن مصرفه حصل على مبلغ ٧٣٧ مليون دولار من مصرف لبنان، مؤكداً أنّ «هذه أموالنا... أموال المودعين». وقال إنّ الهدف من هذه القروض كان دفع الاعتمادات المستندية للتجار لتوفير السيولة. ولدى سؤال عون له عن كيفية إعادة ملايين الدولارات، أجاب بأنّه لا يذكر.
سلامة يفشل في رفع حظر السفر ولائحة بـ 500 عقار لبضعة مصارف تُقدّر قيمتها بـ 7 مليارات دولار!


وأبلغت الحسن عون: «ما كان عنا سيولة... هاي جزء من الإيداعات التي أودعناها… وهاي أكيد أموال مودعين وأخذنا سلفة من قيمة ودائعنا لدى المصرف». وذكرت أنّ الغاية من الاقتراض من المصرف المركزي كانت لدفع التزامات لبنوك المراسلة. ولدى سؤال القاضية عن طريقة إعادتها، أجابت: «في حينها لم يكن هناك فرق بين دولار ولولار!».
ويُرتقب أن يمثل أمام عون اليوم رئيس مجلس إدارة بنك لبنان والمهجر سعد الأزهري الذي كانت قد أُرجئت جلسة الاستماع إليه إلى الاثنين، إلا أنّ وكيله تقدم بطلب لتقديم موعد الجلسة إلى اليوم. كذلك أُبلغ مصرف سوسيتيه جنرال بوجوب حضور رئيس مجلس إدارته أنطون صحناوي الموجود خارج البلاد. كما حددت عون جلستين يومَي الاثنين والثلاثاء للاستماع إلى كل من رئيسَي مجلس إدارة بنك مياب علي حجيج ومصرف سيدروس رائد خوري. ويُفترض أن يعاد إبلاغ رئيس مجلس إدارة بنك الاعتماد المصرفي طارق خليفة، لكونه لم يكن مبلّغاً جراء حصول خطأ في التبليغ. وبحلول نهاية الأسبوع المقبل، يُفترض أن تستكمل القاضية الاستجوابات تمهيداً للادعاء على المشتبه فيهم ليُحال الملف على قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور.
وبالتزامن مع جلسات الاستماع، يُرتقب انعقاد جمعية عمومية للمصارف نهار الاثنين. وعلمت ”الأخبار» أنّ هناك تحضيراً للتقدم بطلب لردّ القاضية غادة عون، بعد جمع تواقيع أصحاب المصارف.