«أصبحت لدينا قدرة على تحويل الصواريخ الموجودة لدينا بالآلاف إلى صواريخ دقيقة. بدأنا ذلك منذ سنوات، وحوّلنا عدداً كبيراً من صواريخنا إلى صواريخ دقيقة». هذا الإعلان الذي كشفه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، أمس، يتجاوز في مضمونه ورسائله ونتائجه أي إعلان سابق عن قدرات المقاومة. بكل حزم وتأكيد، توجّه نصرالله إلى العدو بأن ما كان العدو يخشى تحقّقه أصبح واقعاً ينبغي له أن يأخذه في الحسبان، بما له من نتائج وتداعيات على معادلات القوة في لبنان والمنطقة.والكشف الجديد يتجاوز ما سبق أن أعلنه نصرالله في السنوات الماضية، عن أن «الأمر تم وأُنجز» في ما يتعلق بالصواريخ الدقيقة، إلى سقف جديد وأعلى. إذ يعني أن قدرات حزب الله الدقيقة باتت خارج إطار رهانات العدو على إمكانية السيطرة عليها، في البعدين الاستخباراتي والعملياتي. ومن المسلّم به أنه ستكون لهذا الإعلان تداعياته على تقديرات العدو وخياراته العدوانية في أي مستوى كانت.
ومن أهم الرسائل لهذا الإعلان، الكشف عن فشل مدوٍّ لاستراتيجية «المعركة بين الحروب» التي اعتمدها العدو في السنوات الماضية للحدّ من قدرات المقاومة. إذ إن من يملك القدرة، منذ سنوات، على تحويل آلاف الصواريخ إلى صواريخ دقيقة، فهذا يعني بالنتيجة أنه ربما بات يملك الآلاف منها، وأنه قادر أيضاً على إضافة مزيد من الآلاف إليها. كما يعني ذلك أن لا حدود أو قيود على هذا المسار التصاعدي في بناء وتطوير القدرات النوعية الدقيقة.
وفي التداعيات، ستواجه قيادة العدو، وتحديداً قيادتي الجيش والاستخبارات، تحدياً أمام الجمهور الإسرائيلي بعدما كشف نصرالله كذب الادعاءات التي روّجت لها السنوات الماضية للإيحاء بأن هذا المسار لا يزال تحت السيطرة. وسيتعيّن عليها البحث في سبل احتواء تداعيات هذا المستجدّ على أكثر من مستوى، في وقت تظهر إحصائيات في إسرائيل تراجع مستوى الثقة بالجيش، وتراجع مستوى الحافزية للخدمة في الوحدات القتالية.
لا حدود لأعداد الصواريخ الدقيقة والمسيرات التي في حوزة المقاومة


المفهوم نفسه ينسحب على المسيّرات لكن بمستويات أبعد مدى. إذ إن نصرالله لم يعلن عن تطوير مسيّرات يتم الحصول عليها من الخارج، وإنما عن تصنيع مسيّرات، ومنذ أمد طويل أيضاً. وخطورة هذا المستجدّ، بالنسبة إلى العدو، أنه يعزّز منسوب القلق الذي يهيمن على جيش العدو، والذي كشف عنه وزير الأمن بيني غانتس قبل أسابيع بالحديث عن خطورة المسيّرات المتطورة التي تدرب عليها إيران حلفاءها في المنطقة. ويُعمق المشكلة، بالنسبة للإسرائيلي، أن القدرة على التصنيع تعني أن لا حدود للأعداد التي يمكن أن يملكها حزب الله، علماً أن المسيّرات تتمتع بمزايا عملياتية تجعلها أكثر تحدياً لمنظومات الاعتراض الصاروخي، وبمستويات دقة تجعلها قادرة على إصابة أي هدف داخل إسرائيل. ولا تزال ضربة «أنصار الله» لشركة «أرامكو» السعودية، عام 2019، ماثلة أمام قادة العدو الذين اعتبروها محطة مفصلية في تطور القدرات الدقيقة وعلى مسافة مئات الكيلومترات. فكيف عندما تكون من بلد مجاور لفلسطين المحتلة.
أما ما هو أشدّ وقعاً وسيربك قادة العدو بكل عناوينهم ومؤسساتهم، فهو «الوعد» غير المسبوق بـ«أنصارية - 2»، كما لو أن السيد نصرالله يكشف للعدو بأن المقاومة على علم بما يفكر فيه ويخطط له، وما ينطوي عليه ذلك من رسائل تشير إلى اختراقات استخبارية وأمنية.


كشف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن «المقاومة أصبحت قادرةً على تحويل الصواريخِ التي لديها إلى صواريخ دقيقة، وهي بدأت ذلك منذ سنوات، كما بدأت تصنيع الطائرات المسيّرة وزيادة إمكاناتها وقدراتها منذ مدة. وفي مواجهة مسيرات العدو، في الحد الأدنى، فعّلت دفاعها الجوي الموجود منذ أيام الحاج عماد مغنية».
وخلال احتفال أقامه حزب الله في ذكرى القادة الشهداء في الضاحية الجنوبية وجبشيت والنبي شيت وطير دبا، أكد السيد نصرالله فشل مخططات العدوِ في تحجيم دورِ المقاومة، مشيراً إلى أن العدو الإسرائيلي، في السنوات الأخيرة، أدرك أن الذهاب إلى الحرب مكلف، لذلك اخترع مصطلح «المعركة بين الحروب» لوقف انتقال السلاح النوعي إلى لبنان عبر ممارسة العدوان على سوريا، «لكن المعركة بين الحروب أدّت إلى نتائج ممتازة لنا. أصبحت لدينا قدرة على تحويل الصواريخ الموجودة لدينا بالآلاف إلى صواريخ دقيقة وبدأنا ذلك منذ سنوات وحوّلنا عدداً كبيراً من صواريخنا إلى دقيقة، ولسنا بحاجة إلى أن ننقلها من إيران». وتوجّه إلى العدو بالقول: «ابحث قدر ما تريد عن الصواريخ، ونحن ننتظركم، وقد نكون أمام عملية أنصارية - 2». أضاف: «منذ مدة طويلة بدأنا بتصنيع المسيرات ولسنا بحاجة لأن نجلبها من إيران. والمقاومة فعّلت الدفاع الجوي الموجود منذ سنوات طويلة ومنذ زمن الحاج عماد»، مشيراً إلى أن «العدو لجأ إلى تجنيد العملاء في الداخل للتعويض عن عدم تمكنه من إرسال المسيرات إلى لبنان».
وكشف نصرالله أن المقاومة نفّذت في الربيع والصيف الماضيين «أوسع برنامج تدريب وتأهيل منذ عشرات السنين في وقت كانت السفارة الأميركية تصرف ملايين الدولارات وكان البعض في الداخل قايمين قاعدين». وشدّد على «أننا نرى إسرائيل في حالة انحدار وعلى طريق الزوال، والمسألة مسألة وقت ليس أكثر. وكبار قادة العدو ومنظريه ومعاهد الأبحاث وتقديرات الأمن القومي في كيان العدو يتحدثون بهذه اللغة. مستقبل المنطقة مختلف عما ينظر إليه الآخرون ويبنون عليه حساباتهم»، مذكّراً بـ«حسابات كبيرة بنيت في الثمانينيات والتسعينيات في لبنان والمنطقة وكلها ذهبت أدراج الرياح». وجزم أن «التسوية السياسية والمفاوضات لا أفق لها. والأفق الوحيد المفتوح والواعد والحقيقي والجدي هو أفق المقاومة». وذكّر بأن «هوية لبنان العربية كانت مهددة عام 1982، وكان لبنان سيصبح ملحقاً بإسرائيل والمشروع الصهيوني وكانت هناك إرادات داخلية مؤيدة في هذا الاتجاه. ويجب أن نسجّل أن المقاومة بكل فصائلها ومن ضمنها حزب الله هي التي حافظت على هوية لبنان، وخاضت مع كل الأحرار والسياديين الحقيقيين معركة تحرير لبنان واستعادة سيادته وصنع استقلاله الحقيقي الجديد وحريته وكرامته وعزته، وهي التي لا تزال تحفظ هذه الهوية». وأشار إلى أنه «مع السيد عباس الموسوي كانت مأسسة المقاومة وتحولها إلى كيان منظم قوي ومتين، ومع الحاج عماد كانت المقاومة على موعد مع الفعل والعمل وتغيير المعادلات وإسقاط أسطورة الجيش الذي لا يقهر».

العدو لجأ إلى تجنيد العملاء في الداخل للتعويض عن عدم تمكنه من إرسال المسيرات


وفي الشأن الداخلي، أكد نصرالله ضرورة «حماية الجيش اللبناني وتحصينه وإمداده بالمال والسلاح كماً ونوعاً وألا يبقى باب الدعم للجيش باباً واحداً لأن الهدف تقوية الجيش من أجل حماية البلد». وعن الانتخابات، فإن «من يتهمنا بالتأجيل هو من يريد ذلك... نحن ذاهبون إلى الانتخابات كما في المواسم السابقة بجدية وحضور قوي وبتفاعل ومسؤولية»، معلناً أن «باقون نحمي ونبني» هو الشعار الرسمي للحملة الانتخابية. ونبّه إلى أن «هناك مؤامرات عقدت في الخارج وشارك بها لبنانيون ويتكلمون بوضوح أنهم يسعون إلى الضغط على البيئة لتتخلى عن المقاومة... هناك فريق ذاهب إلى الانتخابات وفق مشروع لنزع سلاح المقاومة مع استغلال الواقع المعيشي الصعب وتحميل مسؤولية ذلك للمقاومة».
وحذّر نصرالله من أن «هناك من يريد أن يتحول لبنان إلى بلد القمع» على خلفية قرار وزير الداخلية بسام مولوي إلغاء نشاط للمعارضة البحرينية في بيروت. وشدّد على أن «حرية التعبير جزء من هوية لبنان. وفي لبنان بلد الحريات من حق الشعب البحريني المظلوم أن يحيي ذكرى انتفاضته في 14 شباط، ومن حق الشعب اليمني المظلوم أن يتحدث عن أطفاله ونسائه وعن شعبه الذي يذبح بفعل العدوان الأميركي - السعودي».