شكلت أحداث العراق نقطة مهمة بالنسبة إلى الإعلام الأميركي الذي سارع إلى ربطها بسياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما. فبعض الصحف، وإن اعترفت بالدور السلبي لرئيس الجكومة العراقية نوري المالكي في سقوط المدن العراقية الكبرى في أيدي تنظيم «داعش»، إلا أنها رأت أن إدارة أوباما تتحمل جزءاً من المسؤولية. وذهب بعضها إلى اعتبار أن هذه الأزمة يمكن أن تكون من أبرز سمات فشل السياسة الأميركية الخارجية في عهد الرئيس باراك أوباما، بعدما كان قد صرح في بداية ولايته الثانية بأن القضاء على أهم فروع «القاعدة»، هو من أبرز نجاحاته.
وفي هذا الإطار، رأت صحيفة «ذي واشنطن بوست» الأميركية، أن سيطرة «القاعدة» على مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، تؤكد واقعاً مقلقاً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، هو أن متطرفي «القاعدة» الذين يسعون إلى توسيع طموحاتهم، يشكلون تهديداً مباشراً لمصالح الأمن القومي الأميركي.
وأشارت الصحيفة إلى أن «داعش يمثّل مشكلة أكبر من القاعدة بحد ذاتها، ذلك أنه لا يمكن مخاطبته، حتى أنّ من الصعب احتواءه». ونقلت الصحيفة عن الباحث في «مؤسسة أميركا الجديدة» دوغلاس أوليفان الذي عمل مستشاراً لإدارتي الرئيس جورج بوش وباراك أوباما حول العراق، قوله إن «داعش» «يدير دولة، هو لديه كل مظاهر دولة، ولكن غير معترف بها دولياً».
وفي مقال آخر للصحيفة ذاتها، رأى الكاتب ديفيد اغناطيوس، أن سقوط الموصل في أيدي المتمردين التابعين لـ«القاعدة»، يدق جرس الإنذار حول التوسع السريع للتطرف في الشرق الأوسط. وأشار أغناطيوس إلى أنّ من الأفضل للرئيس الأميركي باراك أوباما، أن يشرح الخطة التي سيحاول من خلالها محاربة هذا التهديد، من دون تكرار أخطاء الماضي.
ولفت في هذا الإطار، نقلاً عن مسؤول في الاستخبارات الأميركية، إلى أن «داعش» يسعى إلى تجنيد مقاتلين من فروع أخرى من بينها «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» المتمركزة في اليمن و«حركة الشباب» الصومالية.

رأت «الغارديان» أن
مواقف المالكي كانت سبباً مهماً في الأزمة

من جهته، رأى الكاتب كينيث بولاك في مقال في صحيفة «وول ستريت جورنال»، أنه «بسقوط الموصل، حان الوقت للاعتراف بأن العراق دخل مجدداً في حرب أهلية»، مشيراً إلى أن «الوضع يتدهور نحو الأسوأ، إلا إذا حصل تطور دراماتيكي وغير متوقع سحب العراق من سقوطه نحو الهاوية».
وإذ رأى الكاتب أن ما يحصل في العراق «يشكل مأساة بالنسبة إلى هذا البلد وتهديداً جدياً بالنسبة إلى الولايات المتحدة»، لفت إلى أن المفتاح الأساسي للتدخل الأميركي في هذه الأزمة، هو حاجة المالكي اليائسة للحصول على المساعدة العسكرية الأميركية، لاستعادة السيطرة على البلاد».
وفي السياق، أشار الكاتب إلى أنّ «على الولايات المتحدة أن توفر الدعم العسكري للمالكي من طائرات من دون طيار وأسلحة ومعدات للاستطلاع إضافة إلى توسيع تدريب القوات العراقية وتطويره»، واضعاً في الوقت ذاته شرطاً أساسياً لهذا التدخل، هو «اتفاق المالكي مع القيادات السياسية العراقية على تسوية الصراعات الطائفية العميقة، التي أوصلت البلاد إلى محنتها الحالية».
في مقال آخر، رأت صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن «الانسحاب الأميركي من العراق، كان مناسباً لرغبة الرئيس باراك أوباما في أن يكون لديه نقطة مهمة يتحدث عنها خلال حملة إعادة انتخابه»، مشيرة إلى أن هذه النقطة وضعها أوباما فوق المصالح الاستراتيجية الأميركية. وختمت الصحيفة بالقول: «إننا اليوم أمام هذه الحقيقة: حرب أهلية في العراق وولادة ملاذ للإرهابيين، يكتسب الوسائل بسرعة، لرفع راية جيل جديد من الإرهابيين، في العراق وخارجه».
صحيفة «نيويورك تايمز»، من جهتها، دقت جرس إنذار آخر متحدثة عن تحقيق «داعش» كسباً غير متوقع باستيلائه على الأسلحة والذخائر والمعدات التي أرسلتها الولايات المتحدة إلى قوات الجيش العراقي. وأشارت الصحيفة إلى أنه بناءً على ذلك، سيتحول معظم هذه الأسلحة إلى سوريا، حيث ستواجه السياسة الأميركية فشلاً آخر، كانت تحاول تجنبه بتجنب وصول أسلحتها إلى «داعش» في سوريا.
من جهته، رأى الكاتب في مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، أنه يجب على «الولايات المتحدة أن تعمل بنشاط مع المجتمع الدولي وحلفائها ومع الحكومات الإقليمية المستقرة، للإسهام في تغيير الاتجاه المقلق»، الذي وصلت إليه الأمور في العراق.
وخرج الكاتب بخلاصة مفادها أن الاقتراح الأخير للرئيس الأميركي باراك أوباما، بدعم الجيوش الحليفة وتدريب الجيوش المحلية، قد أثبت فشله خلال الأيام الأخيرة، مؤكداً في الوقت ذاته أنه «بدل ترك الأمور على ما هي عليه، يجب تطوير استراتيجيات وتحالفات جديدة». وأوضح أن الاستراتيجية الجديدة تستوجب أيضاً «الإسهام في المجال التقني والتدريبي، إضافة إلى المشاركة الاستخبارية»، مؤكداً أنه «يجب العمل في إطار إحياء الدعم العسكري، أي التدخل عندما يكون هذا هو الحل الوحيد».
من جهتها، رأت صحيفة «الغارديان» البريطانية، أن «موقف الرئيس العراقي نوري المالكي تجاه الأقلية السنية في وسط وشمال العراق، كان سبباً مهماً في الأزمة الحالية». «فالأنبار، التي تضم المدن المضطربة كالفلوجة والرمادي، طالما اشتكت من تجاهل الحكومة لمصالحها».
وأضافت الصحيفة أنه «إثر تصاعد العنف الطائفي بوتيرة عالية خلال عام 2013، وعندما أعلنت الأمم المتحدة مقتل نحو 8000 شخص، أمر المالكي بشن هجوم في الأنبار في 23 كانون الأولى، مدعياً أن الداعمين للاحتجاجات كانوا في الواقع من القاعدة».
وذكرت الصحيفة أنه «على الرغم من خسارته السيطرة الفعلية على الأنبار ولاحقاً خسارته عدداً من الأصوات في الانتخابات، فقد أمضى المالكي الأسابيع الأخيرة محاولاً تعزيز حكومة ائتلافية تبقيه في السلطة لولاية ثالثة على التوالي»، مشيرة إلى أنه في هذا الوقت «داعش كانت تتوسع وتعزز موقفها في محافظة نينوى، التي تشكل الموصل عاصمتها».