كان صاحب «دار مدارك» الإعلامي السعودي تركي الدخيل ينوي تهريب «التطبيع الثقافي» مع الكيان الإسرائيلي تحت جنح الظلام تحت عباءة التعرّف إلى الآخر عن طريق طباعة وترجمة كتاب «السعودية والمشهد الاستراتيجي الجديد» (صدر عام 2010 عن معهد «هوفر» التابع لجامعة «ستانفورد» الأميركية) لأحد عتاة المروّجين للصهيونية جوشوا تيتلبوم، الأستاذ المحاضر في قسم الشرق الأوسط في جامعة «بار إيلان» الإسرائيلية. كتاب يعرض وجهة نظر إسرائيلية خالصة لمستقبل العلاقات السعودية مع الجار (العدو) الإيراني، وللعلاقة مع الكيان الإسرائيلي الذي يحرص على مصالح الكتلة «السنيّة في المنطقة» وفق ما ورد في أحد صفحات الكتاب.
هذا العمل المُخزي الذي دافع عنه بقوّة المترجم السعودي حمد العيسى، وشن حملة على «دار جداول» السعودية لرفضها نشر الكتاب المعرّب، ولوصفها لإسرائيل بالعدو (وهي عنده ليست عدواً أبداً)، كان يُراد له أن يسير من دون تنبه السعوديين والعرب الذين يحمل معظمهم موقفاً رافضاً للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، وأن يغدو التعاقد مع الصهاينة والنشر لهم أمراً طبيعياً لا يثير مناقشة أو اعتراضاً.
لكن مجموعة من الناشطين ذوي التوجّه القومي العروبي تنبهوا إلى هذه الخطوة وسارعوا إلى إطلاق «هاشتاغ» على تويتر بعنوان «#تطبيع_مدارك» في أيّار (مايو) الماضي، لتسليط الضوء على الكاتب ونشاطه، وطبيعة الكتاب ومحتواه، وعلى هذه الجريمة الأخلاقية، فضلاً عن تحذير الناس من مغبة الانخداع بها.
في دقائق معدودة، تفاعل كثير من النشطاء على الشبكة العنكبوتية من مختلف المشارب الفكرية مع الحملة الافتراضية، رافضين هذا الفعل المُشين الذي قامت به «دار مدارك» السعودية، باستثناء مجموعة من الليبراليين الذين برّروا الخطوة بـ«التعرّف على الآخر تارة، وبحرّية التعبير تارة آخرى». علماً بأنّ بعضهم كان من أشد المحرّضين على كتب خصومهم من الإخوان المسلمين والإسلاميين عموماً في «معرض الرياض الدولي للكتاب» الذي أُقيم في آذار (مارس) الماضي.

مقاومة ملفتة أبداها المجتمع
في المملكة تجاه هذه الخطوة

في تصريح لصحيفة «الشرق الأوسط»، قال تركي الدخيل في ردّه على الحملة الشعبية العارمة إن «الكتاب يسلّط الضوء على جانب سياسي عبر دراسة تحليلية. المنتج الثقافي والأدبي هو منتج إنساني مهما تنوّعت مصادره». وأضاف: «ما لم يفهمه المعترضون أنّنا نقدّم دراسة سياسية، ولم نستضف إسرائيليين في مدينة سعودية كالرياض أو جدة، وبالتالي فإنّنا لا نرى أنّ اختيار كتاب لمؤلف إسرائيلي هو تطبيع».
على الضفة الأخرى، يقف المعارضون للتطبيع على أرضٍ صلبة. الكيان الصهيوني عدو ومحتل لأرضٍ عربية، شُرد شعبها قسراً، ولا شرعية لهذا الكيان الاستعماري «الذي يحرص على منعنا من النهوض». وعليه، فإنّ أي نوع من التعامل معه يعطيه شرعية مرفوضة تماماً. وأوضحوا أنّ هناك «فارقاً كبيراً بين نشر مواد إسرائيلية مأخوذة من الصحف مثلاً، من باب «اعرف عدوّك»، وبين طباعة كتاب دعائي يروّج للسياسة الخارجية الصهيونية، ويرفض حالة العداء معها، ويخدم أجندتها الرامية إلى إشعال الصراعات الطائفية في المنطقة».
إقامة علاقات تجارية مع مثقفين صهاينة، واستقبالهم في مختلف المحافل الثقافية والسياسية، هو تطبيع سافر من أي دولة عربية جاء. احتجاج بعض الليبراليين أثناء النقاشات على استضافة قناة «الجزيرة» القطرية للصهاينة على شاشتها، لم يعنِ شيئاً بالنسبة إلى المجموعة التي أطلقت الحملة على تويتر، إذ إنّها تستنكر تماماً ما تقوم به القناة كما تستنكر فعل «مدارك» وكل تطبيع ثقافي مع العدو.
إن التستّر بورقة حرّية التعبير لا يغطّي غاية التطبيع مع العدو الإسرائيلي التي يسعى إليها فريق من الليبرالين السعوديين، وما قامت به «دار مدارك» يندرج ضمن «التطبيع الثقافي» المرفوض مع الصهاينة. لكن المريح في هذه الخطوة «المداركية» التطبيعية هو حجم المقاومة التي أبداها المجتمع السعودي تجاه هذه المغامرة غير المحسوبة. فقد تواصلت ارتدادات الـ«هاشتاغ» على مدى فترة طويلة، واستمر التعبير عن سخط عام على الخطوة من قبل عدد كبير من السعوديين المشاركين في النقاش.
* كاتب سعودي




بلاغ إلى «الناشرين العرب»

بعد أيّام قليلة على انطلاق حملة «#تطبيع_مدارك» على تويتر، توجّه الصحافي السعودي صلاح الحيدر برسالة إلى «اتحاد الناشرين العرب»، استنكاراً لنشر «دار مدارك» كتاباً مترجماً بعنوان «السعودية والمشهد الاستراتيجي الجديد» للإسرائيلي جوشوا تيتلبوم. وأوضح الحيدر أنّ هذه الخطوة تعد «تطبيعاً ثقافياً مع العدو الصهيوني، ومحاولة لحرف بوصلة الأمّة العربية عن معاداة الكيان الغاصب»، مطالباً باتخاذ الخطوات اللازمة تجاه الدار، «لتأكيد الثوابت العربية في ما يخص التطبيع الثقافي مع العدو». وقد سبق للناشطين السعوديين الذين أطلقوا الحملة الافتراضية أن أعلنوا تأييدهم لبلاغ الحيدر.