فيما تتابع عواصم أوروبية قضايا الاشتباه في عمليات اختلاس قام بها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في لبنان، واستخدام مصارف عالمية لتغطية عملياته، يتلقّى لبنان مزيداً من الطلبات الدولية للتعاون القضائي في هذا الملف. وبعد مراسلة في هذا الشأن وصلت من لوكسمبورغ، يُتوقع أن يتسلّم لبنان اليوم، عبر وزارة الخارجية، طلباً مماثلاً من السلطات الألمانية. فيما يقود سلامة، بواسطة سياسيين وقانونيين وإعلاميين، حملة مضادة تزعم أن هناك حملة سياسية ضدّه.عملياً، النقاش اليوم ليس حول ما إذا كانت هناك شبهات أم لا. والواضح من مجريات العمل القضائي في دول أوروبية عدة أن هناك اتهامات، وأن الطبيعة المختلفة للهرمية القضائية بين بلد وآخر، تجعل البعض يخطئ في تقدير ما يحصل. في النظام القضائي لدول كفرنسا ولوكسمبورغ، مثلاً، يوجد دور رئيسي لقاضي التحقيق، وفي لبنان يُفترض أن تمرّ الملفات بقاضي التحقيق قبل الوصول إلى المدعي العام ثم إلى المحكمة، فيما يختلف الأمر في دول أخرى. ففي سويسرا وألمانيا، على سبيل المثال، لا وجود لقاضي تحقيق، بل يتولّى المدّعي العام التحقيق قبل أن يقرّر وقف التعقبات أو الإحالة إلى المحكمة. لكنّ التحقيقات في ملفات سلامة في أوروبا تشمل نحو 20 شركة مالية وعقارية يشتبه في أن له صلة بها. ولتبسيط الأمر، فالحديث يدور عن شركات أُنشئت في الخارج واستحوذت على عقارات، لكنها كانت مملوكة من قبل شركات أخرى، وهناك معطيات تشير إلى أنها مملوكة بشكل غير مباشر للحاكم عبر فريقه المباشر المتمثل بأفراد من عائلته وعاملين معه. لذلك، يتطلّب التحقيق العودة إلى الحسابات المالية الأساسية الخاصة بسلامة والتي يمكنها تثبيت ملكية هذه الشركات بعد التعرف إلى وجهة تحويل الأموال. وهو التحقيق الذي يتولاه القاضي جان طنوس بإشراف النيابة العامة التمييزية، والذي توقف بعدما مُنع طنوس من الوصول إلى حسابات شقيق الحاكم رجا سلامة، إثر تدخل مباشر من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وطلبه إلى المدعي العام التمييزي غسان عويدات منع طنوس من إكمال مهمته.
الضغط المستمر من جانب رئيس الحكومة يترافق مع ضغوط مماثلة لمواقع ومرجعيات أخرى، من بينها الرئيس نبيه بري والنائب السابق وليد جنبلاط والبطريرك الماروني بشارة الراعي وأركان في جمعية المصارف ومصرفيون ووسائل إعلامية.
وقد تلقّى لبنان أخيراً رسالة من سلطات لوكسمبورغ تطلب معلومات تتعلق بحسابات وأصول يُعتقد أن ملكيتها تعود لسلامة وشقيقه، مثل «فولوود للاستثمار» و«ستوك ول للاستثمار» و«بي ار 209 للاستثمار» و«زل للاستثمار»، إضافة إلى شركات أخرى أُرفقت تفاصيلها في الاستنابة القضائية السرية التي صدرت عن السلطات القضائية في لوكسمبورغ.
لكنّ مصادر قضائية استغربت «المماطلة» في التحقيقات. ففي سويسرا، مثلاً، لم تصل السلطات إلى نتيجة حاسمة بالرغم من أنها تحقق في الأمر منذ عام 2015، ما يشير إلى أن هناك، ربما، لديهم من يريد إخفاء تورط مصارف سويسرية في العمليات المشبوهة موضع التحقيق. والأمر نفسه ينطبق على فرنسا حيث كشفت معلومات صحافية عن وجود شركاء محليين للمصرفيين اللبنانيين في كل عمليات تبييض الأموال.
مشاركة طنوس في الاجتماع الأوروبي كانت ستدفع إلى إجراءات عقابية بحق مصارف لبنانية ترفض التعاون


المصادر نفسها عزت منع القاضي طنوس من المشاركة في الاجتماع الذي عُقد الأسبوع الماضي في باريس للتنسيق بين السلطات القضائية الأوروبية في ملفات سلامة، إلى أن طنوس «قادر على تقديم معطيات كثيرة، وهو كان سيطرح امتناع مصارف لبنانية عن تقديم المعطيات الضرورية للتحقيق، ويؤكد أن السرية المصرفية لا تسري في حالة التحقيق في الإثراء غير المشروع». وقدّرت المصادر أن هذا الأمر «كان سيدفع بالمشاركين من السلطات القضائية الأوروبية إلى خطوات، من بينها الطلب من حكوماتهم اتخاذ إجراءات عقابية بحق مصارف ومصرفيين لبنانيين يرفضون التعاون في التحقيق بما يشكل مخالفة لاتفاقيات التعاون في مكافحة الفساد»، مشيرة إلى أن «السلطات القضائية الأوروبية تحتاج إلى المعلومات من لبنان، لأن قرار حجز أي عقار أو مصادرته يحتاج إلى حكم يجب أن يستند إلى معطيات تحسم بأن الأموال التي استُخدمت في شراء هذه العقارات مصدرها حسابات في مصرف لبنان وتخصّ رياض سلامة، أو من حسابات في مصارف أخرى تخصّ شقيقه رجا. وهم، كما القضاء اللبناني، يريدون معرفة حركة حسابات رياض وشقيقه ومساعدته ماريان الحويك خلال فترة زمنية محددة». لذلك، ركّزت المصادر على أن «القضية اليوم هي أن على لبنان حسم أمر التعاون والتجاوب مع طلبات المساعدة الخارجية من سويسرا وفرنسا ولوكسمبورغ لجهة الاستحصال على حسابات رياض ورجا سلامة».
على صعيد متصل، قالت مصادر رسمية إن زيارة النائب العام القاضي غسان الخوري لبلجيكا كانت مقرّرة لغرض لا يتعلق بالتحقيقات، لكنّ سلطات بروكسل طلبت الاستفسار عن ملف التحقيق في قضية سلامة. وأضافت أن الخوري استأذن النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات لحضور الاجتماعات مع السلطات القضائية البلجيكية.