بغداد | على رغم أن محافظة ديالى تمثّل «خاصرة رخوة» بالنسبة إلى تنظيم «داعش» في العراق، إلّا أن الهجوم الأخير الذي استهدف موقعاً للجيش العراقي قبل أيّام وسقط خلاله 11 جندياً عراقياً، يحمل دلالات عدّة، في ظلّ الفراغ الأمني الذي يسعى الأميركيون للإيحاء بأن انسحابهم (ولو المخادِع) سيؤدّي إليه، ويمكن أن يستغلّه التنظيم لتفعيل نشاطه في هذا البلد. لكنّ الهجوم نفسه يطرح، في المقابل، علامات استفهام حول جاهزية عناصر الجيش والقوى الأمنية العراقية الذين درّبتهم الولايات المتحدة على مواجهة التنظيم، خاصة أن واشنطن أبقت قوّاتها في العراق بعد 31 كانون الأول 2021، تحت عنوان تقديم المشورة والتدريب لهذه القوى. على أن التأثير الأهمّ للاعتداء الجديد هو أنه يذكّر بفترة صعود التنظيم في عام 2014، بعدما استطاع اكتساح معسكرات قوات الأمن العراقية التي كانت مدرَّبة أميركياً أيضاً، بسهولة، وذبْح الآلاف من عناصرها، في تطوّرات أذهلت العالم في حينه، وخاصة نموذج قاعدة سبايكر شمال بغداد، حين تمكّن أقلّ من 50 عنصراً من «داعش» من خداع نحو 2500 جندي عراقي، وقتلوهم بإطلاق النار على رؤوسهم بعد أن نزعوا سلاحهم. أدّى ذلك، في حينه، إلى عودة قوّات الاحتلال الأميركي على رأس تحالف دولي، لكنّ هزيمة التنظيم لم تكن ممكنة إلّا بعد تشكيل «الحشد الشعبي» بفتوى من المرجعية وبمساعدة إيرانية قادها الشهيد قاسم سليماني. فهل سيسعى الأميركيون لاستخدام التطوّرات الأخيرة ذريعة لبقاء قوّاتهم في العراق، بعدما فقدت شرعيّة وجودها؟ما هو مختلف عن عام 2014، إضافة إلى أن العراق ليس مكشوفاً أمنياً مثلما كان في حينه، نظراً إلى وجود «الحشد الشعبي» اليوم، هو أن التنظيم يستغلّ وجود فراغ سياسي في ظلّ صراع مرير على تشكيل الحكومة المقبلة، خاصة داخل «الصفّ الشيعي»، حيث يقف البلد على خطّ فاصل بين حدَّين: فإمّا أن يكمل بالحكومات التوافقية التي تُعتبر الأقدر على مواجهة «داعش» وسائر التهديدات الأمنية الأخرى، لكن تجربتها انطبعت في المقابل بفساد متغلغل داخل مفاصل الدولة؛ وإمّا أن يذهب إلى حكومة أغلبية يقودها «التيار الصدري» تحت عنوان محاربة الفساد، إلّا أنها تُخاطر بتعميق الصراع السياسي وربّما تَفتحه على توتّر أمني داخلي، قد يمتدّ إلى داخل «الصفّ الشيعي»، الأمر الذي يمكن أن يستغلّه «داعش» للعودة بقوّة إلى الساحة العراقية. وحتى إن كان هجوم التنظيم الأحدث وُصف بالجَسور، إلّا أن اقتصار عملياته على مناطق معيّنة حتى الآن، تتميّز بأن فيها حواضن له، يعني أنه لم يصِل بعد إلى مرحلة حرية العمل التي تتطلّب السيطرة على مناطق بأكملها. ولذلك، فإن كيفية التصدّي للتهديد حالياً حاسمة لمنع التنظيم من الوصول إلى تلك القدرة.
التنظيم يستغلّ وجود فراغ سياسي في ظلّ صراع مرير على تشكيل الحكومة المقبلة


وفي هذا الإطار، يلفت السياسي والنائب السابق عن محافظة ديالى، حسام العزاوي، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «قاطع ديالى قاطع كبير وتضاريسه كثيرة، وفيه حواضن كثيرة لعناصر داعش، ولا حلّ لهذه المشكلة من دون مراقبة هذه التضاريس بالطائرات المسيّرة من أقرب دولة كإيران»، مضيفاً أنه «يتعيّن كذلك توحيد القرار في الأجهزة المختلفة في ديالى، والتي تشمل قيادة عمليات ديالى وقيادة الشرطة وجهاز المخابرات والأمن الوطني والحشد الشعبي والحشد العشائري، وتأسيس مركز عمليات مشترك بين ديالى ومحافظات كركوك وصلاح الدين والكوت، حيث تملك ديالى حدوداً واسعة مع هذه المحافظات، لتبادل المعلومات الاستخبارية». ويتّهم العزاوي، وزير الدفاع العراقي جمعة عناد الجبوري، بـ«التقصير والتغطية على كثير من الفاسدين من القادة الذين لا يستحقّون المناصب القيادية، لكنهم يشغلونها بسبب محاباته والفساد الموجود في وزارة الدفاع، ما يؤدي إلى خروقات كهذه، على رغم أن ميزانية وزارة الدفاع تصل إلى مليارات الدولارات سنوياً»، متابعاً أن «القائد العام للقوات المسلّحة، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، يتحمّل مسؤولية كبيرة أيضاً، وعليه أن يعيد النظر في كلّ الخطوط الأمنية سواء في ديالى أو غيرها، وتفعيل الخطط وفق مقتضيات المصلحة العامة». ويطالب بـ«إبعاد منظومة الجيش عن المحاصصة، وأن يتحمّل مجلس النواب المقبل مسؤولية تفعيل الرقابة على مؤسسات الدولة، ومنها وزارتا الدفاع والداخلية، وإعطاء دور كبير للقادة الحقيقيين الذين يمتلكون خبرة وتجربة كبيرتَين في الحياة العسكرية».