طهران | يبدأ الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، اليوم، زيارة رسمية إلى موسكو، تستمرّ يومين، تلبية لدعوة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وبهدف "توسيع العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية بين البلدين". وإلى جانب لقاء بوتين، يتضمّن جدول أعمال الزيارة، إلقاء رئيسي خطاباً أمام مجلس الدوما، ولقاءه مسؤولين في المجالَين الاقتصادي والنفطي، وطلاباً جامعيين روساً وإيرانيين مقيمين في روسيا. ومن هذا المنطلق، سيُرافق الرئيسَ الإيراني، في محطّاته تلك، وزراء الخارجية والنفط والاقتصاد والمالية. وتعدّ زيارة رئيسي هذه، الثالثة خارج البلاد، منذ تولّيه رئاسة الجمهورية الإيرانية، في آب الماضي، وهي تؤشّر إلى أهمية تمتين العلاقات مع روسيا، لا سيما في ظلّ الظروف التي تمرّ فيها العلاقات الإيرانية - الغربية، على وقْع المفاوضات النووية، وما يكتنفها من انعدام الثقة بين الجانبين. كذلك، تأتي الزيارة في الوقت الذي تتحضّر فيه طهران وموسكو لتمديد وثيقة التعاون الاستراتيجي بينهما، والتي تمتدّ إلى عشرين عاماً. وعلى الرغم من أنه كان من المتوقّع أن يتمّ التوقيع على تلك الوثيقة، خلال الجولة الإيرانية، إلّا أنّه أُعلن، قبل أيام، أنّها لم تبلغ المرحلة النهائية، لكونها بحاجة إلى المزيد من الدراسة والتشاور، فيما أفيد بأن البنود الجديدة التي ستتضمّنها، تتمحور حول التعاون العسكري، ومشتريات السلاح، ومكافحة الإرهاب.
تضطلع موسكو بدور محوري في المحادثات النووية على أمل التوصّل إلى اتفاق


على أن التوقيع على الوثيقة، إلى جانب الاتفاق الإيراني - الصيني الذي يمتدّ على خمسة وعشرين عاماً، وقبول عضوية إيران في "منظّمة شنغهاي للتعاون"، كلّها مؤشّرات تصبّ في سياق تمتين التقارب وتوثيق العلاقات بين إيران والقوى المنافِسة للغرب. وفي هذا الإطار، يلفت حميد رضا عزيزي، محلّل قضايا أوراسيا، والباحث الزائر في "مؤسّسة الشؤون الدولية والأمن" في برلين، إلى الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى بكّين، أخيراً. ويقول عزيزي، في حديث إلى "الأخبار"، إن "رئيسي كان يمثّل، خلال الانتخابات، خطاباً أساسه عدم الحاجة إلى الغرب وضرورة التوجّه شرقاً"، مضيفاً أن "هناك رؤية آخذة بالتنامي في إيران، مفادها أن النظام الدولي يتغيّر، ومن أهم مظاهر هذا التغيُّر انحسار قوّة أميركا، وتنامي قوة الدول غير الغربية، لا سيما روسيا والصين، إضافة إلى انتقال مركز الثقل من الغرب إلى الشرق". وبحسب عزيز، فقد "بدّد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، الآمال لدى طهران بإمكانية تحسين العلاقات مع الغرب، ودفعها إلى تحفيز التوجّه شرقاً، بالرغم من أن المصلحة الإيرانية، على المدى البعيد، تكمن في اعتماد توجّه أكثر اتّزاناً في إطار السياسة الخارجية". وربطاً بتزامن الزيارة مع محادثات إحياء الاتفاق النووي في فيينا، يعتبر عزيزي أن تحرّكات رئيسي "تعكس جهوداً إيرانية لطمأنة موسكو وبكين، إلى أن أيّ تطوّر وتحوّل في هذا المجال، لن ينعكس سلباً على العلاقات معهما". ومن جهة روسيا، فهي "تأخذ في الاعتبار أن استقرار إيران وأمنها، ينعكسان بشكل مباشر عليها"، وفق المحلّل الإيراني، الذي يرى، في الوقت ذاته، أن "موسكو التي تدخل في تنافس محموم مع الغرب، قد تفضّل عدم تطبيع العلاقات الإيرانية - الغربية".

كان رئيسي يمثّل خلال الانتخابات خطاباً أساسه عدم الحاجة إلى الغرب وضرورة التوجّه شرقاً


من جهته، يُذكّر أحمد وخشيتة، أستاذ جامعة أوراسيا الوطنية، المقيم في موسكو، بأن "رؤساء الجمهورية المتعاقبين في إيران زاروا موسكو، خلال ولاياتهم الرئاسية"، لكنّه ينبّه إلى أن "تلك الزيارات لم تكن للعمل، كما أنها لم تتمّ في السنة الأولى من الولاية الرئاسية، الأمر الذي يعدّ مؤشّراً إلى أنّ التوجّه الإيراني حالياً، يحظى بأهمية بالغة وجوهرية". ويَعتبر وخشيتة، في حديث لـ"الأخبار"، أن "المحادثات النووية تشكّل أهمّ محور لتبادل وجهات النظر بين الرئيسين، رئيسي وبوتين". ويقول إنه "في حال أخذنا في الاعتبار الدور المحوري لموسكو في مفاوضات فيينا، فإن زيارة رئيسي يمكن أن تسهم في المضيّ قدُماً فيها، والتوصّل الأسرع إلى اتفاق". وفي هذا الإطار، يشير إلى أن "وسائل الإعلام الروسية نقلت عن بوتين قوله، إن من المقرّر أن تقوم إدارته بإطلاع المسؤولين الإيرانيين على تقدّم المحادثات بينها وبين الولايات المتحدة، بخصوص الملف النووي"، لافتاً إلى "الدور الوسيط الذي تضطلع به موسكو بين طهران وواشنطن، والذي بلغ مرحلة إبلاغ النتيجة". ويرى وخشيتة أن زيارة علي باقري كني، كبير المفاوضين الإيرانيين، إلى موسكو، في الفترة الزمنية الفاصلة بين الجولتَين السابعة والثامنة من المحادثات، ولقاءه المسؤولين الروس، "كان لهما أثر مهمّ في تقدّم المحادثات"، مضيفاً أن "المندوب الروسي في المحادثات، ميخائيل أوليانوف، اضطلع بدور العامل المحفّز لإنجاحها، على اعتبار أن إحياء الاتفاق النووي يحمل أهمية بالنسبة لبلاده، التي تَعتبر أنه يخدم الاستقرار والأمن الإقليميين". وبناءً عليه، يخلص الأستاذ الجامعي إلى أنه "على الرغم من التصعيد القائم بين موسكو والغرب في قضية أوكرانيا، فإن الأولى تتابع محادثات فيينا بشكل جادّ، على أمل المضيّ قدماً في الملف النووي الإيراني".