بغداد | كان الرهان موضوعاً على الأكراد الذين سبق أن اتفقوا على الذهاب موحّدين إلى المفاوضات حول تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، للإسهام في دفع الفريقَين «الشيعيَّين» إلى التوصّل لحلّ توافُقي حول الحكومة ورئيسها، فإذا بخلاف كردي افتعله «الحزب الديمقراطي الكردستاني» برفْضه إعادة ترشيح برهم صالح رئيساً لولاية ثانية، يعيد خلط الأوراق، ويَفتح أبواب المساومات الجانبية أمام الفصائل الكردية مع القوى السياسية الأخرى، ويجعل سيناريو الحكومة التوافُقية أبعد، خاصة في ظلّ الخلافات التي ظهرت بين «التيار الصدري» و»الإطار التنسيقي»، خلال الجلسة الأولى لمجلس النواب الأحد الماضي، والتي تخلّلها اعتداء على رئيس السنّ، محمود المشهداني، وتراشُق بالهتافات.وأنبأ إصرار «الصدري»، ومعه تحالفَا «عزم» و»تقدم» و»الديمقراطي»، على المُضيّ بالجلسة البرلمانية المذكورة وانتخاب هيئة رئاسة المجلس، بما أسفر عن تجديد ولاية الحلبوسي، واختيار حاكم الزاملي نائباً أوّل له، وشاخوان عبدالله (من الديمقراطي) نائباً ثانياً، باحتمال مُضيّ هذه الأطراف نفسها نحو تشكيل حكومة أغلبية بمعزل عن الأطراف الأخرى، وإبطال مفاعيل التفاهمات التي كان قد توصّل إليها زعيم «الصدري»، مقتدى الصدر، وقادة «الإطار»، على نحو يعيد طرح السيناريوات السيّئة المحتملة في حال عدم التوافق.
وفي تصريح إلى «الأخبار»، يؤكد القيادي في «الاتحاد الوطني الكردستاني»، غياث السورجي، أن «هناك رفضاً من قِبَل الحزب الديمقراطي الكردستاني لترشيح الدكتور برهم صالح لولاية ثانية، لكنّ قيادة الاتحاد وقاعدته مصرّتان على أن يكون المرشّح الوحيد هو السيد برهم»، مضيفاً أن «الحزب الديمقراطي قدّم مرشحاً لمنصب النائب الثاني لرئيس مجلس النواب، ولم يكن لدينا خطّ أحمر أو فيتو على هذا المرشّح، ولا سألونا عنه، فكيف نحن نسأل حزباً آخر هل يرضى بمرشّحنا أو لا؟ ربّما يريد الحزب أن يرشّح لنا هو، أحد الأشخاص، وهذا عرفاً وقانوناً وحزبياً لا يجوز».
وإلى جانب التداعيات المتوقّعة للخلاف الكردي على المفاوضات الهادفة إلى تشكيل الحكومة، ثمّة انعكاسات محتملة لذلك على المستوى الكردي الداخلي؛ فمن شأن استمرار رفض «الديمقراطي» ترشيح صالح، نسف الاتفاق بين الحزبَين، والذي وحّد حكومة الإقليم في عام 2006، وربَط تقاسم المناصب الاتحادية بالمناصب داخل الإقليم، وأهمّها تولي «الديمقراطي» رئاسة «كردستان» مقابل تولّي «الوطني» رئاسة العراق. لكن يبدو أن لـ»الديمقراطي» أطماعاً في تعظيم حصّته على المستوى الاتحادي، بالاستناد إلى نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة التي نال فيها 31 مقعداً من أصل 329 مقعداً في مجلس النواب، مقابل 19 مقعداً لـ»الاتحاد».
رفْض «الديمقراطي» ترشيح صالح قد ينسف الاتفاق بين الحزبين والذي وحّد حكومة «كردستان» عام 2006


وفي هذا الإطار، يَلفت السورجي إلى أن «كردستان هو في واقع الأمر إقليمان داخل إقليم واحد: أربيل ودهوك للحزب الديمقراطي، والسليمانية وحلبجة مع إدارتَي كرميان ورابرين للاتحاد الوطني... ولكلّ حزب قوات بيشمركة وقوات أمنية واستخباراتية تابعة له»، على رغم أن «جميع المؤسسات الإدارية والخدمية تابعة لحكومة الإقليم»، مستنتجاً بأنه «لهذا السبب، لن يستطيع الحزب الديمقراطي فرض نفوذه على الجميع». ويضيف أن «تهميش أو إقصاء الاتحاد يؤدي إلى انقسام كردستان إلى إدارتَين أو حكومتَين أو إقليمَين، والكلّ يدرك ذلك، بِمَن فيهم الحزب الديمقراطي الذي لا يوجد لديه مرشّح لرئاسة الجمهورية، وكلّ ما في الأمر أنه يريد أن يَخرج الاتحاد بمرشح بالتوافق معه». ويشير إلى أن «الحزب والاتحاد يدركان أن مشاركة كلّ طرف لوحده في الحكومة المقبلة ستُضعف موقعه، بينما بوحدتنا سيكون لنا ثقل سياسي في الحكومة. لذا، نريد أن نذهب إلى بغداد كما اتفقنا، بورقة تفاوض موحّدة من أجل مصلحة الشعب العراقي عامة والكردي بشكل خاص».
في المقابل، يؤكد القيادي في «الحزب الديمقراطي»، ريبين سلام، في تصريح إلى «الأخبار»، أنه «لا يوجد أيّ بيان رسمي من قِبَل الحزب يشير إلى رفض أيّ شخصية موجودة في السلطة أو خارجها، يعني لا فيتو ولا خط أحمر على أيّ شخصية في الاتحاد الوطني، وباب التفاوض والتفاهم يظلّ مفتوحاً إلى حدّ انتهاء السقف الدستوري لاختيار رئيس الجمهورية، والذي بدأ في التاسع من الشهر الجاري ويستمر 14 يوماً». وإذ يَعتبر أن «نتائج الانتخابات أحدثت تغييراً كبيراً في الخارطة السياسية للعراق»، فهو يقرّ ضمناً بعدم رغبة «الديمقراطي» في التجديد لبرهم صالح، بقوله: «دائماً هناك بديل»، رافضاً مع ذلك طرح أيّ اسم «لأنه عند ذكر شخص سوف يتمّ حرق ورقته. لذا، لا أحد أيضاً قال مَن هو المرشّح لرئاسة الوزراء. وحتى لدى المكوّن السني، كان هناك تداول لعدّة أسماء، ولم يتمّ حسم أيّ مرشح في الإعلام». ونفى «إجراء أيّ مقايضات مع قوى سياسية أخرى»، لافتاً إلى أن «هذا النمط من السياسة لا يتّبعه الحزب الديمقراطي، لأن أيّ سلطة أو منصب سياسي يُعتبر وسيلة بالنسبة إلى الحزب وليس هدفاً، وغايتنا هي الوصول إلى أهداف أسمى وأعلى، تتمثّل برفع الغبن المستمرّ عن المناطق المتنازع عليها في الأراضي الخاصة بالإقليم والتي هي خارج إدارته».