قبل خمسة أسابيع، أبلغت شركة «حلبي مينا فارما»، الوكيل الوحيد لاستيراد دواء Buprenorphine وبديله Suboxone (يُستخدمان للعلاج من الإدمان على المواد الأفيونية)، وزارة الصحة أن مصرف لبنان يرفض توقيع الاعتمادات لاستيرادهما، ما يهدّد برنامج معالجة نحو 1200 شخص مسجلين ضمن برنامج العلاج بالبدائل لمستخدمي المواد الأفيونية في وزارة الصحة (المصدر الوحيد للدواء).الوزارة أبلغت صيدليات مستشفيات رفيق الحريري وضهر الباشق والياس الهراوي الحكومي، وهي المراكز الحصرية لتوزيع الدواء على المدمنين المسجلين في البرنامج والخاضعين للمتابعة من جمعيات معنية بعلاج الإدمان تتعاون مع الوزارة وأطباء نفسيين مُعتمدين من قبلها. وشكّلت دائرة المخدرات في وزارة الصحة خلية أزمة مع الجمعيات و«شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للحد من مخاطر استخدام المخدرات»، و«الجمعية اللبنانية للطب النفسي». وبحسب المديرة التنفيذية لمركز «سكون» لمعالجة الإدمان تاتيانا سليمان، فإن الخطوات الاستباقية المؤقتة للتقليل من المخاطر، تمحورت حول «طلب الوزارة من الجمعيات تخفيف عيارات الدواء (dose) المعطاة لكل مريض، واستحصال الوزارة على إذن من جمعية الأطباء النفسيين لاستخدام مخزونها من الدواء المنتهي الصلاحية منذ قرابة شهر، وتأمين الجمعيات هبة فرنسية حوّلتها إلى المستورد لشحن 6 آلاف علبة دواء، تسد حاجة الخاضعين للعلاج لفترة شهرين».
سليمان أكدت لـ«الأخبار» أن استخدام «الستوك» وتقليل كميات الدواء للمرضى والهبة لن تساعد في توفير العلاج «لأكثر من ثلاثة أشهر على أبعد تقدير». وهو ما أكدته أيضاً الدكتورة زينب عباس من دائرة المخدرات، مشيرة إلى احتمال وصول الشحنة الفرنسية هذا الأسبوع، وإلى أن التبرعات من الجهات الدولية كالأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي «حلّ مرحلي»، أما المدى الطويل فـ«غير مضمون».
امتنع مصرف لبنان عن فتح اعتمادات لاستيراد الدواء الوحيد لعلاج المدمنين


معاناة المدمنين على المواد الأفيونية كانت قد بدأت قبل بلوغ مرحلة الانقطاع الكلي، مع رفع مصرف لبنان للدعم بنسبة 20% عما تبقى من دواء Buprenorphine وبديله Suboxone في مراكز الوزارة، ليصل سعره إلى ما بين 121 ألف ليرة و136 ألف ليرة بعدما كانت تتراوح بين 27 ألف ليرة و30 ألفاً. لذلك، فإن السؤال مشروع عما إذا كان الرفع الجزئي للدعم عن العلاج، وتوقفّ مصرف لبنان عن توقيع موافقات استيراده، خطوة نحو الرفع الكلي للدعم. وهو سؤال لا جواب عليه لا لدى الوزارة ولا الجمعيات، علماً أن التفاوض مستمر مع مصرف لبنان وفق تأكيد عباس.
وأبعد من دخول المستشفى وأذية النفس، فإن تأثيرات الانقطاع المفاجئ للمدمن عن العلاج البديل تصل إلى حد الوفاة بجرعات زائدة أو ارتكاب جرائم خلال نوبات عنفية بسبب العوارض الانسحابية.
وتوضح سليمان أن «العلاج البديل يعطى على فترة زمنية طويلة، وتوقيفه يكون تدريجياً، منعاً لتهديد حياة متلقيه واحتمال عودته إلى الإدمان، خصوصاً أن الفئات التي تخضع لهكذا أنواع من العلاجات مصنّفة حالتها بالمستعصية، والتقنين بكميات الدواء في حد ذاتها يخلق لديها أوجاعاً نفسية وجسدية».
أما البدائل المتوافرة عن تناول الأدوية البديلة للأفيونيات، كبرنامج إزالة السموميات «ديتوكس»، فمحصور بالحالات العويصة، حيث تعمل الجمعيات بالتعاون مع وزارة الصحة على إدخال المريض إلى مستشفى ضهر الباشق الحكومي، المستشفى الحكومي الوحيد الذي يجري هذا النوع من العلاج. والمعضلة هنا تكمن في كلفة «الديتوكس» التي تراوح وفق عباس «بين 5 ملايين ليرة إلى 10 ملايين كفرق وزارة، وقد أمّنت خلية الأزمة منحة لتغطية علاجات «الديتوكس» خلال الشهر الحالي فقط، والعمل جارٍ لتأمين تغطية لكانون الثاني المقبل».



العلاج حق مقابل الملاحقة
في لغة القانون، يطيح تعسّف المصرف «المركزي» بمبدأ عدم ملاحقة المدمن مقابل الالتزام بالعلاج، ويلفت المحامي بول مرقص إلى أن «المشرّع كرّس حق المدمن في طلب العلاج قبل ملاحقته وحتى أثناء استجوابه والنظر في قضيته، شرط متابعة العلاج حتى استحصاله على شهادة تثبت شفاءه التام».
وينصّ قانون المخدرات والمؤثرات العقلية والسلائف الصادر سنة 1998 في المادة /183/ منه على أنه «لكل مدمن على المخدرات قبل إجراء أي ملاحقة ضده أن يتقدم تلقائياً أمام لجنة مكافحة الإدمان على المخدرات المنصوص عليها في المادة 199 من هذا القانون طالباً إخضاعه لتدابير العلاج الجسماني والنفساني من مرض التعاطي، ويوقع تعهداً بذلك حيث يكون له الحق في هذه الحالة بإخفاء هويته إلا لأشخاص ملزمين بسر المهنة وعدم ملاحقته إذا تابع العلاج واستمر فيه حتى استحصاله على شهادة تثبت شفاءه التام من التسمم الإدماني والاعتياد الجسماني وتخلصه من الارتهان النفساني لعادة التعاطي».
وبما أن المشرّع لم يرد على ذكر الحالات التي تكون خارجة عن إرادة المدمن التي تمنعه من متابعة العلاج، فبرأي مرقص «يعود للقاضي التثبت من أن الانقطاع عن العلاج كان نتيجة أسباب خارجة عن إرادة المدمن، ولديه استنسابية للحكم بملاحقته من عدمها».