ينظر أفرقاء في قوى 8 و14 آذار على السواء الى جلسة 8 شباط كأن انتخاب رئيس الجمهورية واقع حتماً، والرجل يكاد يصبح معروفاً. يتصرف هؤلاء على ان الاستحقاق بات احصاء نواب وعدّ أصوات ينتهي الى ترجيح كفة احد المرشحين المحتملين: النائب سليمان فرنجيه على حساب الرئيس ميشال عون. يحملهم هذا الحساب على التعويل على موقفي قطبين سيتيحان فوز نائب زغرتا هما الرئيس نبيه بري بكتلته التي تضم 13 نائباً والنائب وليد جنبلاط بكتلته التي تضم 11 نائباً، انطلاقاً من اعتقادهم بأن مواقع الافرقاء جميعاً تقريباً صارت واضحة الخيارات وشبه نهائية، ولم يعد ينقص سوى الذهاب الى صندوقة الاقتراع.
تعزز وجهة نظر هؤلاء ميل رئيس المجلس الى فرنجيه بسبب خلافه المزمن مع عون، وانضمام جنبلاط الى تأييد الرئيس سعد الحريري في دعم فرنجيه وهو الذي يجهر برفض انتخاب عون. يقاربون جلسة 8 شباط على ان اكتمال نصاب الثلثين لالتئامها حاصل، على ان فوز فرنجيه يتم في الدورة الثانية من الاقتراع بسبب تعذر حصول احدهما على ثلثي الاصوات في الدورة الاولى. في بساطة يرون المشهد كأنه على وشك اسدال الستار.
لا يذهب عون الى جلسة منافسة بينه وفرنجيه، ولا الى جلسة بلا سنّة

مع ذلك، سواء اصاب اصحاب هذا الرهان ام اخطأوه، ثمة كمّ من المعطيات لا يزال يحول دون انعقاد جلسة 8 شباط مقدار ظن اولئك انه اقرب من اي وقت مضى:
1 ــــ لم يقل بري مرة الى الآن انه ضد عون ولا يريد الاقتراع له او يرفض ترشيحه، كما لم يفصح مرة ايضاً عن تأييد علني لفرنجيه. لا يسمع منه محدّثوه وزائروه سوى اصراره على انعقاد الجلسة التي يحدد موعدها واكتمال نصابها وانتخاب الرئيس. يضيف: «عندما يكتمل النصاب اصعد الى القوس وافتتح الجلسة وليُنتخب مَن ينتخب». لم ينسَ بري ان يقول ايضا امام زواره ومحدثيه: «بعد اقل من شهرين تكون انقضت سنتان على عدم انتخاب الرئيس. الشغور بدأ في 25 ايار، لكن الاستحقاق الرئاسي بدأ قبل ذلك في 25 آذار مع بدء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس. كان ينبغي انتخابه في ذلك الوقت، في المهلة الدستورية، وليس بعد حصول الشغور».
لا يحتاج الامر الى تكهن مستفيض للقول بأن لرئيس المجلس ــــ شأن سواه من الناخبين المحليين الكبار ــــ مرشح يؤيده. بل لا يسعه كرئيس للمجلس وكرئيس لحركة امل الا ان يكون له مرشح سواء كان احد الاثنين المعلنين او ثالثاً من خارج اللائحة المتداولة ومن خارج مواصفاتهما كمرشح صداقة الاعوام الاربعين المنصرمة.
2 ــــ رغم تأكيده طوال الوقت ان عون مرشحه الاول بلا ادنى تردد، ولن يخوض في اسم مرشح سواه، لم يقل حزب الله بعد ــــ منذ كشف عن اجتماع باريس بين الحريري وفرنجيه في 19 تشرين الثاني ــــ انه ضد انتخاب نائب زغرتا. ترشيح فرنجيه هدية مؤكدة للحزب كان يصعب تصديقها لشهور خلت، لكن الاولوية لا الافضلية تظل لعون وحده حتى يتخلى الرجل عن نفسه.
موقف كهذا يميز في الظاهر وجهة نظر حزب الله عن رئيس المجلس الذي أحجم الى الآن عن تسمية مرشحه، مع الاخذ في الاعتبار ان لبري اسلوبا في التعامل مع الاحداث والاستحقاقات اعتاد عليه حلفاؤه وخصومه على السواء، وهو امتلاكه حيزا واسعا من المناورة للتحرك واطلاق المفاجآت في اكثر من اتجاه عندما لا يكون اوان القرارات قد حان. على نحو مماثل قفز بفريقي 8 و14 آذار مرتين على التوالي الى طاولة الحوار الوطني عندما لم يكن احد يتوقعها عامي 2006 و2015، وعندما اخترع الحوار السنّي ــــ الشيعي في عين التينة منذ كانون الاول 2014 بلا انقطاع، وعندما تمسك بالانتخابات النيابية عام 2014 ثم مال فجأة الى تمديد الولاية. اغرق الافرقاء جميعاً تقريباً في التكهنات عندما قال قبل ثلاثة اسابيع انه ــــ بين خياري عون وفرنجيه ــــ يترك لنواب كتلته حرية الاقتراع لأي منهما. بل يعرف هؤلاء وسواهم، كما الذين يعرفون رئيس المجلس، ان خياراً كهذا ليس استثنائياً في قرارات بري فحسب، انما نادر على مرّ تاريخ الرجل.
ولأنه يعي ان اوان انتخاب الرئيس لم ينضج تماماً، يفتح بري الباب على شتى الخيارات المحتملة بما فيها التي لا تلتقي وتوأمه الشيعي حزب الله، لكن من غير ان يصلا الى مرحلة التناقض. لكل منهما موقعه وتقديره للمعطيات واسلوب تعامله معها، الا انهما يذهبان معاً، يداً في يد الى القرار. في ما مضى راهنت قوى 14 آذار، في ذروة صعودها عامي 2005 و2006، على وهم انتزاعها بري من تحالفه مع حزب الله قبل ان تتضح لها خفة الرهان وسذاجته. شيء من هذا القبيل يُقرأ في الاستحقاق الرئاسي على ان لبري رأيا مغايرا لحليفه حزب الله، كأن يدعو الى جلسة انتخاب لا يحضرها الآخر، او يتوجهان اليها بمرشحين متنافسين هما حليفاهما.
3 ــــ ابلغ عون الى اكثر من طرف داخلي، حليف وغير حليف، انه لا يذهب الى جلسة انتخاب الرئيس منافساً فرنجيه وجها لوجه، ولا يذهب الى جلسة يقاطعها السنّة وتحديداً تيار المستقبل. وهو مغزى اصراره على الاجماع على انتخابه او لا جلسة انتخاب. لا يبدو رئيس تكتل التغيير والاصلاح بعيدا من الفكرة القائلة بأن اتفاق معراب غير كاف لوحده كي يجعل انتخابه رئيساً قراراً حتمياً، على اهمية لقائه برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وتكريس المصالحة المسيحية بين تنظيميهما. وهو ايضا فحوى ما لمح اليه بري اكثر من مرة في الايام الاخيرة، بأن اتفاق معراب لا يرجح لوحده كفة الرئاسة لمرشح هذا الاتفاق، واستطراده من ثم ان انتخاب الرئيس قرار يشترك فيه الافرقاء جميعا بلا استثناء.
لم يهضم عون تماماً عبارة رئيس المجلس لوزير الخارجية جبران باسيل في عين التينة غداة اجتماع معراب بأن عليه الذهاب ايضا الى بنشعي، مثلما لم يهضم بري بدوره ولم يوافق الوزير الياس بوصعب قوله ان الثنائية المسيحية (التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية) تشبه الثنائية الشيعية (حزب الله وحركة امل): كلتاهما تمثل الاكثرية الساحقة في طائفتيهما.
اما موقع جنبلاط وما يريده في هذا الاشتباك، فشأن مختلف.